ربى منذر
قد يعتبر البعض أن الكلام عن السياحة في خضم الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط بها لبنان هو كلام في غير موضعه، لكن أيكون أفضل لو استسلمنا؟
لطالما عُرف لبنان بأرض القداسة التي وطأها القديسون وباركوها، هذه الأرض التي يسيّجها عطر القداسة فلا تجرؤ يد الإرهاب على الامتداد عليها مهما تطورت أسلحتها، إنها أرض البلد الذي اعتبره البابا يوحنا بولس الثاني أكثر من وطن، فهو رسالة.
ومع هذا المنعطف التاريخي محلياً وإقليمياً وعالمياً، إنطلقت في لبنان حياة الترهب والتنسك والتبشير، مترافقة مع إقامة الكنائس والأديار والمزارات في كل بقعة تقبّل أهلها الرسالة السماوية.
من هنا بدأنا نسمع بـ «السياحة الدينية في لبنان» والتي يعمل البعض اليوم على تكريسها في إطار العمل من أجل سياحة مستدامة ومتنوعة يكون لها المردود الأكبر على لبنان كله.
ـ امين عام نقابة اصحاب الفنادق ـ
وفي حديثٍ خاص مع «الديار»، أكد «أمين عام نقابة أصحاب الفنادق» وديع كنعان أن «لبنان مدعو اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى الى تعزيز قطاعه السياحي، وهذا بالطبع يستلزم قناعة وقراراً من الدولة والكنيسة معاً من دون أن نغفل دور القطاع الخاص في بناء الأرضية الصالحة المشجعة للسياحة الدينية من إقامة فنادق ريفية بالقرب من المزارات الرئيسة، وتحويل بعض المنازل التراثية الى بيوت ضيافة للزائرين المحليين والأجانب، وإنشاء استراحات في المواقع المقدسة مع توفير التجهيزات والخدمات الآزمة بأسعار مناسبة لكل الشرائح»، معتبراً أن «السياحة الدينية المنشودة هي جزء من السياحة البيئية، بما أن معظم أماكننا المقدسة تقع في مناطق بيئية بامتياز كعنايا ووادي قنوبين، وجربتا، ولحفد وغيرها».
وأضاف كنعان أنه «وعلى الرغم من عدم وجود أي دراسة دقيقة حول السيّاحة المسيحية، الا أن بعض قطاعات السياحة لديها احصائيات حول هذا الفرع من السياحة، فـ«جمعية المخيم والمؤتمر المسيحي» تقدر عدد المشاركين في المخيمات والمؤتمرات المسيحية بثمانية ملايين شخص كل عام»، شارحاً «أن السياحة الدينية تعد من أقدم أنواع السياحة ومن أهم أنماط السياحة الوافدة التي تستقطب الملايين من الزوار سنوياً الى بلدان مختلفة، وأن الكنيسة تشدد على أهمية المعالم الدينية المسيحية، ففي إحدى الإرشادات الرسولية التي سلمها «البابا بنديكتوس السادس عشر» الى الكنيسة في لبنان حول السياحة الدينية، أشار الى أن «الحج صوب الأماكن المقدسة والرسولية قادر على أن يتحول للحقيقة بالإيمان بالمسيح إذا ما تحول حجاً حقيقياً…».
وأعطى كنعان بعض الاحصاءات التي تشير الى أن « حوالى اربعة ملايين و500 الف زائر سنوياً يزورون دير مار مارون-عنايا- ضريح القديس شربل، كما يتم تناول حوالى المليون و200 الف قربانة سنوياً، وحوالى 250 الف شخص يزورون عنايا الدير والمحبسة يوم عيد القديس شربل في الأحد الثالث من شهر تموز كل سنة. و133 دولة تراسل دير مار مارون- عنايا طلباً للبخور وصور القديس والصلاة والقداديس».
وصرّح أن «ما يزيد دعماً لهذا القطاع هو تصنيف عنايا أولاً العام 1982 ضمن المزارات الدينية العالمية وتبعتها حريصا، كفيفان وجربتا، إضافة الى مشاركة رؤساء مزارات عنايا، حريصا، كفيفان وجربتا في لجنة رؤساء المزارات في العالم سنوياً، وتصنيف وادي قاديشا (قنوبين وقزحيا) محمية طبيعية دينية سنة 1997 من قبل وزارة البيئة، وإدراجه على لائحة التراث العالمي سنة 1998 من قبل منظمة الأونيسكو»، معتبراً أن «الإنتشار العالمي للقديس شربل وخاصة في بلاد الإغتراب والسلسلة الطويلة والعريقة من الأديار والكنائس الأثرية والحديثة والمزارات وأضرحة القديسين والمحابس، يسلط الضوء على أهمية لبنان في هذا القطاع، ويجعله مدعواً بجميع قطاعاته العامة والخاصة كما الكنيسة لاستغلال هذا التراث الروحي وتنظيمه وتطويره ببلورة خطة كاملة متكاملة للسياحة الدينية من قبل الدولة من خلال دعم البلديات التي تقع ضمن نطاقها معالم دينية للتمكن من توفير زيارة على مستوى عالمي للسياح وتطوير وتكملة المشاريع الموضوعة من قبل الكنيسة لتصبح مزاراتنا على مستوى المزارات الدينية المعروفة عالمياً، مع التنويه بجهود القيمين والمسؤولين عن هذه المزارات على ما انجزوه حتى تاريخنا، وتتيح للقطاع الخاص الإستثمار في مجالات السياحة الدينية فيصبح عالمياً كوجهة سياحية دينية مع الوجهات الأخرى المعروفة وموضوعاً على خريطة السياحة الدينية العالمية».
ـ الفندق ـ
وعن مشروع الفندق الذي بدأ العمل عليه في عنايا والذي يُتوقع أن تنطلق أعماله على الأرض بعد حوالى الثلاث سنوات، كشف كنعان أن «المشروع ليس الفندق بحد ذاته وإنما تنمية السياحة الدينية ككل والتي نبدأ بها من هذا المشروع، فهذا الفندق هو عبارة عن 74 غرفة، 154 سريرا كي نستطيع الإتيان بطائرة كاملة من الخارج، وضمن الفندق هناك colonie للأطفال وهناك 100 سرير إضافي، وغرفة متعددة الأغراض، وهناك مطعمين في داخل الفندق وفي خارجه مطبخهما أجنبي كي نضيف أمراً جديداً على عنايا، إضافة الى ملعب مساحته 1200 متر مربع، وثلاثة متاجر خارج الفندق لخدمة زبائنه»، مستطرداً بالقول «مشروعنا أكبر من ذلك، وضعنا خريطة سياحية لكل عنايا ونحن بصدد اختيار الشركات المناسبة لإنجاز هكذا نوع من المشاريع».
لماذا عنايا؟ هو سؤال يطرح نفسه في ظل وجود عدة أماكن دينية في لبنان، فيأتي جواب كنعان «ربّنا هو الذي اختار وليس نحن»، مضيفاً «ستكون هذه المنطقة عيّنة عن السياحة الدينية في لبنان كونها الأقوى حالياً بوجود القديس شربل، لذا اعتبرنا أن نجاح السياحة الدينية فيها يعني نجاحه في كل لبنان، مما سيجعلنا ننتقل نحو وادي قنوبين، القديسة رفقا، الحرديني وغيرهما».
وأشار الى أن «مزار عنايا مصنف عالمياً كمزار من الدرجة الاولى ولكنه ليس معلماً سياحياً دينياً، وهدفنا تحويله لذلك، والغرض من تنمية السياحة الدينية هو الوصول لسياحة مستدامة في الفصول الأربعة، والتي تكون منتجة وداعمة لخزينة الدولة، وهو هدف قديم يعتمد على تنمية كل السياحات التي يتميز بها لبنان من أجل تحقيقه، فكما نجحت سياحة المؤتمرات في لبنان بفترة معينة، نهدف لنجاح تلك الدينية كذلك»، معلناً أن «كل هذا العمل سيكون بتعاون ومشاركة القطاعين الخاص والعام والرهبنات خصوصاً المارونية في عنايا، كل ما نتمنى العمل عليه في عنايا أصبح على الخرائط، والذي سيكون مشروعا متكاملا، ونلاقي تفاعلاً كبيراً على مواقع التولصل الاجتماعي، والذين نريدهم مشاركتنا هذا المشروع هم مهتمون لهذا الموضوع، يحبون مار شربل وعنايا والسياحة الدينية وبنفس الوقت هم أصحاب اختصاص يمكنهم العمل عليه».
وأكد كنعان أن «دراسات عديدة أقمناها قبل البدء بالمشروع، أكان عما وصلت إليه السياحة الدينية في لبنان، أو عما تفعله المنطقة المجاورة لنا بهذا الصدد، وماذا يستطيع تقديمه الفاتيكان، وكيفية تعامل «لورد» و»ميديغورييه» مثلاً مع هذا الموضوع، كما تعرفنا على شركات السياحة العالمية المعنية فيه وتأكدنا أنه من الضروري تواجدنا على خريطة السياحة الدينية العالمية، كما أن موضوع المغتربين اللبنانيين يساعدنا إذ أنهم سيشكلون مفاتيحاً لتسويق بلدهم كمحطة سياحية دينية»، مضيفاً «من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تأكد لنا أن مار شربل هو قديس عالمي الكل يحبه حتى وإن كانوا من غير ديانات، هو كريم بعجائبه التي تطال كل الشرائح وكل الطوائف وكل البلدان، وعلمياً كل 22 الشهر يلتقي مئات المؤمنين في عنايا ويصل عددهم للآلاف أحياناً، وبناء على خبرتنا في قطاع السياحة بإمكان عنايا أن تكون معلماً سياحياً ممتازاً».
لبنان هو «رسالة سياحية تمثل لوحة ايمانية مضيئة واسعة تحتضن لبنان بكل مناطقه حيث تتعانق آثاره الدينية الروحية ومعالمه ومزاراته ومقاماته وكنائسه وجوامعه وخلواته» كما قال بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك مار غريغوريوس الثالث لحام في كلمة له، فلا يجب على اللبنانيين التمتع بقدسيته لوحدهم، بل من واجبهم دعوة كل بلدان العالم لزيارة قديسٍ لا يمكن وصفه بتعابيرٍ كتابية. إذاً مما لا شك فيه أن السياحة تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي في لبنان، كما أن الشعب اللبناني معتاد على وجود السياح منذ القدم، هو الذي يتميز بوفرة في المعالم الدينية المسيحية على اختلاف أنواعها، والواجب استثمارها للجذب السياحي، فإن كان القديسون يساعدوننا على تنمية وطننا الذي هو وطنهم كذلك، هل نرفض النعمة؟