مؤخراً، توفي لي كوان يو، أول رئيس وزراء لسنغافورة، عن عمر يناهز 91 سنة. وقد نعته معظم الصحف بوصفه الرجل الذي قاد البلاد خلال حكمه لها نحو تحول جذري. وكتب جون فاند في (ناشونال ريفيو-National Review) قائلاً: “باتباع التجارة الحرة، وتشكيل رأس المال، والتعليم القوي، وخفض الضرائب، وبناء نظام قضائي عادل، رفع “لي” الدخل القومي للفرد من 500 دولار في السنة إلى 52 ألف دولار سنوياً. وهذا أعلى بـ50% من نصيب الفرد في بريطانيا- القوة الاستعمارية التي احتلت سنغافورة 150 عاماً. يضاف إلى ما سبق، أن معدل النمو السنوي في البلاد بلغ 7% منذ سبعينيات القرن الماضي.”
فيما يرى الخبراء أن الحرية الاقتصادية التي تتمتع بها سنغافورة، سبب مهم في إحداث هذه القفزة النوعية في مسار نهضتها؛ فهي تحتل اليوم ثاني أكثر البلاد تمتعاً بالحرية الاقتصادية في العالم بعد هونغ كونغ. لكن كان هناك إنجازات مميزة أخرى على صعيد الرفاهية، فالمواطنون فيها لا يعتمدون على الحكومة لتوفير مداخيل التقاعد والإسكان والتعليم والرعاية الصحية وغيرها، مثل باقي الدول المتقدمة، بل يعتمدون على أنفسهم في توفير هذه الاحتياجات، من خلال التوفير الإجباري من الدخل، بنسبة قد تصل إلى 50% أحياناً. واليوم، يتوجب على الموظفين تحت سن 50 عاماً توفير 20% من رواتبهم. وعلى أصحاب الأعمال توفير 16%. وتذهب هذه الأموال إلى حسابات خاصة بحيث تتنامى مع الزمن حتى يحتاجها أصحابها. ومثال ذلك: تستخدم جزء من هذه الأموال في مجال الإسكان؛ فهناك حوالي 90% من السنغافوريين يملكون منازلهم، وهي أعلى نسبة لملكية المنازل في العالم.
أما في مجال الرعاية الصحية، فقد بدأت سنغافورة بنظام مكثف من “حسابات التوفير الطبي” عام 1984. واليوم، يتم تخصيص 7% من أصل 36% من إجمالي التوفير للرعاية الصحية، ثم توضع في حساب منفصل لكل موظف. كما يتم إدراج الأفراد تلقائياً في التأمين الصحي للكوارث أيضاً. وعندما يصل رصيد حساب التأمين إلى حوالي 34.100 دولار، يجري تحويل الأموال الفائضة إلى حساب آخر، ليستخدم في غايات غير طبية.
علاوة على ذلك، خلقت سنغافورة تدريجياً نظام سياسة اجتماعية جديد، يقوم على مبدأ تأسيس الأصول. فخلال ربع قرن من الزمن، اتبعت سياسة سنغافورة خطوات مهمة نحو بناء الأصول مدى الحياة، مع البدء في وقت مبكر جداً. وتتضمن هذه الابتكارات: برنامج تمويل التعليم (إديو سايف-EduSave) الذي يمول المتفوقين، وآخر لتزويد أهالي المواليد الجدد بالمال، وغيرها من البرامج التي تحفز بناء الأصول.
وبالنسبة لجون فاند، فإن أكثر إنجازات سنغافورة تميزاً، تكمن في تجنب أخطاء الدول الأخرى، حيث يقول: “من إنجازات لي كوان يو التي لاقت تقديراً أقل من غيرها، أسلوبه في ضمان ألا يعاني الجيل اللاحق من إفلاس الجيل الذي سبقه.” وأضاف: “كان لـ كيوان الجرأة الكافية ليخبر شعبه عن حدود إمكانات الحكومة.