Site icon IMLebanon

أبرز مسببات الفوضى الاقتصادية في اليمن


سعود بن هاشم جليدان
يعاني اليمن تردي الأوضاع الاقتصادية منذ فترة طويلة، ما قاد إلى انخفاض معدلات الناتج المحلي للفرد مقارنة بباقي دول العالم. وعلى الرغم من جهود التنمية ومساعدات المنظمات الدولية والدول الأجنبية، لم يتحسن كثيرا نصيب الفرد من الناتج المحلي خلال الربع قرن الأخير. وظلت معدلات الناتج المحلي للفرد (مقيما بأسعار الصرف) في اليمن تحت مستوى 1400 دولار، ومن المتوقع أن يتراجع تحت هذه المستويات بسبب الفوضى الضاربة لأطنابها في اليمن خلال الوقت الحالي. ولم يحقق اليمن تحسنا يذكر في مستويات المعيشة الاقتصادية خلال العقدين الأخيرين حتى بعد اكتشاف وتصدير كميات محدودة من النفط والغاز. وقد شابت سياسات وعمليات إنتاج النفط والغاز ممارسات فساد واسعة وفاضحة خفضت بشكل كبير من منافع تدفق إيرادات هذين المصدرين. ومن أبرز تلك الممارسات توقيع الحكومة اليمنية في عام 2008 عقودا لبيع الغاز الطبيعي بأسعار متدنية وصلت إلى أقل من 10 في المائة من أسعار الغاز الطبيعي في آسيا. وقد تم تعديل بعض اتفاقيات بيع الغاز بعد أن أطاح الحراك اليمني بالرئيس السابق صالح وحكومته عام 2011. وإضافة إلى ذلك، تشير بعض المصادر إلى صفقات مشبوهة في قطاع النفط اليمني، حيث سيطرت بعض مراكز القوى قبل عام 2011 على شراء وتسويق النفط اليمني، ومن بين أبرز المتهمين ابن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وشخصيات أخرى متنفذة. وعموما تعاني الحكومة اليمنية ارتفاع ممارسات الفساد لدى مراكز القوى والمسؤولين الحكوميين، الذي جاء على شكل انتشار كبير في عمليات الرشوة، وإهدار الموارد العامة للدولة، وانتشار واسع للمحسوبية والتحيزات القبلية أو الجهوية، وتراجع قدرات المؤسسات العامة في الاستجابة لتطلعات المواطنين أو تقديم الخدمات لهم. ويشير مؤشر رؤية الفساد العالمي إلى احتلال اليمن ترتيبا متأخرا بين دول العالم في مستويات النزاهة، حيث حلت في المرتبة 161 بين 175 دولة غطاها المؤشر. وقد أدت ممارسات الفساد إلى تراجع واضح في موارد الدولة وإلى ضياع قدر كبير من هيبتها وقدرتها على تنمية البلاد. ويشير الكثير من زوار اليمن إلى تلاشي كبير في سلطة الدولة بعد الخروج من العاصمة حتى إبان قوة الدولة اليمنية، ما نتج عنه ضعف السيطرة الأمنية وتردي مستويات سيادة القانون وتفعيل الأنظمة في أرجاء البلاد. وقاد التخلخل الأمني إلى انتشار مختلف أنواع السلاح في جميع أرجاء اليمن، وازدياد قوة المجموعات المسلحة والإرهابية المدعومة من جهات خارجية أو محلية.
ولا تقتصر مآسي اليمن على انتشار الفساد المالي والإداري، وضعف سيطرة الدولة، وعدم احترام القانون، وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد، بل يعاني اليمن سوء توزيع الدخل وارتفاع معدلات الفقر. وتقدر المصادر الدولية نسبة السكان المعانين من الفقر المدقع بنحو 45 في المائة من سكان البلاد. كما يعاني جزء كبير من سكان اليمن الأمية وتردي الرعاية الصحية ورداءة البنية الأساسية. وقد عمقت ندرة الموارد الطبيعية وتراجع مستويات التنمية، والناتج المحلي الإجمالي المتدني، والفساد الإداري والمالي من معاناة معظم سكان اليمن ورفعت مستويات الفقر. وقد سهل انتشار الفقر، وضعف مؤسسات الدولة، وهشاشة سلطتها، وانتشار الفساد من تأسيس التنظيمات الإرهابية والمشبوهة وساعدها على الانتشار وكسب النفوذ والأتباع والقوة في أرجاء اليمن. وإضافة إلى كل هذا تنتشر في المجتمع اليمني ظاهرة استهلاك القات الذي دخل إلى اليمن منذ عدة قرون وخفض من معدلات إنتاجية الأرض والعمالة. وعموما ومهما حاول بعض اليمنيين تبرير اقتصاديات القات، لا يمكن إغفال الدور السلبي الذي لعبه القات منذ دخوله اليمن على الاقتصاد والنمو وتسببه في خفض معدلات النمو وزيادة الفقر. والمجتمع اليمني حر في عاداته وتقاليده، ولكنه يتحمل وحدة تبعات تلك العادات والتقاليد. وينبغي له إعادة النظر في كثير من المسلمات حول القات واستخداماته وذلك لرفع معدلات النمو ومحاربة الفقر ورفع مستويات المعيشة.
إن التصدي للفوضى في اليمن يتطلب التصدي للعوامل الرئيسة التي تقف خلفه. ومع أن هناك عوامل أخرى غير الفساد والفقر وضعف الدولة تساعد أو تستغل من أجل نشر حالة عدم الاستقرار، إلا أن تأثيرها يضعف كثيرا أو يتلاشى لو تم الحد بشكل كبير من تأثير العوامل الرئيسة التي تقف خلف الفوضى. صحيح أن الاختلافات المذهبية والجهوية والقبلية قد أسهمت بقوة في حالة الفوضى الحالية، ولكن هذه الاختلافات كانت موجودة لقرون عديدة ولم تتسبب وحدها في نشر الفوضى في اليمن. وتسبب الاختلاف المذهبي في نشر الفوضى أخيرا بسبب التدخل الإيراني المذهبي الذي جاء نتيجة للفقر والفساد وضعف وهشاشة الدولة اليمنية.