رائد الخطيب
باتت مسودة القانون الضريبي المتعلق بالنشاطات النفطية التي رفعتها هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان الى وزارة المالية، قاب قوسين او ادنى من انجازها. اذ توضع حالياً اللمسات الاخيرة على المسودة قبل رفعها إلى مجلس الوزراء للبت بها.
وفي معلومات خاصة بـ»المستقبل»، انه كان يفترض انجاز دراسة المسودة اواخر اذار لرفعها الى مجلس الوزراء للبت بها، لكن تأخيراً حصل بسبب عدم التوصل الى تصور حول المعدل الضريبي، وما اذا كان يجب الابقاء على ضريبة الدخل على نسبة الـ15 في المئة او رفعها الى 20 في المئة. واشارت المصادر الى ان هناك توجهاً لأن ترفع وزارة المالية اقتراحاً بزيادة ضريبة الدخل الى 20 في المئة، على ان يصار لاحقاً، اذا ما بت بها مجلس الوزراء، الى تحويل الآلية الى مجلس النواب لإقرارها.
مصادر نفطية مطلعة اوضحت ان «النظام النفطي في لبنان يجمع بين نظامي الامتياز والتعاقد، وان عائدات الدولة تتكون من إتاوات ربح البترول وإتاوة وضرائب«. ولفتت الى ان «النظام الضريبي تصاعدي، والهدف منه تحقيق الحصة القصوى للدولة وجذب الشركات للاستثمار، وبالتالي فإن الاتاوات المرتفعة على الشركات تمنعها من الاستثمار في المياه البحرية«. اضافت «عندما يتم اكتشاف أي حقل وتطويره، يجري تقاسم الانتاج، بين الدولة والشركات وفق نسب معينة وهذا يعتبر مزايدة«، لافتة الى وجوب التأكد من أن للشركات عائداً مالياً يراوح بين 12 و20 في المئة، وموضحة في الوقت نفسه ان فرض اتاوة عالية عليها يعتبر عائقاً، وخصوصاً عند وجود حقول صغيرة عليها. وقالت المصادر اياها «إن الشركات تدفع الضرائب عندما تحقق الأرباح، إلا أنها قد لا تستثمر في مناطق تفرض فيها إتاوات مرتفعة، وذلك قبل المباشرة بالعمل«.
وعلى أي حال، فإنَّ مسالة الضرائب تبقى مسألة خلافية، حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود. إلا أنَّ الجميع يتفق، سواء مع أو ضد، حول مسألة إفادة الدولة أقصى ما يمكن. ومن هنا فإنَّ قانونيين وخبراء يعتبرونَ أن مسألة الضريبة فيها ظلمٌ للدولة. وتقول المحامية سهير خليفة «إنَّ الأتاوة تشكلُ مصدرا أساسيا لعائدات الدولة، وعاملا رئيسيا لنظام استغلال الثروة النفطية واستثمارها. فالأتاوة ليست بطبيعتها ضريبة أو رسماً بالمعنى الحرفي للكلمة، إنما هي عبارة عن تعويض فوري يدفعه المستثمر للدولة نتيجة افادته من استغلال ثروة هذه الدولة غير المتجددة، كالنفط، إذ إنها تشكل عائدات مؤمنة ومضمونة بالنسبة للدولة باعتبارها تكوّن نسبة ثابتة من الانتاج، غير أنها لا تخضع لتأثّر الرسوم والضرائب بالربح، ما يعني أنها لا تتغير كما الضرائب نسبة الى الربح الذي قد لا يتم إحرازه. فالأتاوة تستحق وتدفع عند بدء الانتاج، فيما يتوجب على الدولة أن تنتظر سنوات عدة، لحين بدء تحصيل ضريبة الربح، هذا إذا وجد. وتتميز الأتاوة بسهولة احتسابها عبر ضرب السعر بحجم الانتاج ومقدراه، وهي تدفع وفقاً لقرار الدولة المضيفة نقداً أو عيناً، الأمر الذي يفسح للدولة مجالاً لتغطية حاجاتها الاستهلاكية ودراسة السوق والأسعار عبر بيع حصتها اذا أخذتها عيناً في السوق الدولية«.
وتضيف «نتعجب ممن وضعوا مراسيم النفط العائدة للعام 2010 تثبيت النسبة بمعدل متغير يبدأ 5 في المئة، ويعلو تدرجاً بحسب الانتاجية الى أن يصل الى المعدل الأعلى وهو 12,5 في المئة بدءاً من إنتاج مئة الف برميل يومياً. هذه النسبة المنصوص عنها في مراسيم النفط تشكل فارقا كبيرا بينها وبين ما هو متبع دولياً عبر العالم. فالحد الأعلى المنصوص عنه في لبنان لا يزال يعتبر الأدنى في سائر الدول، وفي هذا نتائج كارثية لناحية ربح الدولة. وما تناوله أحد المرسومين المعلَقين لجهة الغاز الطبيعي، بحيث أن معدل الأتاوة نظم على ان يكون ثابتاً طيلة مدة الاستثمار المستمر مدة 30 سنة على 4 في المئة من حجم الانتاج، فيما المعتمد عالميا هو معدل 12,5 في المئة، هو معدل يعتبر أدنى«. ولفتت الى أنَّ «قرار اعتماد معدل ثابت للأتاوة عن انتاج الغاز 4 في المئة وهو الأدنى عالمياً يبقى محيرا أمام 12,5 في المئة، كحد أدنى للمعدلات المعتمدة في سائر دول العالم. ففي اسرائيل حيث التكوين الجيولوجي واحد والمخاطر الأمنية موجودة، الا ان المخاطرة واحدة، تعتمد الحد الأدنى المعمول به عالمياً«، ورأت انه «كان الأجدر اعتماد نسبة تصاعدية على الأقل لضمان ربح الدولة. أما بترول الربح« فيجري تقاسمه بين الدولة والشركة المنتجة بعد استرجاع الأخيرة تكاليفها الاستثمارية، وفق نسبة معينة يعبر عنها «r factor» . وتُحتسب هذه النسبة بقسمة إيرادات الشركة على تكاليفها الإجمالية، فترتفع حصة الدولة مع زيادة أرباح الشركة، وتنشأ مسؤولية الدولة هنا في مراقبة التكاليف التي تصرح عنها الشركات، وفي هذه الناحية صعوبة كبيرة فبعض الشركات أكبر من الدولة ذاتها، إذ كلما زادت التكلفة خف بالمقابل وانخفض ربح الدولة. أما لناحية الضرائب والرسوم المعتمدة في مشروع القانون، فهي منخفضة مقارنة بالدول ذات الظروف المشابهة، حيث تبلغ الضريبة على أرباح الشركات في الغابون 35 في المئة، وفي الجزائر 38 في المئة، وفي قبرص 32.5 في المئة، واسرائيل 25 في المئة مقارنة بـ15 في المئة في لبنان، من هنا ضرورة اعتماد الضريبة التصاعدية على الأرباح، وفقا لمستويات الإنتاج، ضماناً لحق الدولة«. وتضيف «أما الأكثر عجبا فهي الإعفاءات المنصوص عنها في مشروع القانون، وكل ذلك دون أي مقابل للدولة تستفيد منه مقابل مجموع هذه التنازلات. أخيرا وبعيدا عن نظام الامتياز المعتمد من قبل الدولة وحسناته او سيئاته، وحيث أن الخيارات في السياسات الاقتصادية باتت محدودة جداً في الظروف الراهنة، بعدما خسرنا الأسواق بمعظمها وما زلنا ننتظر توافق القوى السياسية القابعة تحت نظام طائفي لا يعنيه الا اقتسام الحصص فيما باتت اسرائيل دولة مصدرة للنفط والغاز وبقوة، يتبين إن الضمانات الممنوحة عبر الأتاوة والمتوافقة مع المعدل المطبق دوليا كحد أدنى يحسن وضع الدولة ويجعل منها شريكة في الانتاجية، لا سيما مع ضمان الدولة للعمليات الصناعية عبر خطط استراتيجة متخصصة«.
يبقى أنَّ الدولة بكل نواياها المتجلية برغبة كبيرة بجذب الشركات المستثمرة، تحتاج الى التنبه الى حقوق المواطن الذي يحلم بوطن، ما يؤكد ضرورة انتهاج سياسة نفطية تعطي الأولوية للأثر الاجتماعي الاقتصادي، للنهوض الفعلي بما تبقى من دولة. ومن هنا لا بدَّ أن ننتظر ما ستسفر عنه التعديلات المقترحة التي ستقرها وزارة المالية على مشروع القانون والضريبي والتي لا مناص من حاجتها الى مشروع قانون من مجلس النواب.