خسائر البلاد تتجاوز 200 مليار ودمشق تخصص أقل من 200 مليون دولار للإعمار
دخلت الحرب في سوريا عامها الخامس، وسجل اقتصادها خسائر خلال السنوات الأربع الماضية نحو 202.6 مليار دولار، وفق تقرير حديث أصدره «المركز السوري لبحوث السياسات» ومقره في دمشق.
وتبرز خطورة هذه الخسائر كونها تعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الاجمالي للعام 2010 (قبل الحرب) بالأسعار الثابتة. وانفتح الاقتصاد السوري على الخارج باعتماده إلى حد كبير على المستوردات الممولة بصورة رئيسية من خلال القروض الخارجية والتسهيلات المالية التي حصل عليها النظام من بعض الدول المتحالفة معه وخصوصاً من إيران التي لم تبخل عليه بالدعم المالي والعسكري وحتى البشري، وقدرت قيمته بأكثر من 30 مليار دولار.
ومع اشتداد المعارك العسكرية في مختلف المناطق السورية، وإعادة تخصيص الموارد ورأس المال في خدمة آلة الحرب، وتوسع النشاط في السوق السوداء، وتراجع السيادة وحكم القانون وخسارة الأمن الاقتصادي، أصبح الاقتصاد السوري يعاني من هيمنة التسلط التي تعمل على بسط سيطرتها من خلال العنف.
وهذا من دون إهمال العامل الخارجي المتمثل بالشبكات العابرة للحدود وعصابات الاجرام المرتبطة بالنزاع والتي ظهرت إلى حيز الوجود وراحت تنخرط في الاتجار بالبشر، وتقوم بأعمال السلب والنهب والخطف والابتزاز، وتجنيد المقاتلين والاتجار بالآثار التاريخية.
نتائج متشائمة
توصل التقرير الذي أعده «المركز السوري لبحوث السياسات» بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي ووكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) إلى نتائج اقتصادية واجتماعية متشائمة. ولا تخالف هذه النتائج طبيعة الواقع المستند إلى حرب السنوات الماضية، والتي تعزز حالة الاغتراب القائمة بين المواطن السوري في ضائقته الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وقوى العنف والتسلط المنتشرة بكثافة في مختلف المناطق السورية.
ويغطي التقرير آثار الحرب حتى نهاية العام 2014،. وقد سجل الناتج المحلي في هذا العام انكماشاَ بنسبة 9.9 في المئة، وتراجعاَ في الاستثمار، كما سجلت تغطية الصادرات للواردات تدهوراً حاداً من 82.7 في المئة في العام 2010 إلى 29.6 في المئة في العام 2014.
وانعكس هذا الوضع في العجز التجاري الهائل الذي وصل إلى 42.7 في المئة. أما عجز الموازنة العامة للنظام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغ 40.5 في المئة، ما أدى إلى إضافة أعباء ثقيلة على الدين العام الذي ارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي من 104 في المئة في العام 2013 إلى 147 في المئة خلال العام الماضي.
وهذه نسبة خطيرة تتجاوز النسبة التي حددها الاتحاد الأوروبي في «ميثاق ماستريخت» والبالغة 60 في المئة، وتقترب من معدلها في اليونان من 175 في المئة، والتي تعاني من تدهور اقتصادي وإفلاس مالي وأصبحت تعتمد على المساعدات الأوروبية.
البطالة والفقر
تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي الذي ارتفع سعره إلى 270 ليرة في ظل تراجع كبير في احتياطي البنك المركزي وهروب عدد كبير من رجال الاعمال والمستثمرين مع ثرواتهم من العملات الأجنبية والتي قدرت بأكثر من 36 مليار دولار.
وساهم ذلك في مضاعفة أسعار السلع والخدمات الاساسية، مع تراجع القوة الشرائية للرواتب والأجور، وبالتالي فقدان فرص العمل وارتفاع البطالة التي بلغت نسبتها 57.7 في المئة مع نهاية العام الماضي. وتتمثل هذا في فقدان نحو ثلاثة ملايين سوري عملهم وهم يعيلون نحو 13 مليون نسمه.
اقتصاد الحرب
مع توسع «اقتصاد الحرب» انخرط عدد كبير من الشباب السوريين في شبكات وفعاليات ذات صلة مباشرة بالنزاع المسلح وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. وكنتيجة طبيعية لهذه التطورات السلبية تفاقمت مشكلة الفقر، وأصبح حوالي أربعة من كل خمسة أشخاص «فقراء».
ويعيش أكثر من 70 في المئة من السوريين في حالة سيئة من «الفقر الشديد»، فلا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية وغير الأساسية. وبات أكثر من 30 في المئة من السكان يعيشون في حالة من الفقر المدقع.
وبشكل موجز أصبح الإنسان السوري عاجزاً عن المشاركة الحقيقية في تمثيل اولوياته وتطلعاته في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القادم، وغريباً عن الأهداف والسياسات والعلاقات التي يتم تشكيلها في ظل المؤسسات القائمة وقوى السلطة. وما تفرضه آلة الحرب من اضطهاد وترهيب ساهما في هدر القيم الانسانية للسوريين وأرواحهم البشرية وحياتهم.
خطة الاعمار
في ظل كل تلك التطورات السلبية، ومع استمرار المعارك العسكرية في مختلف المناطق واتساع رقعة الخراب والدمار، تتحرك حكومة دمشق في خطة اسعافيه لإعادة الاعمار، تشمل صرف التعويضات الخاصة وإصلاح الأضرار العامة.
وقد خصصت الحكومة للعام الحالي مبلغ 50 مليار ليرة سورية (أقل من 200 مليون دولار) وهو مبلغ ضئيل جداً مقارنة مع ضخامة خسائر الحرب والتي تجاوزت الـ 200 مليار دولار. ويقول أمين سر لجنة إعادة الإعمار في وزارة الادارة المحلية أن اللجنة بدأت عملها في العام الماضي، وتم إجراء الكشف الحسي على الأضرار منذ بداية الازمة، وقامت بتحويل جميع مبالغ التعويضات المستحقة للمتضررين بممتلكاتهم الخاصة إلى اللجان الفرعية في المحافظات.
واستفاد من هذه أكثر من 30 ألف مواطن بمبلغ 9 مليارات ليرة (نحو 33 مليون دولار). وتقوم لجنة إعادة الإعمار بالتأهيل الفوري لجميع المرافق الأساسية والخدمية في المناطق التي تم تحريرها من قبل الجيش العربي السوري وأصبحت آمنه، وذلك لضمان عودة الأهالي إليها واستكمال تنفيذ مشاريع الخطة الإسعافي لعام 2014، والبدء بتنفيذ الخطة الإسعافية لإعادة الاعمار لعام 2015.
أما بالنسبة للمعايير التي تعتمدها اللجنة، فتتلخص بالآتي:
1 ـ المنطقة الجغرافية للمشروع ومدى امكانية تنفيذه في ظل الظروف الأمنية الراهنة، ومدى أهميته في استمرار تقديم الخدمات الاساسية للمواطنين (محروقات، كهرباء، صحة، ومياه) وتأمين السلع الاساسية.
2 ـ مدى ترابط وانسجام المشروع مع غيره من المشاريع، وبالتالي عدم تنفيذ أي مشاريع مبعثرة في عدة أماكن وغير مترابطة ولا تؤدي إلى إعادة تشغيل مرفق متضرر ما.
3 ـ دراسة مدى إمكانية تمويل المشروع من الموازنة الاستثمارية للوزارة صاحبة المشروع أو من مصادر تمويل أخرى (خط تسهيل ائتماني ايراني ـ روسي) أو من منظمات دولية.
4 ـ استكمال المشاريع التي تم البدء بها العام الماضي، والمشاريع التي ادرجت ولم يتم تأمين التمويل لها بسبب قلة الموارد المالية الحالية.
5 ـ الاستمرار في صرف التعويضات عن الأضرار الخاصة بممتلكات المواطنين، ومع متابعة دعم اللجنة العليا للإغاثة بتوفير الأموال اللازمة لاستمرار عملها وتأمين مستلزمات الاغاثة والمساعدات الانسانية.
فقدان النقد الأجنبي
في الوقت الذي يعاني فيه التجار والصناعيون من أزمة فقدان النقد الأجنبي بشكل خاص وحاجتهم إلى الاقتراض لتأمين تمويل استثماراتهم في ترميم مؤسساتهم أو بناء منشآت جديدة واستيراد المعدات اللازمة لهم فضلا عن مستلزماتهم من المواد الخام، يلاحظ أن البنك المركزي عاجز عن تلبية المستوردين لتغطية ثمن مستورداتهم بالعملة الأجنبية.
وبما أن السوق السورية بحاجة إلى سيولة كبيرة، فقد طالب التجار والصناع ورجال الأعمال الذين لا زالوا يعملون في مختلف المناطق الآمنة في سوريا، المسؤولين وخصوصا الوزراء المعنيين بالمال والاقتصاد وكذلك حاكم البنك المركزي، أديب ميالة، بالبحث في مختلف الوسائل لاستعادة أكثر من 36 مليار دولار، هربت خلال السنوات الماضية إلى الخارج.
ومعظم هذه الاموال موظفة في استثمارات أو ودائع في بعض الدول العربية ولا سيما في لبنان والأردن ودبي ومصر، والاستفادة منها في تمويل خطة إعادة الاعمار في القطاعين العام والخاص. ولكن هل يمكن أن يتحقق هذا الطلب؟ وكيف يمكن استعادة تلك الأموال في ظل استمرار الحرب والقتال يستعر في أكثر من نصف مساحة سوريا؟
تكفي الاشارة في هذا المجال إلى أن «المال جبان ويبتعد عن الأماكن المضطربة وغير المستقرة أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويفتش دائماً عن الأمن والأمان والربح المضمون» كما يُقال. والأموال السورية الهاربة تنتظر بفارغ الصبر أن يتحقق ذلك، كي تعود وتساهم في ورشة إعادة إعمار البلاد.