بعد العزلة الخارجية التي يعيشها وتعززت بشكل كبير منذ وقوفه إلى جانب النظام السوري ضد ثورة شعبه التي اندلعت منتصف اذار 2011، بات “حزب الله” يعيش في عزلة على صعيد الداخل اللبناني، بعد مواقفه الأخيرة من الأزمة في اليمن، وانتقاله من مرحلة إعلان الولاء والطاعة لـ”الولي الفقيه” إلى مرحلة التماهي والاندماج الكامل بالمشروع الإيراني التوسعي الطائفي في المنطقة.
ويمكن القول انه لولا الأموال التي تدفعها السفارة الإيرانية لبعض القوى السياسية والشخصيات في “8 آذار”، لما وجد “حزب الله” في لبنان من يتبنى موقفه الداعم للميليشيات الحوثية الانقلابية في اليمن، الذي دفعه إلى شن حملة مسعورة غير مسبوقة على المملكة العربية السعودية، على خليفة قيادتها عملية “عاصفة الحزم” دعماً للشرعية في اليمن.
ورغم الأموال الإيرانية، لم يسجل أي موقف وازن مؤازر أو مساند لـ”حزب الله” من قبل حلفائه، في هجومه على المملكة، لأن الغالبية الساحقة من اللبنانيين من جميع الطوائف والمذاهب والتوجهات السياسية ترفض التنكر لأفضال السعودية على لبنان ومساندتها له في جميع أزماته وعلى مختلف المستويات السياسية والمالية والاقتصادية منذ عقود.
كما أن هذه الغالبية ترى في “عاصفة الحزم” بارقة أمل عربية تبشر بانتقال دول المنطقة من مرحلة إدانة المشروع الإيراني التوسعي إلى مرحلة المواجهة العملية معه، ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى القوة العسكرية، بمعزل عن الدول الكبرى والغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، خاصة بعدما ثبت أن هذه الدول لا تتحرك إلا وفقاً لمصالحها ومشاريعها، والجرح السوري النازف خير شاهد على ذلك.
ومع بلوغ خطاب قيادته وأمينه العام حسن نصر الله ذروة غير مسبوقة في المذهبية، يضع “حزب الله” الشيعة اللبنانيين عامة، والمؤيدين له خاصة، في موقع رأس الحربة بالمواجهة المذهبية في المنطقة، رغم أنهم الحلقة الأضعف في “الهلال الشيعي”، بالمقارنة مع أقرانهم في إيران والعراق، سواء من الناحية الديمغرافية أو السياسية أو الاقتصادية.
وحذرت أوساط سياسية عبر صحيفة “السياسة” الكويتية من المخاطر الكبيرة لـ”عزل” الشيعة عن محيطهم اللبناني نتيجة الانخراط الكامل لـ”حزب الله” في المشروع الإيراني، وانطلاقه من خلفية مذهبية في الذهاب بعيداً بدعم ميليشيات الحوثيين وأعوانها، سياسياً وعسكرياً، متسائلة عن المصالح التي يحققها الحزب من خلال موقفه في اليمن.
وفي هذا الإطار، سألت الأوساط عن المكاسب التي يجنيها الحزب في صراعه مع اسرائيل، الذي يزعم أنه على رأس أولوياته، من خلال التدخل في الشأن اليمني، والإساءة إلى السعودية بشكل خاص، رغم أن المملكة، تعد الداعم الأول لبنان، ولم تقصر يوماً في مساندته بجميع طوائفه ومذاهبه، ولعل أبرز دليل على ذلك تمثل بمساهمتها الواسعة في إعادة إعمار القرى والمناطق الشيعية التي دمرها العدوان الاسرائيلي في حرب تموز 2006، فضلاً عن مساهماتها الضخمة المستمرة في دعم الجيش اللبناني بهبات غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية اللبنانية.
واعتبرت الأوساط أن الحزب “يغامر بكل شيء” إرضاء لـ”الولي الفقيه” ولا يهمه مصير مئات آلاف اللبنانيين المقيمين في الخليج، الذين يساهمون بدعم الاقتصاد اللبناني من خلال التحويلات المالية الشهرية لعائلاتهم، مشيرة إلى أن هؤلاء ينتمون إلى جميع الطوائف وبينهم قسم كبير من الشيعة.
وبحسب الأوساط، فإن “حزب الله” يؤكد بذلك أن “ولاءه للنظام الإيراني يتقدم على هويته اللبنانية المفترضة”، على اعتبار أنه قرر الذهاب بعيداً في التجني على السعودية والدول العربية، غير عابئ بتداعيات مواقفه المذهبية على اللبنانيين الشيعة في الداخل، عبر عزلهم عن محيطهم ووضعهم في موقع الموالي لإيران وليس للبنان، وعلى اللبنانيين المقيمين في الخارج وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي عبر وضعهم في دائرة الشبهات ورصد تحركات المرتبطين منهم بالنظام الإيراني.
ونتيجة لهذه السياسات “الرعناء” و”غير محسوبة العواقب”، رجحت الأوساط أن تتسع دائرة التململ والغضب داخل الطائفة الشيعية في لبنان عامة وفي بيئة “حزب الله” بشكل خاص، جراء الأثمان الباهظة المدفوعة نتيجة الانخراط في المشروع الإيراني، فإذا كان الحزب حاول إقناع عائلات قتلاه الذين سقطوا في سورية بأن أبناءهم يتصدون لـ”المشروع التكفيري”، فكيف سيبرر لمؤيديه خاصة والشيعة اللبنانييين عامة الأضرار الكبيرة التي ستلحق بهم جراء موقفه الأخير من الأزمة في اليمن؟ ثم ما هي علاقته ببلد يبعد عشرات آلاف الكيلومترات عن لبنان ولا يؤثر فيه لا من قريب ولا من بعيد، سوى أن الحوثيين هم جزء من المشروع الطائفي – المذهبي الذي ينتمي إليه “حزب الله” في المنطقة؟
وخلصت الأوساط إلى دعوة “حزب الله” للعودة عن مواقفه والتعقل ووقف حملته على السعودية “قبل فوات الأوان”، محذرة إياه من عواقب وتبعات لا قدرة له على تحملها، لأن فائض القوة العسكرية الذي أصابه بالانتفاخ لن ينفعه في معالجة الأضرار، خاصة أن اللبنانيين المقيمين في دول الخليج عامة والشيعة منهم خاصة يعيشون حالة قلق غير مسبوق ويخشون الأسوأ في الفترة القريبة المقبلة.