وفقاً لـ(التقريرالعالمي لرصد التعليم للجميع- EFA Global Monitoring Report) لعام 2015، والصادر عن منظمة اليونيسكو، بعنوان (التعليم للجميع 2000 -2015: الإنجازات والتحديات – Education For All 2000-2015: Achievements and Challenges)، فإن 100 مليون طفل في العالم لم يستكملوا تعليمهم الابتدائي في عام 2015. كما أن هناك 58 مليون طفل أيضاً في سن التعليم الابتدائي، لم يتلقوا أي نوع من التعليم على الإطلاق.
وفي الوقت الذي تبدو فيه هذه الإحصاءات بأنها مفجعة، فإنها في الواقع تظهر تحسناً كبيراً منذ عام 1999، عقب التزام اليونسكو بمبادرة التعليم للجميع، في الوقت الذي كان فيه 106 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي خارج المدارس في جميع أنحاء العالم. وللأسف، تشير المنظمة إلى أن “الاستمرار في خفض هذه الأرقام قد توقف”. ويرجع هذا جزئياً إلى أن أكثر من 50% من الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس، يعيشون في بلدان أفريقيا السوداء (حيث ارتفعت نسبتهم من 40% في عام 1999). وإلى جانب انخفاض معدل وفيات الأطفال وسوء التغذية، وتحسن الحالة الصحية إجمالاً في إفريقيا السوداء، فإن المنطقة ما زالت تعاني من مجموعة كبيرة من العوائق والمشكلات، بما فيها ارتفاع عدد مناطق الصراعات، وانخفاض الدخل إلى حد كبير، بما يؤثر سلباً على نسبة الحضور في المدارس.
كما أظهرت الإحصاءات بأن فئة الإناث أكثر تأثراً بهذه المسألة. ووفقاً لتقرير اليونسكو، فإن “من بين الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس، فإن الفتيات أكثر عرضة من الأولاد لعدم الالتحاق بالمدرسة أبداً، إذ بلغت نسبتهن 48% مقارنة بنسبة الأولاد التي بلغت 37%). وفي أفريقيا السوداء، حيث يعيش الجزء الأكبر من الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس، “ما زالت الفتيات الأكثر فقراً، أكثر عرضة لعدم الالتحاق بالمدارس في المرحلة الابتدائية.
إن النسب المئوية العامة لكلا الجنسين في هذه المناطق ليست أفضل بكثير؛ ففي السودان بلغت نسبة الملتحقين بالمدارس ممن هم مؤهلون لذلك 52% فقط. أما في جنوب السودان وليبيريا فقد التحق 41٪ فقط. وفي أرتيريا كانت النسبة 34% وهذا يعني أن 66% من الأطفال المؤهلين للالتحاق بالمدارس حرموا من ذلك.
وعلى النقيض من ذلك، بلغت نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي 100٪ في إسبانيا وألمانيا وفرنسا، مقابل نسبة 93% في أمريكا (حيث انخفضت من 97٪ في عام 1999). ومع ذلك، تشير منظمة اليونسكو إلى أن هذا التفاوت يعود إلى ارتفاع نسب التعليم المنزلي في أمريكا على مدى السنوات الـ15 الماضية.
وفي الوقت الذي تقيس فيه اليونسكو بدقة، أي إنجازات أخرى للتعليم عالمياً، بما في ذلك محو الأمية ومعدلات التخرج، ونوعية المعلمين والهياكل التعليمية الأساسية، ومعدلات الطلاب إلى المعلمين، والعديد من الأمور الأخرى، فإن المنظمة تشير إلى أن “تحقيق التعليم الابتدائي للجميع” هو “مؤشر التعليم للجميع الأهم، على الرغم من أنه يمثل جزءاً فقط من طموحات التقدم العالمي في مجال التعليم”.
وتعرف اليونسكو “الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس” من خلال 3 طرق: أولئك الذين سيلتحقون بالمدارس أخيراً، وأولئك الذين لن يلتحقوا أبداً، وأولئك الذين كانوا ملتحقين في السابق، وانقطعوا بعد ذلك. وتعد المجموعة الثانية هي الأخطر من بينها جميعاً.
لكن وفقاً للمنظمة، فإن 25 مليون طفل، أي حوالي 43% من جميع الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في العالم، لن يلتحقوا بالمدارس أبداً، بغض النظر عن مدى رغبتهم أو قدرتهم. وهي أعلى من ذلك بكثير في أفريقيا، حيث بلغت 50%، وفي جنوب وغرب آسيا 57%.
أما في البلدان العربية، فإن الفتيات أكثر عرضة لعدم الالتحاق بالمدارس، إذ هناك 50٪ من الفتيات المؤهلات للدراسة لا يلتحقن بالمدارس، مقارنة بـ28٪ من الأولاد. لكن الأمر مخيف أيضاً في مناطق أخرى تم تحديدها في أمريكا اللاتينية/ الكاريبي وشرق آسيا/ المحيط الهادئ، خاصة في الدول المتقدمة، حيث تجاوز عدد الأولاد ممن لا يلتحقون بالمدارس عدد الفتيات.
وبينما يسلط الضوء على زواج وحمل الأطفال، بالإضافة إلى الاعتداء الجسدي والجنسي المنتشر على نطاق واسع، والذي تعاني منه العديد من الفتيات على أيدي المعلمين والطلاب في مختلف أنحاء العالم، فإن المنظمة فشلت في تسليط الضوء على حقيقة الأسباب الثقافية لعدم تمكين الفتيات من التعليم، منها: الفتاوى الدينية في العديد من الدول والمناطق التي يهيمن عليها الدين بشكل عام، والتي تقيد الفتيات أو تحول دون حصولهن على التعليم.
ولن تحل هذه المشكلة بتوفير المزيد من الدعم المالي والمساعدات وتدريب المعلمين، أو عبر التعليم المجاني والكتب المدرسية وتطوير وسائل النقل، فالطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق التقدم في المناطق المستهدفة، هي بجعل مساعدات الأمم المتحدة مشروطة بتغييرات واضحة في الاتجاهات الثقافية السائدة. وتشير اليونيسكو إلى أن النساء يشكلن ثلثي السكان الأميين في العالم، وهي نسبة متزايدة إذا لم تتم مواجهتها بأسرع وقت.
وقالت إيرينا بوكوفا، المدير العام للمنظمة: “على الرغم من عدم الالتزام بالموعد النهائي المحدد لعام 2015، فإن اتجاه الالتحاق بالتعليم حالياً، ارتفع مقارنة بالاتجاه الذي كان عليه في عام 1999″. وبالفعل، يشير التقرير إلى أنه منذ عام 2000 انخفض عدد الأطفال والمراهقين الذين كانوا خارج المدارس إلى النصف تقريباً”.
ومع ذلك، ففي حال حققت المنظمة هدفها بحلول عام 2030، فإنه يجب عليها أن تظهر الشجاعة السياسية، وتواجه علناً النظم العقائدية الدينية والثقافية التي تسود بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي تبعد الملايين عن حقهم الإنساني الأساسي، وهو الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي.