Site icon IMLebanon

مصر بعد مؤتمر شرم الشيخ: الإصلاح على السكة الصحيحة

EgyptEcon3
عامر ذياب التميمي
يشعر زائر مصر بمتغيرات إيجابية في الأمن والنظام تبدو في الشوارع والطرق وسلوك موظفي الأجهزة الحكومية. لكن عندما نتمعن في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية يبدو أن ثمة شوطاً طويلاً لا بد من قطعه قبل تحقيق إنجازات ذات أهمية.
لا تزال الفنادق والمنتجعات شبه خاوية وبعيدة عن بلوغ مستويات إشغال معقولة بما يمكّن من الزعم بأن ثمة تحسناً في أداء القطاع السياحي. وتشير بيانات مصرية إلى أن عدد السياح الذين زاروا مصر في كانون الثاني (يناير) الماضي بلغ 678 ألف شخص منخفضاً من 782 ألفاً في كانون الأول (ديسمبر) 2014. وبهذا المعدل الشهري يتوقع أن يصل عدد السياح في 2015 إلى حوالى 8.5 مليون شخص، وبذلك تقدر إيرادات السياحة لهذا العام بثمانية بلايين دولار.
تحاول الحكومة الترويج للسياحة في البلاد من خلال برامج دعائية مكثفة تنفذها شركات متخصصة، كما تحاول تسهيل إجراءات دخول السياح إلى مصر عن طريق تحديث آليات الدخول والجمارك ونظام التأشيرة الإلكترونية، وتعمل لإجراء مناقصة دولية لتكليف شركة متخصصة إطلاق إعلانات دولية كبرى. وتأمل وزارة السياحة بأن يبلغ عدد السياح 20 مليوناً في 2020.
وثمة أهمية لإصلاح قطاعات أخرى. بعد اختتام مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الشهر الماضي يعقد المسؤولون المصريون اجتماعات متلاحقة مع الإدارات المحلية والمستثمرين الأجانب لشرح الإستراتيجية والأهداف اللازمة لتحديث الاقتصاد المصري وتطوير آلياته وتمكين البلاد من جذب الاستثمارات المباشرة الأجنبية. وثمة إرث ثقيل من القيود البيروقراطية والمفاهيم الاقتصادية والسياسية التي تحول دون كسب ثقة المستثمرين ورجال الأعمال. وعلى رغم جهود الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء إبراهيم محلب والمسؤولين الحكوميين لا بد من تجاوز تلك القيود والقيم والمفاهيم، ولا بد من إعادة تأهيل الإدارة الحكومية للتعامل مع متطلبات التحول إلى اقتصاد حر حقيقي في مصر.
ولم تتمكن مصر من تطبيق القوانين والأنظمة الهادفة إلى الانفتاح الاقتصادي والتحرر من هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي، والتي بدأ تشريعها بداية عهد الرئيس الراحل أنور السادات في سبعينات القرن العشرين. وشابت التطبيق ممارسات تخللها فساد وتعطيل لآليات المنافسة والشفافية ما أدى إلى عزوف كثر من رجال الأعمال والمؤسسات المالية الدولية عن تعزيز الاستثمارات في البلاد. هذه مسائل حيوية لا بد من الاهتمام بها من الجهات المتخصصة من أجل بناء الثقة وتعزيز تدفق الاستثمار إلى البلاد.
تحديث الاقتصاد المصري يكتسب أهمية قصوى من أجل بلوغ الأهداف الإستراتيجية لمعدلات النمو وتحسين مستويات المعيشة والارتقاء بمستويات الحياة. وغني عن البيان أن المسؤولية ثقيلة والإمكانيات المالية اللازمة لا تزال محدودة. فكيف يمكن انتشال هذا الاقتصاد من أوضاعه الراهنة وتحسين مستويات المعيشة لـ 90 مليون مصري؟ يبدو أن الحكومة المصرية، كما اتضح في مؤتمر شرم الشيخ، بدأت تفكر بمشاريع كبيرة ومهمة مثل مشروع العاصمة الجديدة الذي تعهدت الإمارات بتمويلها وإقامتها خلال سبع سنوات.
لكن ثمة أعمالاً أخرى ذات أهمية تتطلب جهود المسؤولين مثل تحديث الصناعات التحويلية وتشغيل المتوقف منها ودعم المشاريع الصغيرة التي يمكن أن تساهم في توفير وظائف للشباب المتدفقين إلى سوق العمل. فالمهم الآن دفع المصريين إلى تحقيق إنجازات من خلال فرص عمل حقيقية وتعزيز ثقافة الإنتاج والإبداع وتوفير تحويلات المناسبة لذلك يجب أن تحظى مراجعة البنية المؤسسية والقوانين والأنظمة الحاكمة للعمل الاقتصادي تحظى بالأولوية. ولا تغيب عن البال ضرورة الاستثمار في البنية التحتية التي تمكن من توفير البيئة الاستثمارية المناسبة لمشاريع الأعمال وتمكّن هذه الأعمال من الإنتاج بناء على متطلبات الاقتصاد الحديث. ولذلك فإن بناء الموانئ والمطارات وتطوير شبكة السكك الحديدية وإقامة محطات توليد الطاقة الكهربائية وتكرير المياه تعد من الأعمال الضرورية الهادفة إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات والعقود المقبلة.
وتبقى الأوضاع الديموغرافية مسؤولية كبرى ملقاة على كاهل صناع القرار. فمصر تواجه النمو السكاني المتسارع منذ 50 سنة دون أن تتمكن من لجمه، فارتفع عدد السكان من حوالى 50 مليون شخص عام 1960 إلى 90 مليوناً اليوم، منها 84.7 مليون داخل مصر والباقون مهجرون أو عاملون خارج البلاد. ويبلغ السن المتوسط للمصريين 25.5 سنة، أي أن نصف السكان تقل أعمارهم عن 25.5 سنة. وهذا يعني أن المجتمع المصري يافع ما يؤكد ضرورة توفير الأموال الأزمة لخلق فرص العمل والإنفاق على برامج التعليم والرعاية الصحية.
تؤكد هذه الحقائق الديموغرافية أن على الإدارة الاقتصادية العمل لرفع معدلات النمو وتنشيط مختلف القطاعات وتعزيز دور القطاع الخاص وحفز المستثمرين الأجانب على توظيف أموالهم في القطاعات الحيوية. وكل ذلك من أجل تحقيق توظيف أمثل للإمكانات المتاحة ودعمها بإمكانات جديدة من خلال تبني آليات وأنظمة مبتكرة. ولا بد للشروع بتبني نهج جديد من أن يثمر وبأشكال متعددة، منها خفض الإنفاق العام وتخفيف الاعتماد على الدولة من خلال تمكين القطاع الخاص من الاضطلاع بمسؤوليات اقتصادية واسعة. وفي الوقت ذاته لا بد من تنشيط الأعمال التي يمكن ان تحقق للبلاد مداخيل سيادية مثل السياحة والصادرات السلعية وتحويلات العاملين في الخارج. ويُتوقَّع لتوسيع قناة السويس ان يعزز هذه المداخيل السيادية.