عندما أطلق البنك المركزي الأوروبي برنامج التسهيل الكمي قبل شهر، استعدت أسواق السندات الحكومية في منطقة اليورو لمواجهة المتاعب، إذ يخشى المشاركون من أن برنامج عمليات شراء الأصول بمقدار 60 مليار يورو شهرياً قد يوجد نقصا حادا في السندات، والأسواق قد تخلو من السيولة والأسعار تصبح مجنونة.
وفي الوقت الذي يستعد فيه البنك المركزي الأوروبي لآخر اجتماعاته المتعلقة بالسياسة النقدية، تُشير التجربة حتى الآن إلى أن بعض المخاوف الفورية كانت في غير محلها – لكن جهود ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، لمنع اقتصاد منطقة اليورو من دخول التراجع الانكماشي أوجدت تشوهات خطرة خلف الكواليس، خاصة في السندات الحكومية الألمانية.
يقول لورنس موتكين، الرئيس العالمي لاستراتيجية أسعار الفائدة في بنك بي إن بي باريبا: “هناك أدّلة على أن أحجام التداول انخفضت على نحو لا يستهان به في أنحاء أسواق السندات كافة في منطقة اليورو. ذلك الفقدان للعمق في الأسواق قد يوجد تحدّيات خطيرة بالنسبة للمساهمين والأسواق في مرحلة ما”.
منذ التاسع من آذار (مارس)، عندما بدأ البنك المركزي الأوروبي بشراء السندات، انخفضت العوائد، التي تتحرك عكسياً مع الأسعار، خاصة على السندات الحكومية الألمانية.
ربع السندات الحكومية في منطقة اليورو يتم تداولها الآن بعوائد سلبية، ويعتقد بعض المحللون أن سندات الخزانة الألمانية المعيارية لأجل 10 أعوام يمكن أن تنضم قريباً إلى النادي.
في الأسواق الضعيفة يعرب المتداولون ومختصو الاستراتيجية في محافلهم الخاصة عن المخاوف من أحداث مماثلة “للانهيار السريع” المفاجئ في تشرين الأول (أوكتوبر) لسندات الخزانة الأمريكية.
برنامج التسهيل الكمي في منطقة اليورو إيجاد المخاطر لأنه – على عكس برامج التسهيل الكمّي السابقة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – تم إطلاقه عندما كانت العوائد منخفضة جداً بالأصل، والحكومات كانت تخفض العجز المالي، ما يؤدي إلى تقييد عرض السندات. في مثل هذه البيئة من الصعب على المتداولين جني الأموال، كما أن مالكي السندات مترددون في بيعها لأنه لا يوجد أي مكان آخر لوضع أموالهم.
يحذّر ستيفن ميجور، رئيس أبحاث الدخل الثابت في إتش إس بي سي: “المصارف لا ترغب بالمشاركة، ولا يوجد بائعون يرغبون في البيع. وقد يكون هناك إضراب للبائعين”.
توقعت وكالة التصنيف، موديز، في تقرير لها بالأمس، أن البنك المركزي الأوروبي قد ينفذ من السندات المؤهلة من بعض الحكومات “مع بداية العام الجديد” – أي قبل فترة لا بأس بها من الوقت الذي من المتوقع أن ينتهي فيه برنامج التسهيل الكمي.
المخاوف التي من هذا القبيل لم تُترجَم حتى الآن إلى مشاكل واضحة في الأسواق.
يقول زويب ساتشي، رئيس قسم تداول السندات الحكومية الأوروبية في “سيتي جروب”: “إن الإجماع في الرأي مسبقاً كان أن البرنامج سيكون مُعقدا جداً وسيؤدي إلى سوء تسعير كبير. بالنسبة لتلك التصوّرات، فقد كان الشهر الأول من برنامج التسهيل الكمي سلساً للغاية”.
الأمر الذي كان ملحوظاً هو الانخفاض في نشاط السوق. باستخدام البيانات عن العقود الآجلة للسندات الألمانية كمقياس للتداول في السندات النقدية، يعتقد بنك بي إن بي أن حجم تعاملات السوق انخفض هذا الشهر إلى مستويات عادةً ما نراها في نهاية العام، عندما يبدأ المتداولون في تسوية دفاتر التداول.
يقول ساتشي: “بالتأكيد كان هناك انخفاض في المستوى العام للنشاط منذ بداية البرنامج، لكن ليس من السهل معرفة السبب المُحدد. قد يكون أن المساهمين ينتظرون فقط تقييم تأثير برنامج التسهيل الكمي قبل القيام بأي قرارات مهمة تتعلق بتوزيع الأصول، أو لأن العوائد منخفضة جداً لذلك يقومون ببساطة بعمليات تداول أقل بكثير”.
الهدوء النسبي يمكن أن يُنذر بمشاكل في المستقبل. ظهرت بوادر التوتر في أسواق “إعادة شراء السندات” الأوروبية – التي يتم فيها استخدام السندات كضمان للحصول على النقود عبر اتفاقيات إعادة الشراء.
يجادل المصرفيون أن أسواق إعادة الشراء تساعد في تشغيل القطاع المالي العالمي، من خلال توفير السيولة وجعل مطابقة المشترين والبائعين أكثر سهولة في أسواق الأصول.
وتعتبر السندات الحكومية الألمانية من الضمانات ذات الجودة الأعلى، لذلك فإن النقص قد تكون له تداعيات واسعة. مع ارتفاع الطلب، كان حاملو السندات قادرين على إعادة شرائها والحصول على النقود بأسعار فائدة سلبية على نحو متزايد.
انخفض سعر الفائدة الضمني لعمليات الاقتراض على إعادة شراء السندات لمدة ستة أشهر ابتداءً من ستة أشهر إلى سالب 0.4 في المائة، وذلك وفقاً لبنك يو بي إس.
ويحذّر جاستن نايت، مختص استراتيجية الدخل الثابت في بنك يو بي إس، من أن مثل هذه الضغوطات في أسعار الفائدة على إعادة شراء السندات يمكن أن تنتشر بسرعة، ما يؤدي إلى تخفيض السيولة في الأسواق الثانوية.
“سوق إعادة شراء السندات تشعر بقلق كبير جداً من احتمال حدوث أزمة” حسب قوله.
على خلفية تلك التوترات، ليس من المستغرب كثيراً أن العوائد على السندات الحكومية الألمانية لأجل عامين أو ثلاثة أعوام انخفضت إلى أقل من سالب 0.2 في المائة، وهو المستوى الذي يعتمده البنك المركزي الأوروبي كحد أدنى لعمليات الشراء الخاصة به. إذا كان بإمكان المساهمين الاقتراض بأسعار فائدة أقل بكثير عن طريق أسواق إعادة شراء السندات، سيظل بإمكانهم جني الأموال من خلال شراء السندات التي تُحقق عوائد أقل سلبية قليلاً. يسعى البنك المركزي الأوروبي إلى تخفيف ضغوط إعادة شراء السندات، عن طريق إعادة إقراض السندات التي حصل عليها بموجب برنامج التسهيل الكمّي إلى المتداولين. الهدف هو تفادي نقص الضمانات، فيما تشكو المصارف من أن البنك المركزي الأوروبي يتقاضى رسوماً تفوق الحد مقابل هذه الخدمة.
وذكر تقرير من محللي بنك جيه بي مورجان في أحد الأبحاث هذا الأسبوع، أن الرسوم التي يتقاضاها البنك المركزي الأوروبي تبدو “عقابية جداً” مقارنة بتلك التي كان يتقاضاها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مقابل إقراض الأوراق المالية.
ويحذّر التقرير من أن الانكماش في سوق إعادة شراء السندات الألمانية يمكن أن يتكثّف هذا العام، وهو ما يؤدي إلى إعاقة سيولة التداول في السوق.