زياد الدباس
يُعتبَر الذهب ملاذاً آمناً في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية والمالية، وأوقات انعدام اليقين، وأوقات اضطرابات أسواق الصرف خصوصاً عند التراجع الكبير لأسعار صرف العملات وتذبذبها. وعمدت المصارف المركزية خصوصاً في الاقتصادات الناشئة إلى شراء الذهب لتعزيز احتياطاتها وتنويعها في مواجهة الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008 وتأثيراتها السلبية في الاقتصادات المحلية والاقتصاد العالمي، ما ساهم في شكل أساسي في إطلاق دورة ارتفاع أسعار هذا المعدن النفيس نظراً إلى ارتفاع حجم الطلب عندما تجاوز سعره حاجز ألف دولار للأونصة للمرة الأولى في التاريخ.
ومع بداية أزمة الديون الأوروبية وارتفاع أخطارها عام 2010، قفز سعر الذهب إلى 1400 دولار للأونصة بينما ساهم خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم وأهم عملة دولية، في ارتفاع سعر الذهب إلى 1815 دولاراً للأونصة. وجاء عام 2013 لينهي 12 سنة من المضاربات والارتفاعات المتتالية إذ تراجع سعر الذهب خلال العام بنسبة 28 في المئة. ومع بداية عام 2014 وتغير الظروف الاقتصادية والمالية والاستثمارية العالمية، بدأت الرهانات بين المؤسسات والمصارف الاستثمارية الكبرى حول توقعات أسعار الذهب خلال العام، وكانت التوقعات بين متفائل ومتشائم، وسرعان ما برز تفاوت كبير بين هذه التوقعات والأداء الفعلي للأسعار، إذ انخفضت الأخيرة إلى 1182 دولاراً للأونصة في المتوسط وبنسبة اثنين في المئة، فيما كانت مؤسسة «مورغان ستانلي» توقعت أن ترتفع الأسعار إلى 1263 دولاراً في المتوسط، وأشار تقرير اقتصادي متخصص صدر عن غرفة تجارة وصناعة دبي إلى أن الأسعار ستتعرض لخسائر نسبتها 15 في المئة، وأشار نصف من شملهم استطلاع لوكالة «رويترز» وعددهم 27 خبيراً إلى أن أسعار الذهب ستتراجع عن مستوى الدعم الرئيسي البالغ 1100 دولار، علماً أن التوقعات السلبية استندت إلى توقعات صعود الدولار وتعافي الاقتصاد العالمي.
وخلال هذا العام يستمر تفاوت توقعات الجهات الاستثمارية العالمية لحركة أسعار الذهب علماً أن من العوامل المهمة التي تحددها هو معدل سعر صرف الدولار باعتبار أن الذهب مثله مثل أي سلعة تجارية في العالم يُسعَّر على المستوى العالمي بعملة العالم الأولى وهي الدولار.
والعلاقة العكسية بين الدولار والذهب مردها إلى أن الذهب هو من أدوات التحوط المهمة ضد أخطار تغير معدل صرف العملات. والارتفاع القوي لسعر صرف الدولار خلال العام الماضي وهذا العام والذي ساهم في تسجيل مؤشر العملة الأميركية أكبر مكسب سنوي منذ 2005 من أسباب التحول عن الذهب في ظل تدفق رؤوس الأموال من الدول التي ترتفع فيها مستويات الأخطار إلى الأصول المقومة بالدولار.
ومن العوامل التي تؤدي دوراً سلبياً في أداء مؤشر سعر الذهب في الأجل القصير، معدل التضخم في الولايات المتحدة إذ أثبتت الدراسات وجود علاقة موجبة بين التغير في سعر الذهب ومعدل التضخم الأميركي نتيجة أثر التضخم في القوة الشرائية للدولار وبالتالي يعني ارتفاع معدل التضخم تراجع القوة الشرائية للدولار بما يساهم في ارتفاع أسعار الذهب بسبب تزايد الطلب بدافع التحوط ضد أخطار التضخم. وتشير دراسات إلى أن الذهب ليس الأصل الاستثماري المناسب للتحوط من التضخم خصوصاً للمستثمرين في الأجل البعيد باعتبار أن التغيرات في أسعار الذهب لا تتماشى والتغيرات في معدل التضخم.
وتؤدي توقعات ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة خلال هذا العام دوراً سلبياً في تحركات أسعار الذهب فتصبح الأدوات التي تدر فائدة مثل السندات الأميركية أكثر جاذبية من الذهب باعتبار أن الأخير معدن عقيم لا يولد أرباحاً ذاتية لأنه لا ينمو من الناحية المادية بمرور الوقت بعكس الأصول المالية البديلة.
ولابد من الإشارة أيضاً إلى أن انتعاش الأسهم الأميركية يحد من الطلب على الذهب في ظل تحسن أداء الاقتصاد الأميركي والتعافي المستمر في النمو وتحقيق أكبر مكاسب في التوظيف. وتتراوح توقعات المحللين لسعر الذهب هذا العام بين ألف و1080 دولاراً للأونصة، بينما تتوقع جهات متخصصة أن يبلغ متوسط السعر 1190 دولاراً على مدى العام بأكمله. وبالتالي لا يُتوقَّع أن يشهد هذا العام قفزة أو طفرة في أسعار الذهب كما حدث في سنوات سابقة وكذلك يُستبعَد حصول انهيار كبير فيها.