لم تكن الدولة اللبنانية بحاجة الى عطلة رسمية تؤخر حل قضية السائقين اللبنانيين الذين لا يزال عدد منهم عالقاً منذ 12 يوماً في مناطق حدودية في سوريا والاردن والسعودية والكويت والبحرين، إلا أنّ اتصالاتها في هذا الشأن، بحسب المعنيين، “لم تتوقف”.
وقد لاحت بوادر حلحلة في عطلة نهاية الاسبوع الطويلة، مع عودة 8 من السائقين الذين أحيلوا سابقاً الى ضيافة العشائر العربية بعد اطلاقهم من “محكمة دار العدل” في حوران، التابعة لـ”جبهة النصرة”.
وسبق عودة السائقين الثمانية إطلاق السائق حيدر الشكرجي الذي اوقفته جهة غير معلومة مع السائق حسن الأتات، وربطت إطلاقهما بتوفير فدية مالية. وقد تمكّنت العشائر العربية في تعنايل من جمع المبلغ المطلوب لإطلاق الشكرجي، فيما ترددت معلومات عصر أمس عن أنّ الأتات المحتجز لدى الجهة نفسها قد أطلق سراحه أيضاً بالطريقة نفسها. ليبقى مصير الشاحنات المحتجزة مع سائقيها بين السعودية والكويت والبحرين، رهن نتائج الإجتماع المصيري الذي سيعقد غدا الثلاثاء بين ممثلين عن الدولة اللبنانية ونقابات سائقي الشاحنات والبرادات، ووكلاء العبّارات، بموازاة “الإتصالات التي يجريها الرئيس تمام سلام مع المعنيين في هذه الدول”، كما أكد الوزير أكرم شهيب خلال استقباله السائقين الثمانية صباح اليوم.
وبحسب نقيب الشاحنات المبردة عمر العلي، فإنه يفترض أن يتم التوصل يوم غد الثلاثاء إلى تفاهم على كيفية تسديد أجرة العبّارات التي ستنقل الشاحنات الفارغة مع سائقيها، برعاية رسمية من قبل الدولة اللبنانية، وإلى تعهد بتسديد كلفتها مباشرة، بعد أن أصر وكلاؤها على ان يكون “الدفع مسبقاً”. على ان يتم اطلاع الحكومة على نتائج هذه الرعاية الرسمية لوضع السائقين الذين لا يزالون ينتظرون “الفرج” في السعودية على سكة العودة السريعة الى ديارهم.
ويشرح العلي لـ “المدن” ان “هناك حاليا 220 شاحنة موجودة بين السعودية والكويت، والقسم الكبير منها موجود في جدة، الأقرب الى ميناء ضبا، وبمجرد أن يتم الاتفاق مع وكلاء العبّارات، سيجري تحميل هذه الشاحنات مع سائقيها في ميناء ضبا، لتصل الى ميناء طرابلس في مدة اقصاها 36 ساعة”.
وحل مشكلة الشاحنات الطارئة نتيجة اغلاق الطريق البري بوجهها، من شأنه توجيه الجهود في مرحلة لاحقة، لحل الأزمة الإقتصادية التي قد يتسبب بها إستمرار إغلاق حدود الأردن مع سوريا.
وتشير المعلومات الى بحث يجري على أكثر من مستوى لإعتماد البدائل، او لإعادة ضخ الحياة في طريق الترانزيت البري برعاية من جامعة الدول العربية، بعد ان تبين ان الشحن البحري للإنتاج اللبناني، وخصوصا الزراعي سيقضي على اي قدرة تنافسية له في الأسواق العربية التي يتوجه اليها، وهو ما يشكل انتكاسة كبيرة للقطاع الزراعي اللبناني على المدى القريب، “ما لم تتدخل الدول المانحة كإحدى الجهات الداعمة لتصدير الانتاج اللبناني”، كما يرى العلي.
وبحسب العلي فإن أجرة البراد الذي ينقل الانتاج الزراعي اللبناني الى الدول العربية هي 4500 دولار ذهاباً واياباً، فيما أجرة العبّارة وحدها لنقل هذا الإنتاج ستصل الى 3200 دولار، من دون إمكانية للإستغناء عن أجرة البراد. اي ان الكلفة سترتفع تلقائيا عبر البحر بقيمة 3200 دولار.
وعليه يعول المصدرون الزراعيون على الإتصالات المطلوبة من الدولة اللبنانية مع جامعة الدول العربية، “لتأمين سلامة خط الترانزيت البري بين الدول العربية والذي لا غنى عنه”. ويحث العلي ايضاً على طلب تدخل الجامعة لإعادة فتح حدود الأردن أمام شاحنات التصدير البري، خصوصا ان شبكة الطرقات بين الدول، تابعة لإتفاقية موقعة في جامعة الدول العربية، حتى لا تقع تحت تأثير أي طرف.
ويتحدث العلي بموازاة ذلك عن خط يمكن اعتماده إستثنائياً للتصدير البري، يسير بمحاذاة نهر الوزاني في جنوب لبنان وصولا الى الأردن مباشرة.
والطريق المذكور موضوعٌ تحت امرة قوة مراقبة فض الاشتباك UNDOF، كونه يقع بمحاذاة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويشرح العلي انه بعد الاطلاع على التفاصيل المتعلقة بهذا الطريق تبين انه يمتد على طول 40 كيلومتراً ويصل عرضه الى 31 متراً، وان هيئة الامم المتحدة تستخدم الشريط الأيمن منه، والذي يقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما الخط الأيسر يمر في أراضي لبنان وسوريا والأردن على الشكل الآتي: 15 كيلومتراً في لبنان و20 في سوريا و5 في الأردن.
ويتساءل العلي عن معوقات البحث في استخدام هذا الطريق البري إستثنائياً، خصوصا أنّه يجعلنا بغنى عن المرور في حدود معبر نصيب، والتي باتت خطرة جداً، وبالتالي يغنينا عن حدود جابر أيضاً، كون الشاحنات ستصل مباشرة الى إربد مرورا بمحاذاة خط محايد عن السياج الحدودي المجهز من قبل الـ UNDOF.
اقتراحات أخرى تبرز في اطار حل أزمة الشحن البري عبر اعتماد حدود سوريا مع العراق كبديل عن الحدود الأردنية، الا انه، وبحسب العلي، فإن ذلك ايضا مقرون بالظروف الأمنية التي لا يمكن ضمانها من دون تواصل بين السلطات اللبنانية والعراقية من جهة وتلك القابضة على هذه المعابر من جهة ثانية.
تأتي هذه الإقتراحات في وقت يتخوف المنتجون اللبنانيون من عامل الوقت “الذي ليس في مصلحتهم”، لأن اي تخلف في التزاماتهم من شانه ان يبدد اسواقهم الخارجية، ويدفع زبائنهم للبحث عن مصدر آخر لحاجاتهم، كما يرى رئيس تجمع مزارعي البقاع ابرهيم الترشيشي.
وإذا كانت اصوات المزارعين لم ترتفع بعد لدق ناقوس الخطر نتيجة لإقفال حدود الأردن البرية بوجه الإنتاج الزراعي، فذلك لأن الأرض، وخصوصا في سهل البقاع الأوسع، لا تزال في مرحلة التحضير للإنتاج، وبالتالي، فإن عيون المزارعين شاخصة على انتهاء الأزمة قريباً، او على ايجاد الحلول البديلة عن طريق الترانزيت البري، وتهيئة الأجواء للشحن بأقصى سرعة.
فيما بدأت ملامح الضيق تلوح لدى المستفيدين من القطاع لتأمين لقمة عيشهم، وهم الى جانب سائقي الشاحنات وعائلاتهم، اصحاب مكاتب التخليص الجمركي الذين يترقبون نتائج جهود الدولة اللبنانية من خلال تكليف وزير الزراعة بمتابعة الملف، وعيونهم شاخصة على مستقبل الشحن، بعد ان بدأت تتلاشى الأمال بإعادة فتح المعبر البري الأساسي للبضائع اللبنانية بين حدودي نصيب وجابر.