محمد الصياد
يتحكم في تذبذبات أسعار النفط نوعان من العوامل، النوع الأول هي تلك العوامل التي تنتمي إلى الأساسيات الاقتصادية (Economic fundamentals)، والنوع الثاني وهي تلك التي تنتمي إلى ما تسمي بالمتغيرات الفنية (Technical variables) . النوع الأول هو الذي يشكل الأساس الموضوعي والمحوري لتحركات الأسعار صعوداً أو هبوطاً لأنه يتعلق بدالتي العرض الطلب (قوى السوق) . في حين يشكل النوع الثاني رديفاً مكملاً للبارومترات الأساسية التي تؤثر في حركة الأسعار . وهي تتعلق أساساً بالحوادث الطارئة مثل الأعاصير التي تلحق أضراراً بالمنشآت النفطية، والاضرابات فيها، والاضطراب السياسي، وأعمال الإرهاب والتخريب التي تطال هذه المنشآت، والإغلاقات لأغراض الصيانة الدورية في المنشآت النفطية (Major shutdowns) . فما إن يطرأ حادث ما من هذه الحوادث، حتى يجد انعكاساته صعوداً في سعر برميل النفط، لكنه صعود طفيف لا يتجاوز حجمه حجم كمية النفط المحجوبة بفعل الحادث الطارئ .
وهناك نوع ثالث نميل إلى إضافته بالرغم من انتمائه للنوع الثاني وهو الدور الذي تضطلع به أجهزة الميديا لاسيما منها الإعلام الاقتصادي الدولي المتخصص وفي مقدمته وكالة الأنباء الأمريكية المتخصصة في القضايا الاقتصادية والبيانات المالية “بلومبيرغ”، ووكالة الأنباء البريطانية “رويترز” وغيرهما، وذلك من خلال تأثيرها القوي والواضح في توجيه أمزجة الأسواق وصانعي الأسواق (Market Makers) والمتعاملين فيها، خصوصاً إبان فترات اختلال التوازن بين العرض والطلب على النفط في السوق البترولية الدولية .
إذ تصب القراءات والتحليلات التي يدلي بها المحللون الاقتصاديون والنفطيون لوسائل الإعلام المختلفة، لاسيما لوكالتي الأنباء سالفتي الذكر، في مجرى التأثيرات الملقية بظلالها على توجهات المستثمرين والمتعاملين في الأسواق العالمية، لاسيما منها سوق البترول الدولية . وإن شئنا الاستفاضة، فإننا نميل إلى ترجيح فرضية قيام هذه الوسائط الإعلامية النافذة بالتخادم مع تلك الأوساط من المتعاملين في بورصات النفط العالمية (ما دمنا نتحدث عن سلعة النفط تحديداً) المنتمين منهم خصوصاً إلى فئة المضاربين (Speculators) .
وكنت قد عدت للتو من العاصمة السعودية الرياض، حيث دُعيت للمشاركة في أعمال ملتقى الإعلام البترولي الثاني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي عُقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود خلال الفترة من 22-24 مارس 2015 تحت شعار “الإعلام البترولي الخليجي . . قضايا وتحديات”، معقباً على بعض الأوراق التي طرحت في الملتقى الذي شارك فيه وزراء النفط والطاقة وكبار مسؤولي قطاع النفط في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث كرّس يوم افتتاحه خصيصاً لحوار مفتوح شارك فيه وزراء النفط والطاقة بدول المجلس . فكانت هذه الجلسة النقاشية الوزارية، مناسبة لوزراء النفط والطاقة بدول المجلس، لتسليط الضوء على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انخفاض أسعار النفط وما رافقها من ملابسات وإشاعات وتأويلات بعيدة عن واقع الحال في سوق البترول الدولية .
فلقد انبرى وزير البترول والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية علي النعيمي لإعادة التوضيح والتأكيد على أن قرار “أوبك” في اجتماعها الأخير في فيينا في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني ،2014 بالإبقاء على سقف إنتاج المنظمة من دون تغيير عند 30 مليون برميل يومياً، جاء بهدف محافظة الدول الأعضاء على حصصها في أسواق استهلاك النفط العالمية، وليس لدواعي سياسية تتعلق بروسيا أو إيران أو النفط الصخري الأمريكي كما ذهبت الإشاعات إلى ترديده . موضحاً: “تحدثنا كثيراً عن عدم وجود مؤامرة، إلا أن هنالك بعض الأصوات التي ما زالت تردد وجود ذلك للأسف، وأن أوبك لن تتحمل وحدها عبء ما هو حاصل اليوم في سوق النفط الدولية، وقد اجتمعنا وحاولنا مع بعض الدول ولم نوفق نظراً لإصرارها على أن تتحمل أوبك فقط عبء خفض الإنتاج” .
وقد ثبت من خلال مناقشات الملتقى وجود أزمة ثقة بين وزارات النفط وكبار مسؤوليها في الدول المنتجة والمصدرة للنفط وبين الاعلاميين، خصوصاً الإعلاميين الغربيين الذين “يشطح” بهم الخيال في تناولاتهم للقضايا والسياسات النفطية لهذه الدول . وهو ما نوه به وزير الطاقة سهيل المزروعي في حلقة النقاش الوزارية التي دشنت الافتتاح الرسمي لملتقى الإعلام البترولي الثاني . وهو ما أوضحة أيضاً وبشكل تفصيلي مستشار وزير البترول والثروة المعدنية السعودي الدكتور إبراهيم المهنا في ورقته التي قدمها في جلسة العمل الأولى للملتقى .
والحال أنه من الصعب تصديق أن وسائل الاعلام الغربي، ومن ضمنها وسائل الإعلام الاقتصادي المتخصص، غير مطلعة أو غير مدركة لحقيقة أن قرار “أوبك” في 27 نوفمبر 2014 بالإبقاء على سقف إنتاجها عند مستوى 30 مليون برميل يومياً من دون تغيير، كان قد اتُخذ بإجماع الدول الأعضاء ال 12 . فكيف يمكن أن يكون القرار موجهاً ضد دولة عضو مثل إيران وهي صوتت مع اتخاذ هذا القرار .
ثم إن الإعلام الغربي على اطلاع تام بما تقوم به مصافي النفط الروسية الصغيرة أو “أوني الشاي” (Tea pots)، كما تسمى، نظراً لطاقتها التكريرية المحدودة (أقل من 100 ألف برميل يومياً)، التي يقتصر نشاطها التكريري على استخلاص زيت الوقود من دون بقية المنتجات النفطية مثل الديزل أو البنزين وغيرهما، ما تقوم به هذه الأيام من تصدير نفطها الخام عوضاً عن تكريره بعد اضطرار الحكومة الروسية لتقليص دعوماتها لهذه المصافي نتيجة لتراجع إيرادات موازنتها بعد انخفاض أسعار النفط، حيث يتوقع أن تصل كمية ما تعرضه هذه المصافي في السوق إلى نحو ربع مليون برميل يومياً تضاف إلى صافي الفائض في السوق والمقدر حالياً بأكثر من مليوني برميل يومياً . فكيف يمكن أن تكون روسيا مستهدفة بانخفاض أسعار النفط وقد صارت هي نفسها عاملاً إضافياً ضاغطاً على أسعار النفط؟
الإعلام الغربي بهذا المعنى يدرك هذه الحقائق ولكنه ينشر ما يوافق مصالح حكومات بلدانه المستوردة والمستهلكة للنفط .