Site icon IMLebanon

وزارة الاقتصاد السورية في آخر دراساتها: الانتقال من تسهيل التجارة إلى إدارتها

SyriaEcon2

رحاب الإبراهيم
أكدت دراسة صادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية حملت عنوان “سياسة التجارة الخارجية” أن الأزمة فرضت تغييراً مهماً بأولويات التجارة الخارجية تمثلت بالانتقال من تسهيل التجارة الخارجية إلى إدارتها، والمقصود هنا إعطاء أولويات في المزايا والتسهيلات لتأمين متطلبات الإنتاج من المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وخطوط الإنتاج والتجهيزات وتأمين استمرار توافر المواد والخدمات الأساسية وتحقيق متطلبات الأمن الدوائي واستكمال ما يتم إنتاجه محلياً.
وبينت الوزارة في دراستها أن إجازات الاستيراد تأتي انعكاساً لهذه الأولويات ولتتكامل أيضاً مع أولوية اقتصادية أساسية ترتبط بالسياسة النقدية المتمثلة باستقرار سعر الصرف وتعزيز موقع مصرف سورية المركزي من القطع الأجنبي وحماية الليرة السورية؛ لذا تأتي إدارة هذه السياسة لتخدم زيادة القدرة الإنتاجية وخاصةً التصديرية وإدارة تدفق المواد إلى السوق ووفق معايير العرض والطلب، مشيرة إلى أن هذه السياسة لا تعبر عن تراجع بنيوي عن سياسة تسهيل التجارة الخارجية وتبسيط الإجراءات، فمع التطور التدريجي لحركة الاقتصاد وقدرات الإنتاج المحلي والقدرة التصديرية ستتطور نحو تبسيط الإجراءات وتسهيل حركة التبادل التجاري.
إدارة الاستيراد
يحكم إجراءات إدارة الاستيراد عاملان أساسيان هما إدارة الطلب على القطع الأجنبي والاحتكار والمستوى العام للأسعار.
وفيما يخص العامل الأول تشير الدراسة إلى أن أهم أحد مصادر الطلب على القطع الأجنبي يتمثل بـالاستيراد الذي يسبب ضغطاً صاعداً على الليرة السورية. فحصول المستورد على حق استيراد كميات كبيرة مسبقاً عبر الإجازة يعني طلباً كامناً على القطع، مشكلاً عامل مضاربة إضافيًا، فاليوم تصل قيم إجازات وموافقات الاستيراد إلى 70-80 مليون يورو أسبوعياً بحدود 14-17 مليون يورو يومياً يقدم مصرف سورية المركزي بتمويل 10-12 % منها عبر المصارف وشركات الصرافة ويتركز التمويل المصرفي على مستلزمات الإنتاج والسلع الأساسية؛ تنخفض هذه الأرقام لدى المقارنة بالاستيراد الفعلي، فالموافقة على الاستيراد تعني الطلب المحتمل على الاستيراد وليس الاستيراد الفعال، وفي هذا الإطار يجري العمل على مستويين: الأول ترشيد موافقات وإجازات الاستيراد من حيث القيمة لمستوى أدنى بشكل عام، والثاني التوسع في موافقات وإجازات الاستيراد من حيث العدد وتحقيق تمايز لناحية القطاع الصناعي – الزراعي عن القطاع التجاري.
أما العامل الثاني المتعلق بالاحتكار والمستوى العام للأسعار، فتؤكد الدراسة أن حصول المستورد على كميات كبيرة من الإجازات لاستيراد كميات كبيرة من المادة يعني قدرته على التحكم في السوق ومنع دخول المستورد الصغير، فأي كمية يطرحها المستورد الصغير ستجد مضاربة كبيرة من المستورد الكبير المتحكم في السوق، وبالتالي عدم بيعها وخروج هذا المستورد الصغير من السوق.
في هذا الإطار قامت الوزارة بتطوير عدد من الأدوات والسياسات الذكية لا تعتمد في جزء كبير منها على التعرفة الجمركية كأداة حمائية خاصة في المرحلة الحالية وأهمها تشكيل لجنة لحماية الإنتاج المحلي وتشكيل لجنة فنية على مستوى الوزارة وأخرى على مستوى الاتحادات تستهدف تحسين كفاءة وإدارة التجارة الخارجية وإجراءات منح إجازات الاستيراد موافقات الاستيراد ووضع معايير للمواد والسلع ذات الأولوية للاستيراد وابتكار وتطوير أدوات التدخل والارتقاء بالتجارة الخارجية، إضافة إلى دراسة الأسعار الاسترشادية للصادرات والمستوردات، حيث شكلت لجنة برئاسة وزير الاقتصاد مهمتها تحديد الأسعار للصادرات، حيث قامت هذه اللجنة في اجتماعها الأخير بتحديد السعر التأشيري للعديد من السلع والمنتجات النسيجية وفق مستواها الحقيقي، وهو ما سيكون له دور في وضع رقم تصديري قريب من القيمة الحقيقية للصادرات ومن شأنه أيضاً تحقيق عائدات إضافية لمصرف سورية المركزي من القطع الأجنبي عبر تعهد قطع التصدير الذي ينص على بيع 50% من قيمة الصادرات إلى مصرف سورية المركزي وفق وسطي أسعار الصرف لدى المصارف علماً أنه يجري استكمال دراسة الأسعار التأشيرية للصادرات لتحقيق أثر متماثل في باقي الحزم السلعية من الصادرات وخاصة الخضر والفواكه.
وأكدت الدراسة أنه تم البدء بتطوير الأسعار الاسترشادية للمستوردات أداةً لتأمين المواد الأساسية لحلقات الإنتاج التي لا يتم تأمينها محلياً في الوقت الحالي، فقد تم تخفيض الأسعار الاسترشادية للخيوط والأقمشة إلى مستويات قياسية بين1-3 دولارات أمريكية للكيلو غرام الواحد مؤقتاً وسيتم تعديل هذه الأسعار صعوداً مع تطور تعافي القطاعات المنتجة لمثل هذه المواد، كما جرى رفع الأسعار الاسترشادية للمستوردات السورية إلى مستويات أعلى حيث تم رفع السعر الاسترشادي للألبسة بكافة أنواعها إلى 15 دولاراً أمريكياً للكيلو غرام الواحد، ويمكن استخدام هذه الأداة في حماية العديد من السلع الوطنية وخاصة الألبسة، السيراميك، الزيوت، وغيرها.
وبينت الدراسة أن هذه الإجراءات ساعدت في تحديد احتياجات السوق لأهم السلع والمواد وتمّ ترشيد الاستيراد على أساسها مع الحفاظ على أربعة مبادئ تتمثل في تحقيق وفرة السلعة وضمان عدم فقدان أي سلعة من السوق وإعطاء الأولوية لاستيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية وحماية الإنتاج الوطني، إضافة إلى تحقيق اقتصاديات الحجم في الاستيراد، حيث يتم التواصل مع أهم المستوردين للمواد الأساسية لتحديد الحد الأدنى من الكميات المستوردة التي تحقق جدوى اقتصادية للمستورد في عملية الشراء والشحن والتأمين.
وذكرت وزارة الاقتصاد في دراستها أنه يتم حالياً تطوير وحدة التحليل الاقتصادي في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وبمشاركة المديرية العامة للجمارك ومصرف سورية المركزي في إطار الربط الشبكي والمعلوماتي واستكمال حلقات منح الموافقة على طلب إجازة وموافقة الاستيراد، تمويل إجازة وموافقة الاستيراد، تنفيذ إجازة أو موافقة الاستيراد؛ لتعزيز القرار الاقتصادي ومراقبة تعافي القطاعات الاقتصادية المختلفة عبر تغيير أولويات التجارة الخارجية بما يخدم تعافي هذه القطاعات الإنتاجية ويعزز القدرات التصديرية، فاليوم أساس العمل في الوزارة إنتاج رقم إحصائي آني لدى مديرية التجارة الخارجية، الذي كان غائباً عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، إذ توجد الآن بيانات كاملة عن المستوردين، حجم المستوردات، نوعها، قيمتها، مصدرها وحصة كل مستورد في السوق والقدرة الإنتاجية لأهم المنتجين، ما يعزز القدرة التفاوضية والسياساتية لصانع القرار الاقتصادي والتجاري في لقاء الفعاليات التجارية والاقتصادية، وسيتم في مرحلة لاحقة تطوير أدوات جديدة لإيجاد مطارح ضريبية اعتماد على حركة التجارة الخارجية وتطوير المنظومة الضريبية بالتعاون مع وزارة المالية خاصة في إطار تعزيز موارد الخزينة العامة للدولة وتحقيق تمايز حقيقي لكبار دافعي الضرائب لناحية المشاركة في صنع القرار والاستفادة من الفرص الاستثماري .