IMLebanon

اقتصاد ليبيا المنقسمة على حافة الهاوية

LibyaMoney
السيد سليمان
بعد نحو أربع سنوات من سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا لا يبدو الوضع الاقتصادي في البلد الغني بالنفط والغاز على ما يرام، إذ تؤجج الصراعات على السلطة وهبوط أسعار النفط مخاوف الانهيار الاقتصادي. وقال مسؤولون ليبيون تحدثت معهم «الشرق الأوسط» إن الأوضاع الراهنة تحتم إجراء إصلاحات اقتصادية فورية وتحييد المؤسسات الاقتصادية، لافتين إلى أن مصرف ليبيا المركزي وضع خطة عاجلة لسد عجز الموازنة عبر رفع الدعم وخفض الرواتب.
وقال رئيس اللجنة الاستشارية المالية الاقتصادية في المصرف المركزي الليبي، محمد أبوسنينة لـ«الشرق الأوسط» إن «الأوضاع الاقتصادية في ليبيا تؤشر على حتمية إجراء إصلاحات اقتصادية فورية وتحييد المؤسسات الاقتصادية التي تعتبر المظلة الشاملة في الوقت الحالي لكل الليبيين».
وتتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان هما؛ الحكومة المؤقتة التي يقودها عبد الله الثني المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق شرق البلاد وهي المعترف بها دوليا، وحكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني التي يقودها عمر الحاسي ومقرها طرابلس غرب البلاد والمحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
وأضاف أبوسنينة أن «سداد العجز في موارد النقد الأجنبي خلال عام 2015 يعني تخفيضا مباشرا في احتياطيات مصرف ليبيا المركزي إلى الحد الذي قد يهدد غطاء العملة الليبية المقرر بالنقد الأجنبي ومن ثم قيمتها في مواجهة العملات الأجنبية وقوتها الشرائية في الداخل».
ووفقا لبيانات استقتها «الشرق الأوسط» من موقع البنك المركزي الليبي، فقد بلغت المبالغ المحولة للأغراض التجارية، حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نحو 30 مليار دينار (21.9 مليار دولار).
أما الاحتياطات الأجنبية لدى المصرف المركزي فقد بلغت 90 مليار دولار وفق آخر إحصائية أصدرها البنك بنهاية مارس (آذار) الماضي مقارنة مع 133 مليار دولار في أغسطس (آب) 2013.
ويتوقع تقرير حديث صادر عن البنك الدولي نفاد احتياطات ليبيا من النقد الأجنبي في خلال 4 سنوات مع استمرار الاضطرابات السياسية في البلاد، والتي أدت لتراجع إنتاج النفط بجانب استمرار انخفاض أسعار الخام في السوق العالمية.
من جانبه، قال عصام العول، المتحدث الإعلامي باسم مصرف ليبيا المركزي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المصرف وضع «خطة عاجلة لسد عجز الموازنة خلال الفترة المقبلة من خلال توصيات برفع الدعم السلعي الذي يبلغ نحو 8 مليارات دينار بالإضافة إلى تفعيل مصادر الدخل الأخرى كالضرائب».
وتابع أن عجز الميزانية الليبية قد بلغ العام الماضي 25 مليار دينار (18.7 مليار دولار) مع توقعات بارتفاع هذا الرقم إلى نحو 30 مليار دينار في حال عدم اتخاذ التدابير التقشفية.
ووسط هذا المشهد المرتبك، لا تظهر معالم واضحة للاقتصاد الليبي الذي يعتمد بالأساس على النفط في ظل إغلاق عدد كبير من المصانع وتوقف تام لعجلة الإنتاج مع الاعتماد فقط على إيرادات النفط التي تمول السواد الأعظم من الميزانية العامة للبلاد.
وقال العول إن «من بين التدابير الأخرى التي أوصى بها المصرف المركزي لمعالجة الوضع الاقتصادي وخفض عجز الموازنة إعادة النظر في مرتبات العاملين بالدولة وتفعيل صرف الراتب عبر الرقم القومي من شهر أبريل (نيسان) الحالي».
وتبلغ رواتب العاملين بالدولة نحو 24 مليار دينار (18 مليار دولار) مقارنة مع 6.6 مليار دولار في عام 2011 قبيل اندلاع الثورة.
وأشار العول أيضا إلى إجراءات أخرى منها «إيقاف علاوة بدل العائلة وإعادة النظر في طلبات العلاج بالخارج حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية». وتصرف ليبيا سنويا ما يقرب من 3 مليارات دينار (2.2 مليار دولار)، علاوة العائلة لكل شخص لم يبلغ سن الثامنة عشرة بواقع 100 دينار شهريًا (73 دولار).
وبلغت مصروفات الدولة خلال العام الماضي 2014 نحو 49 مليار دينار (36.5 مليار دولار)، فيما بلغت الإيرادات 20.9 مليار دينار (15.5 مليار دولار) بعجز في الموازنة العامة بلغ 25.1 مليار دينار (18.7 مليار دولار)، وذلك وفقا للحسابات الختامية للدولة المنشورة على موقع البنك المركزي.
ويقول محللون استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم إن استمرار الصراعات المسلحة على الأرض والتناحر على السلطة سيقضي تماما على ما تبقى من مظاهر الاقتصاد الليبي مع امتداد الصراع إلى منابع النفط والسحب من الاحتياطي الأجنبي والأموال المجنبة التي قامت ليبيا باستقطاعها من عوائد النفط على مدى سنين طويلة.
ووسط الانقسامات الحادة التي تشهدها الساحة الليبية تحاول المؤسسات الاقتصادية الكبرى على غرار البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط النأي بنفسها عن الصراعات الدائرة على الأرض.
وتوجد مقرات تلك الأجهزة في العاصمة طرابلس وهو ما يعقد من طبيعة المشهد الاقتصادي في ليبيا، حيث تحاول حكومة الثني المعترف بها دوليا، إنشاء مصرف مركزي وديوان محاسبة جديد بجانب مؤسسة وطنية للنفط في شرق البلاد، لكنها تواجه عقبات فنية كبيرة، خصوصا وأن جميع الخبرات المتعلقة بالأجهزة الثلاثة، تعمل في المقرات الرئيسية الموجودة في العاصمة طرابلس.
وقال العول: «إننا نحاول الحفاظ على وحدة الصف الليبي من خلال تجنب الانحياز لأي طرف»، مضيفا أن المصرف «يعمل فقط من أجل مصلحة الشعب الليبي. المصرف هو المظلة الواحدة الباقية الجامعة لكل الليبيين».
ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير يوجد في طرابلس حاليا ولكنه مقال من جهة الحكومة الشرعية في طبرق ولكنه رفض الامتثال لقرار الإقالة، مؤكدًا على حياده تجاه الأطراف المتنازعة على السلطة.
وإلى قطاع النفط الذي يمر هو الآخر بمنعطف خطير، حيث لم يسلم هذا القطاع الحيوي من الاضطرابات الحادة التي تشهدها البلاد حيث يحاول طرفا النزاع في المشهد السياسي الليبي بسط سيطرته على منابع الخام وتحصيل الإيرادات.
ويمثل النفط نحو 95 في المائة من إجمالي الإنفاق في ليبيا ونحو 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ولكن الصراعات المسلحة هبطت بالإنتاج إلى مستوى 600 ألف برميل يوميا في الوقت الحالي من مستويات سابقة بلغت نحو 1.1 مليون برميل يوميا، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وفي مارس (آذار) الماضي أعلنت الحكومة الشرعية أنها بصدد افتتاح فرع للمؤسسة النفطية التابعة لحكومته المعترف بها دوليا وفتح حساب مصرفي منفصل في دولة الإمارات العربية لحسابات النفط مع سعيها لإجراء مبيعات نفطية منفصلة.
وحتى الآن تمر مبيعات النفط وإيراداته عبر البنك المركزي الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس التي سيطرت عليها الحكومة التابعة للإخوان في الصيف الماضي.
وحاولت المؤسسة أن تبقى بعيدا عن الصراع بين الحكومتين المتنافستين مع تأكيدها بصفة دائمة من خلال مسؤوليها على حيادها التام.
ويقوم المصرف المركزي بجمع هذه الأموال ومنحها للحكومة عبر وزارة المالية، لكنه يكتفي حاليا بدفع رواتب الموظفين الحكوميين فقط، من دون أن يقدم أموالا أخرى لأي من الحكومتين، بحسب تصريحات صحافية لمسؤولين في السلطة الحاكمة في طرابلس.
وترى فاليري مارسيل، الخبيرة في شؤون الطاقة في معهد تشاتام هاوس أن اتجاه الحكومة الشرعية نحو إبرام صفقات نفطية منفصلة سيعقد المشهد ويؤجج الصراع مع الحكومة الموازية في طرابلس.
وقالت مارسيل لـ«الشرق الأوسط» إنه «ينبغي على جميع الأطراف أن تحيد ما تبقى من مؤسسات اقتصادية في ليبيا، لا يعقل أن يكون هناك مؤسستين وطنيتين للنفط وبنكين مركزيين سيعقد هذا من طبيعة المشهد ويعجل بانقسام البلاد».
وأضافت أن «المجتمع الدولي يرغب بذلك أيضا (تحييد المؤسسات)، يريد أن يكون هناك استقلال لتلك المؤسسات ليحافظ على ما تبقى من هوية الدولة في ليبيا لحين الوصول إلى حل للصراع القائم من خلال الجهود الدولية».
ومنذ عقود طويلة تدير المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، الخاضعة حاليا لسيطرة الحكومة غير المعترف بها دوليا، عمليات الاستكشاف والتعاقد لبيع النفط الليبي الذي تقدر احتياطاته المؤكدة بنحو 48 مليار برميل وفقا لمنظمة «أوبك».
وأشار تقرير حديث صادر عن مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس إلى أن منشآت النفط والنقل في ليبيا تتلقى عمليات صيانة وتحديث غير كافية، لأسباب ليس أقلها انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض عائدات التصدير، مما يؤدي إلى التأخير في ضخ الاستثمارات اللازمة لتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط.
وإلى مؤشرات الاقتصاد الكلي، تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى انكماش الاقتصاد الليبي بنسبة تبلغ نحو 18 في المائة في العام المالي الماضي مع بدء الصراع الفعلي على الأرض في الصيف الماضي، مما أضر بكل النواحي الاقتصادية بالبلاد.
وفي 2013 انكمش الاقتصاد الليبي بنسبة بلغت 13.5 في المائة.
وقال فريد هاونغ، محلل الاقتصادات الناشئة لدى دويتشه بنك لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الطبيعي انكماش الاقتصاد الليبي بتلك الوتيرة خلال السنة الماضية وقد نرى أرقاما أكبر من تلك بكثير في حال استمرار الاضطرابات السياسية».
وأضاف: «أعتقد أن الوصول إلى حل في ليبيا يعني دفعة قوية للاقتصاد خلال العام المقبل وتجنب الانكماش على الأقل خلال العام الحالي».
ويتوقع تقرير أكسفورد أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ليبيا بنسبة 10.8 في المائة في عام 2015 و21.9 في المائة في عام 2016 وذلك بافتراض التوصل إلى اتفاق بين الفصائل السياسية، الأمر الذي يساعد على تعافي إنتاج النفط والصادرات.
وتوقع التقرير أيضا أن يرتفع معدل التضخم في ليبيا إلى 12 في المائة في 2015 من 2 في المائة في العام الماضي و2.6 في المائة في 2013، وأن يتراجع إلى 7 في المائة في العام المقبل و6.2 في المائة في 2017.
وأشار التقرير إلى توقعات أخرى منها انخفاض قيمة صادرات السلع إلى 15.8 مليار دولار في عام 2015 من 19.5 مليار دولار في عام 2014 و46 مليار دولار في عام 2013، وأن ترتفع إلى 28.4 مليار دولار في عام 2016 و43.1 مليار دولار في عام 2017.
وإلى سعر صرف الدينار الليبي الذي شهد تراجعات كبيرة خلال الفترة الماضية، حيث تشير حسابات لـ«الشرق الأوسط» إلى فقد الدينار لنحو 8 في المائة من قيمته منذ مطلع العام الحالي أمام الدولار ونحو 15 في المائة منذ منتصف العام الماضي.
ويرتفع سعر الدولار بوتيرة أكبر في السوق الموازية، حيث يجري تداول الدينار بأعلى من قيمته الرسمية بنحو 50 قرشا وفقا لتصريحات سابقة لمحافظ البنك المركزي الليبي.
ويرى تقرير أكسفورد أن العملة المحلية ستنخفض إلى 1.40 مقابل الدولار في العام الحالي من 1.28 في العام الماضي وأن يواصل الانخفاض إلى 1.42 دينار في العام المقبل.
وقال فيكتور لي كينغ خبير أسواق العملات لدى «إتش إس بي سي» لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الطبيعي أن يتراجع الدينار أمام الدولار في ظل استنزاف الاحتياطات الأجنبية للبلاد، ولا تزال العملة الليبية تتمتع بالقوة مع حمايتها من قبل المركزي الليبي من خلال إيرادات النفط».
وتابع: «يتعين على البنك المركزي تجميد أسعار الصرف لمعدة معينة حتى تعود الأوضاع إلى طبيعتها وإلا أن القوة الشرائية للدينار ستواصل الهبوط خلال الفترة المقبلة مع ارتفاع الدولار القوي بالأساس».