ليس متسغرباً أن تتساقط الثروات على أشخاص محددين وخصوصاً السياسيين منهم في ظل إنتشار الفساد والرشوة في الطبقة الحاكمة، حتى أضحى الشعب اللبناني محروماً من أدنى حقوقه الأساسية في وقت تتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. فبحسب قائمة (فوربس) الأميركية عن «الأثرياء العرب لعام 2015»، يمتلك الاثرياء اللبنانيون الـ11 (10 مليارديريين و1 مليونير) نحو33.78 مليار دولار، اي نحو75% من مجمل الناتج المحلي اللبناني، اي ما يوازي متوسط الاجر السنوي لنحو260 الف موظف وعامل في القطاعات النظامية، اي نصف الدين العام.
ويأتي لبنان في المرتبة الثانية بعد السعودية على قائمة الأثرياء العرب بـ 11 ثرياً، اذ جاء جوزيف صفرا في المرتبة الثانية بعد الوليد بن طلال بثروة 17.3 مليار دولار، يليه في المرتبة الـ11 على الصعيد العربي نجيب ميقاتي وشقيقه طه بثروة 3.3 مليارات دولار لكل منهما، ثم بهاء الحريري بثروة 2.3 مليار دولار. وشهدت القائمة دخول 3 أسماء لبنانية جديدة هي: روبير معوض وعائلته بـ1.5 مليار دولار، وجاك سعادة بـ1.2 مليار دولار، وراي إيراني بمليار دولار. واللافت أن الثروة اللبنانية تفوقت على ثروة الأغنياء الإماراتيين، إذ إحتلت الإمارات المركز الرابع عربياً ب 11 ثريَا (4 مليارديريين و7 مليونيريين)، وبلغ إجمالي ثرواتهم 22,72 مليار دولار، مما يطرح علامة إستفهام كبيرة حول مبدأ المحاسبة: من أين لك هذا؟
من الأخطاء الشائعة بحسب الخبير الإقتصادي لويس حبيقة إعتبار الثروة المحققة في لبنان مصدرها سرقة الأموال العامة «إذ أن العديد ممن دخلوا المجال السياسي هم من رجال الأعمال والمصرفيين الذين حققوا جزءاً من ثرواتهم خارج لبنان في دول الخليج العربي وأفريقيا وغيرها من البلدان عبر الإستثمار في قطاع البناء، الإتصالات، البورصة وغيرها، وخير دليل على ذلك الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي…». إلا أن المشكلة الحقيقة وفق ما أكد حبيقة تكمن في مبدأ تعارض أوتضارب المصالح عبر إستغلال بعض رجال السياسة مواقعهم ومناصبهم في السلطة للقيام بعلاقات ومشاريع إستثمارية، وهذا أمر مخالف للقانون.
ـ تقليص الفجوة ـ
ولكن كيف يمكن تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء في لبنان؟ أكد حبيقة أن لا حل في الظروف الحالية إلا عبر رفع سقف الضريبة التصاعدية على مداخيل الأغنياء وإعادة توزيعها على الفقراء مما يحقق العدالة الإجتماعية، وتفعيل دور أجهزة الرقابة لمراقبة الجميع دون إستثناء. ولكن في المقابل، حذر حبيقة من أن زيادرة فرض الضرائب على الأغنياء قد يدفعهم إلى نقل أموالهم وإستثماراتهم إلى الخارج مما ينعكس سلباً على الإقتصاد اللبناني.
من جهة أخرى،يشير التقرير إلى الإختيارات الإستثمارية المفضلة لدى الأثرياء في المنطقة العربية، فقد جمع 18 ثرياً عربياً ثرواتهم من العمل في قطاع التجزئة، بينما فضل 14 ثرياً الإستثمار المتنوع وجمع 8 أثرياء ثرواتهم من قطاع العقارات و7 من العمل في قطاع الإنشاءات ومثلهم بالعمل في قطاع النفط. أمّا في لبنان، لفت حبيقة إلى أن القطاع العقاري يتصدر قائمة القطاعات الأكثر جذباً لإستثمارات الأثرياء، كونه القطاع الأكثر ربحاً مقارنة مع بقية القطاعات.
ومن أبرز المفارقات التي كشفت عنها القائمة أنه على الرغم من هبوط أسعار النفط إلا أن الأثرياء العرب واصلوا الإضافة إلى خزانتهم، حيث سجل 56 شخصاً من إجمالي 100 ثري بقائمة العام الجاري إرتفاعاً في إجمالي قيمة ثرواتهم، ويرجع حبيقة السبب في ذلك إلى تمكنهم من الإستفادة من إستثماراتهم في القطاعات الأخرى غير القطاع النفطي مثل الصناعة، الزراعة، السياحة، والبورصة… خصوصاً أن جزءاّ كبيراً من رجال المال العرب إستثمروا أموالهم في البورصة الأميركية مما أدى إلى زيادة أرباحهم في ظل إرتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية.