أعلن البرلمان الأوروبي في بروكسل أن اليوم سيكون موعدا لانطلاق جلسات النقاش والتصويت على تعديلات مقترحة، بشأن مشروع قرار حول تقييم التقدم المحرز في المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية عبر الأطلسي. وقال البرلمان الأوروبي وهو أعلى مؤسسة تشريعية في التكتل الأوروبي الموحد إن التعديلات المقترحة تبلغ 898 تعديلا على مشروع القرار، وتغطي المجالات المختلفة.
وستكون أولى جلسات النقاش والتصويت هي اليوم الاثنين في جلسة للجنة التجارة الدولية في البرلمان الأوروبي، وعقب ذلك سيكون هناك نقاشات وتصويت في لجان الزراعة، والبيئة، والشؤون الدستورية والقانونية، والثقافة، وتستمر هذه النقاشات والتصويت حتى يوم الخميس القادم. ويأتي ذلك في إطار التحضير لعملية تصويت مقررة في مايو (أيار) القادم خلال جلسة عامة للبرلمان الأوروبي حول تقييم العملية التفاوضية بين واشنطن وبروكسل. وكانت الجولة الثامنة من التفاوض بين الجانبين قد انعقدت في بروكسل في فبراير (شباط) الماضي وانطلقت الجولة الأولى قبل 20 شهرا.
ويذكر أنه في مطلع الشهر الماضي قام جوناثان هيل، المفوض الأوروبي للاستقرار النقدي والخدمات المالية واتحاد أسواق رأس المال، بزيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية تستغرق 3 أيام، وأجري خلالها محادثات في كل من واشنطن ونيويورك، مع وزير الخزانة الأميركي جاك ليو، وأيضا مع الممثل التجاري الأميركي مايكل فرومان ومسؤولين آخرين في مجالات متعددة، ومنها قطاع تداول السلع الآجلة، وقطاع البورصات والأسواق المالية. وقالت المفوضية إن المحادثات تناولت التنظيم المالي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتعاون بينهما في هذا الصدد في سياق المفاوضات الجارية حاليا، للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية بين الجانبين.
وقبل الزيارة بأيام قليلة، أعرب أعضاء في البرلمان الأوروبي عن القلق إزاء عدم إحراز تقدم ملموس في المفاوضات بين بروكسل وواشنطن، وجاء ذلك من خلال أعضاء لجنة التجارة الدولية في البرلمان الأوروبي، الذين ناقشوا مشروع قرار، يتضمن توصيات للمفاوضين من الجانبين، وجرى التركيز في النقاش على شرط تسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة، والتي وصفها مقرر بيرند لانغ بأنها مسألة «غير ضرورية». وبالتزامن مع هذه النقاشات اعتمدت لجنة التنمية والتطوير في البرلمان الأوروبي نصا يتضمن الإشارة إلى مخاوف من تأثيرات اتفاق التجارة الحرة بين واشنطن وبروكسل على الدول النامية، ويطالب النص بأن يتضمن الاتفاق إشارة صريحة إلى السياسات التنموية.
وتولت لجنة التجارة الدولية زمام المبادرة في صياغة التوصيات التي سيرفعها أعضاء البرلمان الأوروبي إلى فريقي التفاوض الأميركي والأوروبي لكي توضع في الاعتبار أثناء وضع بنود الاتفاقية. وفي فبراير الماضي جرى مناقشة النص الذي أعده ويبرند لانغ من التحالف الاشتراكي الديمقراطي، والذي اختلف معه عدد من الأعضاء باللجنة في ما ذهب إليه لانغ من أن شرط تسوية النزاعات بين المستثمرين والدولة «غير ضروري» في الاتفاقية، وتحدث لانغ وأعضاء آخرين شاركوا في النقاشات، وقالوا إنه بعد أكثر من عام ونصف و8 جولات تفاوضية لم يتم الإعلان عن التوصل لاتفاق حول قضايا بعيدة المدى، ولم تطرأ تغيرات كثيرة، وأبدى النواب تخوفهم من أن المحادثات الحالية تفتقر إلى الطموح، وأن الاتفاق النهائي لن يكون شاملا حسبما كان يتوقع البرلمان الأوروبي. أما في نقاش لجنة التنمية في البرلمان الأوروبي في نفس اليوم فقد جرى اعتماد نص سيتم إدراجه في المسودة الأخيرة لتوصيات أعضاء البرلمان الأوروبي حول بنود الاتفاقية، ويتضمن نص لجنة التنمية الإشارة إلى أن الاتفاقية بين واشنطن وبروكسل سيكون لها آثار أبعد من العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن المؤكد سيكون لها تأثير على البلدان النامية، ولهذا السبب تطالب اللجنة البرلمانية بإشارة واضحة في الاتفاقية إلى سياسة التنمية، وتشكيل لجنة لتقييم الآثار المحتملة للاتفاقية على البلدان النامية، وجاء في النص أن «اتفاقا تجاريا ضخما سيعمل على إعادة تشكيل قواعد التجارة العالمية ووضع معايير جديدة، ويريد الأعضاء من المفاوضات الجارية حاليا حول الاتفاقية، ان تشمل إشارة واضحة لسياسة التنمية، وضرورة وجود ذلك في السياسة العامة، والدعوة لتشكيل لجنة لإجراء دراسة مستقلة حول تأثير الاتفاقية على البلدان النامية «. وقد صوت لصالح النص 16 عضوا ورفضه 7 أعضاء وامتنع عضو واحد عن التصويت، وسيتم التصويت بشكل نهائي حول النص الأخير للتوصيات في جلسة تنعقد بالبرلمان الأوروبي، خلال شهر مايو المقبل».
وقبل شهرين طرحت المفوضية الأوروبية في بروكسل، بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، مجموعة من المقترحات الجديدة تتعلق ببعض الموضوعات الواردة في بنود اتفاق للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية، يجب التوصل إليه قبل نهاية العام الحالي مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك استجابة لمقررات قمة بروكسل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على مستوى قادة دول الاتحاد الأوروبي، والتي دعت فريقي التفاوض من الجانبين للعمل على إنجاز الاتفاق قبل نهاية عام 2015.
ومن جانبه جدد رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك، هذه الدعوة في ختام محادثات أجراها ببروكسل فبراير الماضي مع جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، وقال تاسك: «هذا هو طموحنا، لأن الاتفاقية تحمل إمكانات كبيرة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية وعلينا العمل من أجل مزيد من التقارب بين ضفتي الأطلسي وتعزيز الصداقة والشراكة»، بينما وجهت مجموعة الأحزاب اليسارية في البرلمان الأوروبي انتقادات للعملية التفاوضية وحذرت مما وصفته بمخاطر هذه الاتفاقية التي تعارضها المجموعة اليسارية.
وقال بيان للمجموعة البرلمانية، حصلنا على نسخة منه، إن اهتمامات المواطنين كانت على الهامش في الجولة الثامنة من المفاوضات التي انعقدت مطلع فبراير الماضي في بروكسل، ومن خلال البيان قال البرلماني هيلموت شولتز إن الاتفاقية سيكون لها تأثير سلبي على المجالات الاجتماعية والعمل والبيئة والاقتصاد وحقوق المستهلكين في جانبي الأطلسي، محذرا من تغيير الأولويات بالتركيز على تأثيرات الاتفاقية على التجارة والاستثمار الدوليين، وأشار إلى أن عددا من أعضاء البرلمان الأوروبي توفرت لهم الإمكانية للاطلاع على مقترحات جديدة طرحتها المفوضية الأوروبية خلال العملية التفاوضية مع الفريق الأميركي، بينما تعذر هذا الأمر على الصحافيين والمواطنين، وخصوصا في ما يتعلق بمقترحات بشأن المواد الكيماوية، والأغذية، والخدمات المالية، وأيضا تقنين إمكانية تدخل الشركات في العملية التنظيمية من خلال إطار مؤسسي، في محاولة واضحة لإعطاء الأولوية لمصالح الشركات وليس المواطنين، والحد غير المقبول من سيادة وسلطة البرلمان والسلطة الحكومية.
وقالت المفوضية الأوروبية إن الجولة الثامنة شملت جلسة لأصحاب المصالح ذات الصلة ببنود الاتفاقية لضمان تعددية المصالح. كما أشارت المفوضية أيضا إلى أن مفوضة التجارة سيسليا مالمستروم أرسلت برسالة إلى الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد والتي تتولاها ليتوانيا منذ مطلع العام الحالي ولمدة 6 أشهر، تطالب فيها بنشر تفاصيل اتفاقيات التجارة في الخدمات، مما يعكس الجهود الحالية من جانب المفوضية التي تعتبر الجهاز التنفيذي للاتحاد، لزيادة الشفافية في الطريقة التي يتم بها إجراء المفاوضات التجارية. وعشية انطلاق الجولة الثامنة «الأخيرة» في مطلع فبراير الماضي، قال بيرند لانغ رئيس لجنة التجارة في البرلمان الأوروبي إنه لا بد أن يستخدم البرلمان نفوذه لضمان اتفاقية للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية مع الولايات المتحدة الأميركية، تتضمن قواعد تخدم جميع مواطني دول التكتل الأوروبي الموحد وليس فقط عدد قليل من اللاعبين الاقتصاديين، ومن هذا المنطلق «لا بد من الإصرار على إن تكون المحادثات بين الجانبين أكثر ديمقراطية وشفافية».
وترى المفوضية الأوروبية أن اتفاقية شاملة للتجارة والاستثمار يمكن أن تزيد الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بنسبة تتراوح مابين 0.27 في المائة و0.48 في المائة، والدخل القومي الإجمالي الأوروبي بنسبة تصل إلى 86 مليار يورو، وحسب الأرقام الصادرة عن الاتحاد الأوروبي سيؤدي هذا الاتفاق الطموح إلى تحقيق مكسب للأسرة الأوروبية كل عام سيصل إلى 545 يورو، وستعزز الاقتصاد الأوروبي بنسبة ما بين 0.5 في المائة إلى 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو 119 مليار يورو سنويا، وتقول المفوضية الأوروبية ببروكسل إن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين هي الأقوى في العالم وتشكل ما يقرب من نصف الناتج الإجمالي العالمي وقرابة ثلث التجارة العالمية وما يقرب من 2.7 مليار دولار من التدفقات التجارية يوميا، وهناك استثمار لـ3.7 تريليون دولار عبر الأطلسي، وهناك فرص عمل وروابط قوية بين الشركات ورجال الأعمال.
وقالت أيضا إن إنجاز اتفاق التجارة والحرة والشراكة عبر الأطلسي سيطلق العنان لمزيد من الإمكانات مما يعني أخبارا جيدة للمواطنين من الجانبين، بل وللاقتصاد العالمي ككل.