اختتمت اعمال الدورة العربية التاسعة عشرة للقانون الدولي الانساني التي نظمت بالتعاون بين اللجنة الدولية للصليب الاحمر والمركز العربي للبحوث القانونية والقضائية التابع لجامعة الدول العربية، برعاية وزير العدل اللواء أشرف ريفي، في فندق روتانا – الحازمية، في حضور رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الاحمر في لبنان فابريزيو كاربوني، المديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم النويري، رئيس المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية السفير عبد الرحمن الصلح، المستشار الاقليمي للجنة الدولية للصليب الاحمر في الشرق الاوسط وشمال افريقيا القاضي شريف عتلم، الى خبراء في القانون الدولي الانساني ومهتمين.
وألقى ريفي كلمة قال فيها: “يسعدني أن أرحب بكم اليوم في لبنان بمناسبة افتتاح هذه الدورة، في ظل أوضاع وظروف استثنائية يمر فيها أكثر من بلد عربي، بدءا من العراق وليبيا وسوريا، وصولا إلى اليمن. إن القانون الدولي الإنساني نشأ في كنف الحروب المتلاحقة بهدف تسوية المشكلات الإنسانية الناجمة مباشرة عن النزاعات المسلحة، دولية كانت أم غير دولية، وحماية الأشخاص والأعيان التي يلحق بها الضرر، والحد لأسباب إنسانية من حق أطراف النزاع في استخدام ما يحلو لها من وسائل القتال وأساليبه”.
وأضاف: “على الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق السلام في العالم، ما زال النزاع المسلح للأسف سمة بارزة من سمات المشهد الإنساني، إذ يستمر اللجوء إلى القتال كوسيلة لتسوية الخلافات بين الأمم والشعوب، مع الحصيلة المصاحبة له من موت ومعاناة، وقد شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة تغييرا ملحوظا في طبيعة النزاعات المسلحة نحو تزايد عدد النزاعات غير الدولية وحالات العنف أو التوترات الداخلية المؤدية إلى أعداد مثيرة للقلق من الضحايا بين صفوف المدنيين الأبرياء، كما هي الحال في العديد من الدول العربية في الآونة الأخيرة”.
وتابع ريفي: “إذا كان الأمر كذلك، فإن تطبيق القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني أصبح اليوم ضرورة تفرض نفسها، وهذا التطبيق قوامه مواءمة التشريعات الوطنية مع اتفاقيات ومواثيق القانون الدولي الإنساني واستصدار ما يلزم من التشريعات من أجل إعمال تلك الاتفاقيات والمواثيق على الصعد الوطنية ونشر المعرفة بأحكام القانون الدولي الإنساني، لتأمين أكبر قدر ممكن من الحماية التي يكفلها ذاك القانون لضحايا النزاعات المسلحة، ومعاقبة مرتكبي الجرائم التي نصت عليها اتفاقياته”.
وقال: “إن الظروف الدولية السائدة في الحقبة التاريخية الراهنة وبتأثير العولمة قد امتد تأثيرها إلى مجال التشريع، وان التقليص المستمر لمساحة ممارسة الدولة لسيادتها في مجال سن تشريعاتها، ولا سيما بعد أن تبين عدم كفاية التشريعات الوطنية لمواجهة آثار النزاعات المسلحة والظواهر الإجرامية المنظمة، فكانت الحاجة ملحة لمواجهة تلك الآثار والظواهر بأحكام تتحقق من خلالها المواجهة الجماعية الدولية، في كافة مجالات المكافحة والتجريم والملاحقة والتعاون الدولي، من خلال ما أطلق عليه تسمية “الاتفاقيات الدولية الشارعة”، وأبرزها تلك المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، بكونها على رأس المواثيق الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان من ويلات الحروب وشرورها ومن بطش وتعسف السلطة”.
واردف ريفي: “في هذا السياق تأتي أهمية الدورة التي نختتم اليوم أعمالها، وهي قد جاءت على غرار مثيلاتها من الدورات السابقة، لتغطي كافة موضوعات القانون الدولي الإنساني، إن لناحية التعريف به والتعرف على مصادره وبيان الفئات المشمولة بحمايته وآليات احترامه وتطبيقه على الصعيد الوطني، أو لناحية الوقوف على دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في النزاعات المسلحة، أو لناحية بيان العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية، أو لناحية تطور القضاء الجنائي الدولي انتهاء بالمحكمة الجنائية الدولية المنوط بها محاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، في إطار مبدأ التكاملية مع الولاية القضائية الوطنية”.
وتابع: “إنني أنتهزها مناسبة للتأكيد أمامكم أن الأديان السماوية، وخاصة الإسلام منها، جاءت لتكرس كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية وتدعو إلى الخير ونبذ الشر وحماية الضعيف والأسير والجريح والنساء والأطفال دون تمييز، وإن إثارة هذه القضية المهمة والمهمة جدا، وأقصد بذلك علاقة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان بالشريعة الإسلامية، لهو كوضع الإصبع على الجرح، إذ نشهد اليوم تشويها وتضليلا غير مسبوق للمبادىء التي يقوم عليها الإسلام بفعل تصريحات وأعمال بعض منتحلي صفة الإسلام، والإسلام منهم براء. ويحضرني في هذا الخصوص كلام الملك عبدالله الثاني ملك الأردن أمام البرلمان الأوروبي في الثاني عشر من الشهر الجاري حيث ورد فيه ما يلي:
من الضروري أن نوضح المعنى الحقيقي لأن يكون المرء مسلما، فأنا وغالبية المسلمين قد نشأنا منذ الطفولة ونحن نتعلم أن الإسلام يفرض إحترام الآخرين والرعاية لهم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. وهذا ما يعنيه أن يكون المرء مسلما، كما ان من بين أسماء الله الحسنى “الرحمن الرحيم” وفي كل يوم وطوال حياتي، يتبادل الناس تحية “السلام عليكم” وهي دعاء للآخر بأن ينعم بالسلام، وهذا ما يعنيه أن يكون المرء مسلما، علينا أن نتذكر أنه وقبل أكثر من ألف سنة على إتفاقيات جنيف كان الجنود المسلمون يؤمرون بألا يقتلوا طفلا أو إمرأة أو شيخا طاعنا في السن وألا يقطعوا شجرة وألا يؤذوا راهبا وألا يمسوا كنيسة، وهذه هي قيم الإسلام التي تربينا عليها وتعلمناها صغارا في المدرسة وهي ألا ندنس أماكن العبادة من مساجد وكنائس ومعابد، وهذا ما يعنيه أن يكون المرء مسلما، وهذه هي القيم التي أربي أولادي عليها وسوف يعلمونها لأولادهم”.
وأردف: “تحية من القلب الى الملك عبدالله الثاني على هذا الكلام الطيب الصادق، وما أحوجنا اليوم أيها الأخوة الى عقلاء يعتلون المنابر ليبثوا في الناس روح المحبة والسلام، وليعكسوا الصورة الحقيقية للاسلام وسائر الأديان. وما يحصل اليوم في عالمنا العربي والإسلامي، من قتل وتنكيل واغتصاب وهدم الحضارات الممتدة في التاريخ، إنما هدفه تشويه صورة الإسلام الصحيح وحرفه عن مساره الرامي إلى خدمة البشرية جمعاء”.
وقال ريفي: “لا يخفى عليكم أن لبنان الذي استقطب العدد الأكبر من الدورات الرامية إلى نشر المعرفة بأحكام القانون الدولي الإنساني، لا زال بعيدا عن اللحاق بركب المسار الذي رحل إليه تطبيق ذلك القانون على الصعد الوطنية في غير بلد عربي، لكن ما يمكنني أن أعد به أمامكم اليوم هو أننا في القريب العاجل سوف نتخذ كل الإجراءات اللازمة لانطلاقة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني المؤسسة في العام 2010 وتأدية الدور المنوط بها على غرار بقية اللجان الوطنية في غالبية الدول العربية، بمساعدة مشكورة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبتفعيل منظومة تطبيق القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني على مختلف النواحي”.
وختم: “إنني إذ أشكر اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجامعة الدول العربية على تنظيم هذه الدورة ومثيلاتها في لبنان، أشكر الخبراء الذين قدموا خبراتهم العالية لإنجاحها وأتمنى للمشاركين فيها عودة ميمونة إلى أوطانهم متسلحين بسلاح العلم ضد الجهل، وعلى أمل اللقاء بكم في مناسبات مقبلة لتحقيق ما نصبو وإياكم إلى تحقيقه من أهداف حماية إنساننا العربي وصون كرامته وحريته، وإحلال ثقافة السلام بديلا من ثقافة الحرب”.