طالب وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير بضرورة العمل على رفع أعداد الكفاءات المهاجرة إلى ألمانيا عن طريق قرع طبول الترويج والدعاية للبلد. وقال الوزير في مؤتمر في برلين عقده مع خبراء في مجال الهجرة إنه: “علينا أن نوجه دعاية موجهة للترويج لألمانيا، لأننا نريد أن يأتي الناس إلينا”.
وعملية الترويج للهجرة إلى ألمانيا مطلوبة ومهمة، خاصة أن سوق العمل في ألمانيا سيعاني من نقص شديد في الأيدي العاملة في الأعوام القادمة. وذكرت دراسة من مؤسسة “بيرتيلسمان” الألمانية أن أعداد الناس الذين في أعمار سن العمل الرسمي، أي حتى سن الـ67 عاما، سيتراجع بصورة كبيرة حتى عام 2050 وستفقد ألمانيا 11 مليون فرصة عمل في حالة عدم وفود أيدي عاملة مهاجرة جديدة إلى البلد، وسينخفض عدد العاملين من 45 مليون حاليا إلى 29 مليون عامل فقط بحلول عام 2050، وفقا للدراسة.
ولذلك يطالب وزير الداخلية الألماني دي ميزير بأن تشجع ألمانيا هجرة الكفاءات إليها، ويضيف بهذا الصدد قائلا: “نحن الألمان نتحدث كثيرا عن القوانين وعن توجيه الدعوة للأجانب للقدوم إلى البلد ولا نتحدث إلا قليلا حول كيفية الوصول وتفاصيله”.
الترويج للهجرة إلى ألمانيا مهمة، على الرغم من أن ألمانيا هي إحدى الدول التي يفضلها المهاجرون حاليا في العالم. ويعيش حاليا في ألمانيا، وفقا لوزير الداخلية الألمانية، نحو 8.2 مليون أجنبي. بالإضافة إلى ذلك هناك أعداد أكبر من الذين يعيشون من الجيل الثاني أو الجيل الثالث لعائلات مهاجرة.
أكبر بلد مستقبل للاجئين في العالم
من جانب أخر، زادت الحرب الأهلية في العراق وفي سوريا في العاميين الأخيرين من أعداد اللاجئين القادمين إلى ألمانيا. وقدم نحو 200 ألف شخص طلبا للحصول على اللجوء في العام الماضي، ويتوقع أن تصل أعداد طلبات اللجوء إلى 300 ألف طلب هذا العام. وبذلك تعد ألمانيا أكثر دولة في العالم تُقدم فيها طلبات للجوء، حسب الوزير الألماني. وكان موضوع تقديم المساعدات للاجئين وإيواءهم في ألمانيا قد شغل الرأي العالم في البلد وقسمهم بين مؤيد وبين معترض عليه.
من جانبه، يريد وزير الداخلية الألماني أن يقدم خطة أساسية للعمل في الأشهر القادمة حول هذا الموضوع. وخاصة أن الحديث يدور حاليا الآن حول كيفية بناء أسس لنظام جيد للهجرة في ألمانيا ليجعلها “دولة مهاجرين حديثة”.
ومسؤولية الترويج لألمانيا لجعلها وجهة لهجرة الكفاءات بشكل معاصر وحديث لا يمكن أن تكون على عاتق الدولة فقط، حسب وزير الداخلية، وإنما على الشركات الألمانية الناجحة والمعروفة في العالم أيضا. ويضيف الوزير: “الشركات الاقتصادية الألمانية ناجحة في الترويج لبضاعتها حول العالم”. وأضاف الوزير متسائلا: “لماذا لا تستطيع الشركات الألمانية الترويج بصورة جيدة لكسب الأشخاص الملائمين لفرص العمل في ألمانيا؟”.
رئيس اتحاد الصناعات في ألمانيا أوليرش غريلو أكد من جانبه للوزير خلال المؤتمر بأن الاقتصاد الألماني سيشارك بفعالية في هذا المجال. وسيتشاور رئيس اتحاد الصناعات مع ممثليات الاتحاد في خارج البلاد لوضع خطة لكسب الأيدي العاملة الأجنبية الماهرة.
لكن البعض يعتقد أن المشكلة في عزوف الكثير من الكفاءات الأجنبية على القدوم إلى ألمانيا تكمن في قانون الهجرة الألماني. وطالب أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الشريك في الائتلاف الحاكم، كآيدن أتسوغوتس وزيرة الدولة لشؤون الاندماج، بوضع قوانين واضحة للهجرة، إذ يحتاج الكثير من المهاجرين لاستشارات قانونية لمساعدتهم في ملئ استمارات التقديم ولفهم قوانين الهجرة الألمانية المعقدة.
وقانون جديد للهجرة يجب أن يكون واضحا ومفهوما للأجانب ولسكان البلد أيضا، كما تقول وزيرة الدولة لشؤون الاندماج، والتي تضيف قائلة: “لا يفهم الكثير من الناس من يأتي للبلد ومن يخرج منها ولماذا يحدث ذلك. وهناك بعض الناس يعتقد أنه لا توجد قوانين لتنظيم الهجرة في ألمانيا وهذه العملية تجري دون رقابة حكومية. وعدم المعرفة تؤدي إلى مخاوف لا مبرر بها، والتي قد تستغلها بعض المجاميع اليمينية الشعبوية، كحركة بيغيدا”.
أما وزير الداخلية دي ميزير، والذي ينتمي إلى حزب الديمقراطي المسيحي الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم، والذي يكلف بإعداد القوانين فلا يعتقد أن الحل يكمن في صياغة قانون جديد للهجرة. ويضيف الوزير: “بإجراء تعديلات قانونية أو بعض التسهيلات على القانون الحالي فقط لا يمكننا أن نكسب قوى عاملة أو كفاءات أكثر للبلد”.
البروفيسورة كريستينه لانغينفيلد رئيسة مجلس الخبراء لملف الهجرة في ألمانيا أعربت هي الأخرى عن قناعتها بأن المشكلة لا تحل بقانون هجرة جديد، وتقول: “البعض ممن يعتقد أن قانون هجرة جديد سيجعل كل شيء سهل وواضح وشفاف سيكون خاطئا”.
موضوع مثير للجدل داخل ألمانيا
لكن موضوع الهجرة إلى ألمانيا ما زال موضوعا شائكا ويثار حوله الكثير من النقاش وخاصة حول الجنسيات والخلفيات الثقافية للمهاجرين، وفيما إذا على ألمانيا استقبال جنسيات محددة فقط. وزير الداخلية أعرب من جانبه وبصراحة انه يفضل أن يروج للهجرة إلى ألمانيا في المناطق التي تكون قريبة على الثقافة الأوروبية المسيحية. في هذا السياق يضيف الوزير دي ميزير قائلا: “اعتقد أنه من حق أي بلد يستقبل مهاجرين جدد أن يحدد من يناسبه من المهاجرين، وخاصة أن تقبل المواطنين في ألمانيا للمهاجرين سيكون أكبر عندما يكون المهاجرين من خلفيات ثقافية مقاربة لثقافتهم”.
لكن هذه التفسيرات التي أثارها الوزير قد تثير بعض الاعتراضات من جهات أخرى، وذلك لاستبعاد ألمانيا المهاجرين من بلاد إسلامية.
موضوع الهجرة إلى ألمانيا شغل اهتمام الصحف والرأي العام الألماني في الأسابيع والأشهر الماضية. ونظمت حركة “بيغيدا” مظاهرات ضد اللاجئين في ألمانيا. وأضرم النار في مركز لاستقبال اللاجئين في مدينة تروغليتس في مقاطعة ساكسن أنهالت، وهي واحدة من سلسلة من العمليات الكثيرة التي استهدفت الأجانب في ألمانيا. ويقول الوزير بهذا الصدد: “هذه صور فضيعة وعلينا أن نعمل كل ما بوسعنا لمنع تكرار هذه المشاهد”.