IMLebanon

حمى الأسهم الحادة تتفشى في الصين

ChinaStockMarket
جابرييل ويلداو وجوش نوبل

صن شو مينج بالكاد يستطيع احتواء فرحته، ابتسم بابتهاج، وهو يرفع يده بعلامة النصر، مع تدافع مجموعة من المصورين على أرض بورصة هونج كونج. الأسهم في شركة الوساطة المالية التي يديرها، جى إف للأوراق المالية، كانت قد ارتفعت للتو بنسبة 40 في المائة في غضون لحظات من طرحها للاكتتاب العام صباح الجمعة.

ظهور جى إف للأوراق المالية لأول مرة جاء في أفضل وقت ممكن، إذ أتى في نهاية أسبوع من عمليات التداول القياسية في هونج كونج. الوصول المفاجئ لمليارات الدولارات من المستثمرين في البر الرئيسي (الصين) دفع السوق إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من سبعة أعوام، في حين حطم حجم التداول في البورصة الأرقام القياسية كافة.

يوم الخميس، قيمة عمليات التداول في سوق هونج كونج كانت أكثر من ضعف الرقم في لندن وفرانكفورت وباريس مجتمعة. تدفق كثير من رأس المال إلى المدينة بحيث اضطرت السلطة النقدية للتدخل من أجل حماية ربط عملتها بالدولار الأمريكي.

شركات الوساطة المالية، مثل جى إف للأوراق المالية، كانت من بين أكبر المستفدين من هذا الارتفاع. فقد ارتفعت شركة هايتونج نحو 40 في المائة في أسبوع واحد فقط، في حين ارتفعت سيتيك للأوراق المالية، أكبر شركة وساطة مالية في الصين، بمقدار الربع. القيمة السوقية لشركة البورصات والمقاصة في هونج كونج، مشغل سوق الأسهم، ارتفعت بمقدار الثلث لتصبح 36 مليار دولار، ما يجعلها أكبر بورصة في العالم.

نشاط الأسبوع الماضي المحموم قد يكون مجرد أنموذج للوضع في المستقبل، على اعتبار أن المستثمرين الأفراد الصينيين يقومون الآن فقط بأول غزواتهم في الأسواق الدولية. وقد جلبوا شيئاً معهم من البلاد؛ حمى البورصة.

لي شينج نان، شريكة المبيعات البالغة من العمر 33 عاماً في إحدى شركات السلع الاستهلاكية في شنغهاي، اتصلت بأحد الأصدقاء الأسبوع الماضي سعياً للمشورة في مجال الاستثمار. لي أرادت معرفة ما إذا كان بإمكانها الحصول على قرض عقاري بضمان شقتها واستخدام الأموال للاستثمار في سوق الأسهم الحماسية في الصين.

قالت: “أنا لم أشارك في السوق قط من قبل، لكن منذ آذار (مارس) يبدو أن أصدقائي وزملائي في العمل أصبحوا جميعاً أثرياء، لذلك تحمّست للأمر”.

بعد أعوام من الأداء الضعيف، عادت الثقة بالبورصة في الصين بمنتهى القوة، بعدما حول المُدّخرون مئات مليارات الدولارات من العقارات والودائع ومنتجات إدارة الثروات على أمل تحقيق ربح سريع من الأسهم.

ودفعت موجة بدأت في تموز (يوليو) من العام الماضي، مؤشر شنغهاي إلى أعلى من 4000 نقطة يوم الجمعة للمرة الأولى منذ أوائل عام 2008. وكسبت السوق الآن 68 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية. وكتب بنك ويستباك في مذكرة: “عادت سوق الأسهم باعتبارها قوة حقيقية في أذهان المُدّخرين الصينيين”.

مع ذلك، هناك دلائل على أن فقاعة بدأت تتشكل. فقد فتح المساهمون 4.8 مليون حساب جديد لتداول الأسهم في آذار (مارس) وحده وتقريباً مليون حساب آخر في أول يومين من نيسان (أبريل)، وذلك وفقاً لآخر الأرقام من مركز تبادل المعلومات الرئيسي في البلاد. هذه الحسابات إلى حد كبير تمثّل مساهمين جدد مثل لي التي تدخل السوق لأول مرة.

النمو الهائل في عمليات الإقراض الهامشية، حيث تقوم شركات الوساطة المالية بإقراض المال للمساهمين من أجل المشاركة في الأسواق، يشير أيضاً إلى وفرة طائشة. القروض الهامشية المستحقة في شنغهاي وشنتشن – موطن اثنتين من البورصات في الصين – بلغت 2.2 تريليون رينمينبي (358 مليار دولار) يوم الأربعاء، أكثر بواقع مرتين ونصف من مجموع الأشهر الستة الماضية.

قال هو أنيانج، مدير الاستثمار في صندوق التحوّط فرونت سي لإدارة الأصول، القائم في شنتشن: “نحن نرى الكثير من الأشخاص الذين لا يفهمون الأسهم ولا يعرفون كيفية الحُكم عليها يخاطرون بالاندفاع. نحن نشعر بالقلق من هذا الأمر، لكن ليس هناك ما يُمكن القيام به. كل دورة استثمارية هي من هذا القبيل. المساهمون الصغار هم الذين يتضررون”.

دورة السوق السابقة كانت مؤلمة بشكل خاص بالنسبة للمساهمين الأفراد. في تشرين الأول (أكتوبر) 2007، ارتفع مؤشر شنغهاي المُركّب إلى مستوى قياسي بلغ 6124 نقطة، بعد أن ارتفعت قيمته أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العام السابق. وفي غضون 12 شهراً، هبط المؤشر إلى نحو 1800 نقطة، تاركاً المُضاربين الأفراد يلعقون جراحهم على مدى الأعوام السبعة التالية.

خلفية الارتفاع الحالي مختلفة كثيراً. توسّع الاقتصاد الصيني في عام 2014 بأبطأ وتيرة له منذ 24 عاماً، إلا أن المستثمرين ما زالوا يرون أن هناك حجة لصالح شراء الأسهم الصينية: التقييمات في شنغهاي متخلفة بعيداً عن تلك التي في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.

لكن السوق الآن تبدو بأسعار مشجعة رخيصة. مؤشر شنغهاي المُركّب، الذي تسيطر عليه المصارف وشركات الطاقة المملوكة للدولة، يتم تداوله بنحو 15 مرة ضعف الأرباح المستقبلية، وهو معدل ضعف التداول البالغ 7.5 مرة الصيف الماضي.

هناك تقييمات أكثر ارتفاعا وهشاشة بكثير يمكن العثور عليها في قطاع التكنولوجيا المزدهر في الصين. حملة بكين لتحويل الاقتصاد بعيداً عن الصناعات المسببة للتلوث والتوجه به نحو الابتكار والخدمات أقنعت المستثمرين بأن شركات التكنولوجيا تستعد للنمو. لوحة الانطلاق، تشي نيكست، التي على غرار بورصة ناسداك، يتم تداولها الآن بـ 49 مرة ضعف الأرباح المستقبلية، أي أكثر من ضعف التقييمات البالغة 21 مرة في بورصة ناسداك. ووفقاً لبحث أجرته بلومبيرج، التقييمات في الصين أعلى مما كانت عليه في ذروة فقاعة الدوت كوم في الولايات المتحدة.

والتكنولوجيا هي مجرد واحدة من “مفاهيم” الأسهم الشعبية العديدة – الأفكار الاستثمارية التي تستخدمها شركات الوساطة المالية لدفع اهتمام المستثمرين. هناك مفاهيم أخرى ترتبط بمبادرات السياسة الحكومية، مثل “طريق واحد، حزام واحد”، خطة الحكومة الطموحة لتأجيج الطلب الخارجي على إنتاجها الصناعي من خلال تمويل استثمارات البنية التحتية في كافة أنحاء آسيا. ومن المتوقع أن يدفع مشروع طريق الحرير البحري ونظيره البري المبيعات بالنسبة لشركات صناعة القطارات ومُشغلي الموانئ وشركات إنتاج الكهرباء في الصين.

وهناك فكرة رائجة أخرى هي إصلاح الشركات المملوكة للدولة التي تسيطر على صناعات مثل التمويل، والطاقة، والاتصالات، لكن عوائدها تتخلّف كثيراً عن منافساتها في القطاع الخاص.

اثنتان من شركات تصنيع القطارات المملوكة للدولة، هما “سي إس آر” و”سي إن آر”، ظهرتا كمحبوبتين لكلا المفهومين. هاتان الشركتان شاهدتا أسهمها المدرجة في بورصة شنغهاي ترتفع أكثر من ثلاثة أضعاف منذ بداية عام 2015، والآن يتم تداولهما بأعلى من 50 مرة ضعف الأرباح.

وعلى الرغم من الدلائل على حدوث فقاعة، إلا أن بعض المحللين والمستثمرين يتوقعون أن يستمر ارتفاع الأسهم في الصين، على الأقل على المدى القصير. وهم يميزون بين أسهم الشركات ذات رأس المال الكبير، مثل المصارف التي لا تزال تقييماتها قابلة للمقارنة مع نظيراتها العالمية، وبين أسهم التكنولوجيا التي تحركها المضاربة.

وقال متداول أسهم في واحدة من أكبر خمس شركات للوساطة المالية في شنغهاي: “بعض التقييمات بالتأكيد ليست معقولة، لكن إذا نظرت إلى تخصيص الأسهم، فإن الأرباح في البورصة لا تزال أعلى من السندات أو العقارات، لذلك أعتقد أن هذا الارتفاع سيستمر أكثر”. كذلك تنبع الثقة من سياسات البنك المركزي التي تهدف إلى دعم الاقتصاد. فقد خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة الرسمية مرتين منذ تشرين الثاني (نوفمبر) وقلص نسبة ودائع الزبائن التي يجب أن تحتفظ بها المصارف في الاحتياطي لدى البنك المركزي.

ومثل هذا التخفيف يؤدي إلى مقارنات مع البورصة الأمريكية في عامي 2010 و2011، عندما عمل التمويل الحر على تغذية مكاسب الأسواق الكبيرة، حتى مع بقاء الاقتصاد الحقيقي في حالة ركود.

وفي الأسبوع الماضي امتد حماس الأسهم في الصين إلى ما وراء الحدود. فمع وصول الأسهم في البر الرئيسي إلى أرباح تبلغ 35 في المائة لأولئك الذين يتداولون في هونج كونج، يقول مخضرمون في السوق إن مساهمي البر الرئيسي يتحولون ببساطة إلى الأسهم المدرجة الأرخص. وبحسب تيم فرانكس، رئيس مبيعات صندوق التحوّط في بنك إتش إس بي سي: “بدأ الضغط يزيد في الصين. وهذه وسيلة لإطلاق ذلك الضغط من النظام”.

ويرى بعضهم أن يد بكين تعمل. فقد ظهرت الأسبوع الماضي مقالة في صحيفة تديرها الدولة تحت عنوان “هيا! اشتروا أسهم هونج كونج!”، في حين أن قرار السماح للصناديق المشتركة بالاستثمار في هونج كونج كان له الفضل في إثارة ارتفاع تداولات الأسبوع الماضي. فقد أصبح تدفق الأموال الصينية ممكنا بسبب إطلاق خطة تداول في تشرين الثاني (نوفمبر) معروفة باسم ربط أسهم شنغهاي وهونج كونج. وهذا الربط يمنح الصناديق العالمية إمكانية وصول أكثر حرية بكثير إلى أسهم شنغهاي ويسمح لمستثمري البر الرئيسي بإمكانية وصول غير مسبوقة إلى الأسهم في هونج كونج.

وحتى الأسبوع الماضي، كان المستثمرون قد اختاروا إلى حد كبير عدم القيام بذلك، مفضلين بدلاً من ذلك تركيز اهتمامهم على شنغهاي وشنتشن. لكن يوم الأربعاء، عندما أعيد افتتاح السوق بعد عطلة عامة، تم استنفاد الحصة اليومية البالغة 10.5 مليار رينمينبي لعمليات الشراء الصينية لأسهم هونج كونج للمرة الأولى. الشيء نفسه حدث يوم الخميس، ما دفع أحجام التداول لأن تصل إلى 37 مليار دولار – أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط العام الماضي.

وقال متداول في إحدى الشركات البارزة في إدارة الأصول يوجد مقره في هونج كونج: “حتى أني لا أحتاج إلى التفكير كثيراً عندما أقوم بالتداول هذه الأيام، لأن كل الأسهم تقريباً ترتفع. الآن حان وقتنا”.

والسؤال هو ما إذا كان هذا مجرد ومضة أم بداية حقبة جديدة. المسؤولون التنفيذيون في بورصة هونج كونج يتحدثون بالفعل عن زيادة الحصة اليومية للسماح بتدفق المزيد من الأموال الصينية. وقال تشارلز لي، الرئيس التنفيذي للبورصة: “هناك الكثير من الوقت، والكثير من الفرص، والكثير من المال لنجنيه. هذه الحفلة ستظل مستمرة”.