Site icon IMLebanon

بعد اتفاقيات تجارية عربية واوروبية… لا يمكن للبنان ان يقفل سوقه ويطلب من الآخرين فتحها!

TradeDeficit1
مايا نادر
فى العقود الأخيرة ، شهد العالم سلسلة من التحديات السياسية والأجتماعية و الأقتصادية في ظل الأوضاع العالمية الجديدة ، خصوصاً ظهور التكتلات الاقتصادية و المنافسة الدولية و انتشار الشركات المتعددة الجنسيات و الأدوار..
بالتالي، فان التسويق الدولى أصبح ضرورة ،فضلاً عن ان التصدير بات من أهم الأهداف الأقتصادية بالنسبة للدول وللشركات على حد سواء، لما يمثله من نقطة الأنطلاق الى الأسواق العالمية.
من جهة أخرى، إتباع نظام الأقتصاد الحر المفتوح و التخفيض المستمر للتعرفة الجمركية وفتح الأسواق للتجارة الحرة بات من الامور التي تسعى اليها الدول ، على امل ان يؤدى الى أنتعاش المناخ الأقتصادى وازدهار الصناعات الوطنية المميزة.
في هذا الاطار ، كثر الحديث في الفترة الاخيرة عن اتفاقيات تجارية دخلت حيّز التنفيذ من هنا، لتطل آثارها السلبية برأسها من جهة أخرى. وفي ظل الحديث عن دخول اتفاقية الشراكة اللبنانية مع الاتحاد الاوروبي حيز التنفيذ ، انهالت التحليلات الاقتصادية حول جدواها الاقتصادية تبعاً للصادرات والواردات وللميزان التجاري …
بعيد من تلك التحليلات والتوقعات، اتفاقيات تجارية عدة وقعها لبنان منذ سنوات طويلة ومفاعيلها ما زالت سارية المفعول في مجتمعنا الاقتصادي.. ما هي ابرز تلك الاتفاقيات وما هي نتيجة المفاوضات للانضمام الى منظمة التجارة العالمية ؟
“الاعمار والاقتصاد” التقت رئيسة فريق العلاقات الدولية لمشاريع الـ UNDP في وزارة الاقتصاد السيدة رفيف برو التي لخّصت كافة الاتفاقيات واهدافها فضلاً عن تعريف اتفاقيات الاطار ومفاعيلها.

اتفاقية الشراكة الاورو متوسطية
في البداية، اشارت رفيف برو الى ان اتفاقية الشراكة بين لبنان والاتحاد الاوروبي، تشمل عدة مجالات فضلا ًعن كل قطاعات التعاون بين البلدين ، من العدل الى الامن والثقافة ، الى التربية والمالية العامة .
ضمن تلك المجالات، تنضوي الاتفاقية التجارية في ما بين البلدين، التي وقّعت عام 2002 وبدأ تطبيق مفاعيلها في عام 2003 على ان تنتهي شروطها عام 2015.
في هذا الاطار، وضّحت برّو آلية سير عملية تطبيق الشروط berroالتدريجية.
وفي التفاصيل، انه في عام 2003، تم السماح لكل البضائع اللبنانية – البضائع والمنتجات الصناعية منها – الدخول الى الاسواق الاوروبية معفاة من التعرفة، بعيداً من المنتجات الزراعية والصناعية الزراعية التي تنضوي تحت اطار لوائح خاصة بها.
في السياق، تحدثت عن جدول تعريفي خاص للتخفيض الجمركي التدريجي يحكم دخول البضائع الاوروبية الى الاسواق اللبنانية ، بدأ في العام 2003 ووصل الى تعرفة “صفر” في العام 2015. فضلاً عن ان الرسوم الجمركية هي التي خفّضت، في حين ان رسوم الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة لم تخفّض.
من هنا، استطردت برو للحديث عن ان قوانين وشروط هذه الاتفاقية، اعطت اللبنانيين عموماً والتجار والصناعيين خصوصاً فترة 12 سنة للتأقلم مع التغيرات التي يمكن ان تطرأ جراء تلك الاتفاقية.
وخلال تلك الفترة، استقبل لبنان مساعدات تقنية من الاتحاد الاوروبي لمساعدة الصناعات اللبنانية على التأقلم مع متطلبات تلك الاتفاقية.
واذ اعتبرت برو انه قد تم نقل الصورة العامة بشكل غير صحيح ، استوجب التوضيح… اشارت الى انه خلال التفاوض على تلك الاتفاقية – تماماً كغيرها من الاتفاقيات – كانت جمعية الصناعيين كما اتحاد الغرف شركاء بالمفاوضات وبجلسات النقاش، قبل واثناء وبعد التفاوض.

برامج الدعم
بالعودة الى التعاون التقني، تحدثت برو عن برامج عدة مدعومة من الاتحاد الاوروبي :  برنامج “السيم” لتحسين قدرات الصناعيين اللبنانيين الانتاجية ، فضلاً عن آلية ادارتهم لصناعتهم وشركاتهم لتتوافق مع المتطلبات الاوروبية لتسهيل دخول بضائعها.
 برنامج الجودة في وزارة الاقتصاد والتجارة – والذي بات في مرحلته الرابعة – لدعم المختبرات اللبنانية فنياً بمعدات للقيام بالفحوصات المطلوبة في الاتحاد الاوروبي وبالتالي تسهيل دخول البضائع اللبنانية الى تلك الاسواق.
 برنامج تدريب اكثر من 50 الى 60 شركة لبنان للاستحصال على شهادة “ايزو” التي تؤمن افضلية الدخول الى الاسواق الاوروبية.
السياسة التنافسية
في سؤال حول امكانية لبنان منافسة بضائع اوروبية لا ضرائب جمركية عليها، في وجود فائض من البضائع المنافسة في البلد لاسباب عدة … تقول برو ، ان التعرفة الجمركية اساسًا في لبنان ليست مرتفعة – مع اتفاقية او بدونها – فهي لا تتخط الـ 5 بالمئة الى الـ 10 بالمئة، فضلاً عن بعض المنتجات المحددة بنسبة 70 بالمئة واكثريتها من الفئات والمنتجات الزراعية غير الملحوظة اساسًا في الاتفاقية بشكل كامل بل لها لوائحها الخاصة. ( تجدر الاشارة الى انه في العام 2000 خفّض لبنان التعرفة الجمركية الى 5 و 10 بالمئة فضلاً عن بعض المنتجات التي تصل تعرفتها الى 70 بالمئة )

فتح الاسواق
في المحصلة، اعتبرت برّو ان المنحى العام ينحو صوب فتح الاسواق، بالتالي لا يمكن للبنان ان يقفل سوقه في حين يطلب من الآخرين فتحها. فالمعاملة بالمثل والتبادل امر ضروري في هذا المجال ، وبالتالي فان لبنان يعتمد على رجال الاعمال اللبنانيين لتدوير بضائعه في كافة الاسواق العربية واليوم في اميركا اللاتينية …
التنافس امر ايجابي لتطور الصناعات
في حين اشارت برو الى ان كثرة البضائع في الاسواق امر اساسي في زيادة حدة التنافس، شددت على ان هذا الامر بديهي ومبدأ المنافسة امر طبيعي . ولا بد من ان تتضرر بعض الصناعات عند ولادة أخرى جديدة وحديثة، الا ان هذه هي طبيعة التجارة التي تعتمد على اساس المنافسة.
في المقابل، ورغم تضرر بعض الصناعات ، الا ان برّو اعتبرت انه في ظل التطور الحاصل، فان بعض الصناعات غير القابلة للاستمرار على المدى الطويل في ظل التطور الحاصل، فان حمايتها بحد ذاته آذية لها وللمستهلك اللبناني الذي يتم حرمانه من الحصول على منتج بجودة اعلى وبسعر مقبول .
فضلاً عن ذلك، ان فتح الاسواق وبالتالي المجال لاسواق لبنان بأن تحتوي منتجات جيدة وباسعار جيدة، تشكّل دافعاً للصناعي اللبناني ليطوّر صناعته ويبتكر منتجات جديدة.
اتفاقيات عربية واوروبية ..
اتفاقيات عدة وقعها لبنان ، فضلاً عن الاتفاقية المذكورة اعلاه، وما زالت مفاعيلها تسري في اسواقنا ومنتجاتنا، ومنها الاتفاقية العربية التي وقّعت عام 1981 ودخلت حيز التنفيذ عام 1998 في حين انتهت فترة تنفيذ شروطها عام 2005 حيث باتت الضرائب المتبادلة “صفر” بين لبنان والبلاد العربية .
اتفاقية تجارة حرة مع رابطة الدول الاوروبية “افتا” تم توقيعها في حزيران 2004 مع كل من دول ايسلندا، سويسرا، النروج و امارة ليشتنشتاين . دخلت تلك الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2007 وتنتهي مدة تنفيذ شروطها في عام 2015 .
في هذا الاطار اشارت برّو الى ان تجارة لبنان مبدئياً تقتصر على سويسرا في مجال المجوهرات والادوية وبعض المعدات ، الا ان البلدان المذكورة الاخرى ،فأرقام التجارة معها غير ملحوظة بشكل كبير.
اتفاقية “التيفا” ، هي اتفاقية اطار مع اميركا ، وهذا النوع من الاتفيات يقتصر بحسب برو على تسهيل نقل البضائع والاموال ، دون ان يكون هنالك لوائح محددة واعفاء جمركي … وقد وقّعت في 2007 ولم تدخل بعد حيّز التنفيذ .
مسار كمبرلي ، اتفاق يتعلق بتجارة الالماس تم توقيعه ودخل حيز التطبيق لضبط عمليات التهريب والتمويل غير الشرعي.
في الاطار، تحدثت برو عن اتفاقية وقعت مع تركيا عام 2010 الا انها ما زالت في ادراج مجلس الوزراء ولم تحوّل الى مجلس النواب لاصدار قانون بشأنها.
WTO .. بانتظار القرارات !!
لاتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO ، مسار طويل، الا انه في العام 1999 اصبح لبنان من الاعضاء المراقبين في المنظمة وبدأت رحلة التفاوض على السلع والخدمات. قدّم لبنان عرضه عام 2004 ودخل فترة الاسئلة والاجوبة عن النظام التجاري والقوانين التجارية …
ويبقى الامر متوقف على حوالي 6 قوانين تحوّلت عام 2007 للمجلس النيابي الا انها لم تقرّ الى اليوم . وعدم اقرارها هو الذي يؤخر التفاوض في الانضمام الى منظمة التجارة العالمية ، لان تطبيق تلك القوانين في لبنان هو من متطلبات الانضمام .
اولى تلك القوانين، قانون التجارة، فضلاً عن 3 قوانين تتعلق باتفاقيات حول الحماية الفكرية، والاخرى تتعلق بالسياسات التقنية للتصديق على البضائع ..
اتفاقيات اطار
اتفاقيات الاطار، يمكن القول انها تطال مختلف البلدان العربية الاقليمية والدولية ، الا ان جميعها لا تحتوي على لوائح سلع وقوانين تخفيض جمركي، بل هي اتفاقيات تطال التعاون المشترك عبر تسهيل تنقّل رجال الاعمال، تسهيل نقل البضائع والمشاركة في المعارض ، وما الى هنالك من نشاطات اقتصادية متبادلة .
في ظل تلك الاتفاقيات ، اين هو موقع لبنان ؟
تشير برو الى ان كافة الاتفاقيات الموقعة تحفّز الانتاج والابتكار كما الابداع والتطوير خصوصاً بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة .. وهذا ما تسعى له وزارة الاقتصاد والتجارة .
في المحصّلة، واذ لكل تطور منحى تصاعدياً، فعامل الوقت مهم وبالتالي فان اي تطور ملموس يلزمه فترة معينة بسبب الكلفة المترتبة على الصناعات وعملية التأقلم مع المتطلبات الجدية . لكن، بالعمل وفق الاسس الصحيحة تصبح العملية سهلة واوتوماتيكية. والامثلة كثيرة بحسب برو ، منها انتشار النبيذ اللبناني في اوروبا والمكسرات …
وككلمة اخيرة واذ اشارت برو الى ان لبنان ليس بأفضل احواله صناعياً ، انما الاكيد انه في تطور مستمر . فاللبناني ، تاجر كان ام صناعي، لا يمكن حصره في لبنان، واكبر دليل على ذلك انتشار تجارة الفرانشايز في العالم العربي مع ما تؤمنه من وظائف وفرص عمل . وبالتالي اي نجاح لمطلق اي لبناني خارج لبنان ، هو بالتالي نجاح للمجتمع اللبناني بحد ذاته، بفضل التحويلات الى لبنان التي تساهم في تغيير وجهة الاقتصاد.
واذ لم تستثن اية سيئات لاي اتفاق اوروبي او عالمي، شددت على ضرورة الاستفادة من الحسنات وتطويرها لدعم اقتصادنا . ففي ظل العولمة وفتح الاسواق، من غير المسموح للبنان ان يعزل نفسه ولا يتماشى مع متطلبات اقتصاده .

ماذا تحقق من السياسات وخطط العمل .. وماذا حل بمبدأ “المواكبة” ؟

في ظل ارتفاع الاصوات المنددة ببعض الاتفاقيات المذكورة، فضلاً عن تعدد التحليلات الاقتصادية حول النتائج السلبية وربما الكارثية منها ، خصوصاً جراء انتهاء مدة الانخفاض التدريجي للضرائب على البضائع الاوروبية في لبنان …
صوت يصدح في مجال آخر، فرغم الاعتراضات التي يمكن ان تسجّل على آلية سير تلك الاتفاقيات، مطالبة ملحة وضرورية ومتلازمة مع اي اتفاق تجاري هو موضوع سياسات “المواكبة” المطلوبة لدعم ومساعدة لبنان للتمكن من القيام بالتزاماته دون أن يعرض اقتصاده للانهيار.
واذ طبّق لبنان في نهاية العام 2000 تخفيضات جمركية ملموسة وصلت الى حدود الـ 5 بالمئة الى 10 بالمئة كحد اقصى، مع تحديد بعض السلع التي تصل تعرفتها الجمركية الى حوالي 70 بالمئة .. بات التساؤل عن شرط الاتفاق على “المواكبة” وبأي درج قد ” دفن” ..
عن هذا الموضوع ، يتحدث د. ناجي قديح ، ممثل وزارة البيئة في اللجنة الوطنية وفي لجنة التنمية المتوسطية في ذلك الوقت ( عند بداية المفاوضات لتوقيع اتفاقية الشراكة الاورو متوسطية ). فيشرح قديح انه قد تم فعلاً خلال المشاورات حول توقيع اتفاق الشراكة الاورو متوسطية ، دراسة السوق اللبنانية واستيعابها لسلع اوروبية تشكل تنافساً سهلاً للبضائع المحلية. فضلاً عن تحديد لجنة خاصة لدراسة سياسة “المواكبة” الضرورية، التي تجعل من سلعنا اللبنانية في وضع مقبول حيال السلع الاوروبية لتأمين التوازن المطلوب من جهة، وتحقيق كامل المواصفات المطلوبة لتطابق متطلبات السوق الاوروبية وتصبح قادرة على الانتشار اوروبياً، فضلاً عن تأمين الحماية لها محلياً .
في التفصيل، يشير قديح الى إن “المواكبة” التي كانت مطلوبة، ولا سيما في الفترة الانتقالية، هي لمساعدة لبنان واقتصاده، صناعة وزراعة وتجارة وسياحة وخدمات، ليتمكن من تجاوز الصعوبات، التي تواجههه مع سقوط الحمايات الجمركية في التجارة مع الاتحاد الاوروبي، والتفاوت في مواصفات الجودة في كثير من المجالات. وذلك لتمكين قطاعات الاقتصاد اللبناني، من تطوير مؤشرات الجودة لتصبح متوافقة مع المواصفات الاوروبية. هذا التوافق الذي يشكل شرطا لعبور السلع والخدمات إلى السوق الأوروبية.
فتساءل بذلك، ماذا تحقق من السياسات ومن خطط العمل، التي تم وضعها مع بدايات عبور لبنان إلى الشراكة الأورومتوسطية وحتى الآن؟ هل فعلا تم “مواكبة” لبنان في تحقيق إصلاحاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والتشريعية بشكل فعال؟ أم أن الشريك الأوروبي اكتفى بتقديم بعض الفتات تحت صورة بروتوكولات ومساعدات وهبات وقروض لم يكن لها أن تحقق غايات “المواكبة” المرجوة، وتمكن لبنان من الارتقاء لمستوى مقبول من المنافسة، بعد أن شرع أبوابه للسلع والخدمات الأوروبية، ولما تزل منتجاته وخدماته، في معظمها، ولا سيما الزراعية منها، لا تقارب المواصفات الأوروبية المطلوبة؟ وهذا بالطبع ما يعيق تحسين ميزان التبادل المختل بشكل فظيع لغير صالح لبنان.