مثل حملات المقاطعة السابقة التي قادها الطلبة ضد شركات التبغ والمصارف التي لديها عمليات في جنوب إفريقيا، فإن الحملة العالمية لتعرية الوقود الأحفوري والتحول عنه بدأت أصواتها في الظهور. مع دعم رفيع المستوى من صحيفة “الجارديان” وحصار بعض الطلاب إدارة الجامعة في هارفارد هذا الأسبوع، يريد أنصار هذه الحملة تعطيل شركات النفط والغاز في العالم من خلال ضربها في المكان الموجع – وهو مواردها المالية.
الحركة بمثابة تمثيلية مُتقنة، تعتبر متناقضة وغير عملية للغاية على نحو لا يُمَكِّنها من النجاح. حتى أنصار الحملة يعترفون بأنهم ليسوا جادين تماماً – فرصهم لإغلاق “إكسون موبيل” أو “رويال داتش شل” صفر تقريباً، وأضواؤهم هم أنفسهم ستنطفئ في حال فعلوا ذلك. إنها حملة سياسية مغلفة بإطار مالي، من أجل قوانين بيئية وفرض ضرائب على الكربون.
المؤيدون لا يشعرون بالقلق من تناقضات مطالبهم. عندما تحدثت إلى بيل ماكيبين، مؤسس الحركة، على خط الاعتصام في جامعة هارفارد هذا الأسبوع، كان سعيداً بأن “الحركة تنطلق بطريقة مُشجّعة” على الرغم من رفض جامعته الامتثال. باستثناء قلة النوم، بعد أن أمضى ليلة واحدة “في كيس للنوم تحت بعض الشجيرات”، فقد كان يشعر بنشاط كبير.
وينبغي له ذلك. فأي حملة تحقق مثل هذا التأثير رغم افتقارها الواضح إلى المنطق تستحق الاحترام على مضض. وحقيقة أن المؤسسات الخيرية، مثل مؤسسة آل جيتس وويلكوم ترست – الأهداف الرئيسية لحملة صحيفة “الجارديان” – تواجه الآن انتقادات علنية بدون سبب مُقنع، إنما هي تكريم لقوة الفكرة، حتى إن كانت فكرة مسلوقة وفجة.
حملة أكثر تركيزاً – مثلا، جعل المساهمين يبيعون الأسهم في شركات مناجم الفحم وشركات حرق الفحم التي تُنتج انبعاثات غاز الدفيئة الأكثر – ستكون معقولة أكثر ومن المرجح أن تنجح. لكن حسب الوضع الحالي، نصيحتي لأي مؤسسة تجد نفسها هدفاً لحملة سحب الاستثمارات، هي التصرف مثل حاملي اللوحات الإعلانية: القيام بلفتة رمزية كبيرة والمتابعة كالمعتاد.
بدون شك ذكر ماكيبين نقطة خطيرة في مقالته الأصلية في مجلة “رولينج ستون” في عام 2012، التي أطلقت الحملة. قال “إن الشركات والبلدان المُنتجة للنفط تحتفظ باحتياطيات يبلغ حجمها أضعاف الحجم الذي يُمكن أن يُستخدم للكهرباء والغاز بدون رفع درجة حرارة الأرض أكثر من درجتين – وهو ارتفاع حدده عديد من العلماء كحد آمن”.
إذا كنت تؤمن بالآثار الكارثية المحتملة من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أفعل أنا، فهذه فكرة واقعية. وهي تنطوي على أن المساهمين يحددون قيمة شركات الطاقة بناء على الاحتياطيات التي إذا تم استخدامها بالكامل يمكن أن تُسبّب دماراً مناخياً. الفجوة بين التقييمات المالية والرفاهية المجتمعية أدت إلى تحذيرات بأن أصول الطاقة “عالقة” لأنه لا يمكن استخدامها فعلياً.
لكن ماكيبين ينطلق من هذه الفكرة ويقفز إلى النتيجة التي تقول “إن المساهمين ينبغي لهم سحب استثماراتهم بالكامل من شركات النفط والغاز”. بدأت الحركة بفضح المؤسسات الخيرية ومؤسسات الأوقاف، على أمل إنتاج تأثير مُضاعف وتحويل شركات إنتاج النفط إلى “أسهم الخطيئة”، على نحو يشبه شركات التبغ. يقول “نحن لا نأمل في إفلاس شركة إكسون، لكننا نعمل على إفلاس تلك الشركات سياسياً”.
استهداف شركات النفط الكبرى بهذه الطريقة يُعتبر ضيّقا فوق الحد وواسعا فوق الحد في الوقت نفسه. ضيّق فوق الحد، لأنه لا يوجد منطق في إلقاء اللوم على شركات إنتاج المواد الخام للطاقة بدلاً من الشركات والأشخاص الذين يستهلكون الطاقة. لماذا ينبغي أن تكون شركة أكسون هدفاً لسحب الاستثمارات منها، بينما تنجو شركات أخرى مثل أبل التي تدير مراكز خوادم تمتص الطاقة وتنتج ملايين الأجهزة الإلكترونية؟
الحملة مليئة بالتناقضات. صحيفة “الجارديان” مدعومة بـ 650 مليون جنيه من مؤسسة أوقاف مرتبطة بالنفط، من حصتها السابقة في مجلة “أوتو تريدر”. لقد منح صندوق روكفلر براذرز الأمريكي، الذي يدعم تنويع الاستثمارات، مالاً من ثروة نفطية. وأرباح الأسهم من شركات النفط والغاز تدعم مؤسسة أوقاف جامعة هارفارد التي تبلغ قيمتها 36 مليار دولار، التي ساعدت على تعليم المتظاهرين.
يُسمح للجميع بقليل من النفاق، لكن الصعوبة أعمق من ذلك. جامعة هارفارد -كما ذكر رئيسها، درو فوست- تعتمد “اعتماداً واسع النطاق” على طاقة الوقود الأحفوري لتدفئة وإنارة المباني، وتزويد وسائل النقل بالوقود، وتشغيل أجهزة الكمبيوتر. لكن النشطاء سيكونون قانعين، إذا باعت أسهمها في شركات الطاقة مع الاستمرار في استخدام منتجاتها. هذا لا يبدو منطقياً.
المشكلة الثانية هي الاتساع. الحملة ضد قطاع ذي قيمة سوقية بلغت نحو أربعة تريليونات دولار في عام 2013، حسب “برنامج الأصول العالقة” في جامعة أكسفورد. التدفق النقدي في هذا القطاع يدعم عديدا من صناديق التقاعد والمؤسسات الخيرية: عملية استحواذ “شل” المقررة على مجموعة بي جي تعني أن المجموعة المكونة من الشركتين ستدفع 9 في المائة من أرباح أسهم مؤشر فاينانشيال تايمز 100.
وحتى إذا سحبت بعض المؤسسات الخيرية استثماراتها، هذا من شأنه أن يكون بمثابة قطرة في دلو، يمكن ملؤه بسهولة من قِبل المساهمين الأقل اهتماما بالحملات والأقل وعياً اجتماعياً. المؤسسات الخيرية يُمكن أن تُحقق مزيدا من خلال بيع الأسهم في الشركات المسؤولة عن الانبعاثات الأكثر، مثل شركات إنتاج الفحم. لكن هذا قطاع أصغر، وأصبح في الأصل ضعيفاً بسبب صعود الغاز الصخري.
من الناحية العملية، النشطاء يهتمون بتحقيق تأثير سياسي واسع أكثر من اهتمامهم بتحقيق تأثير مالي عميق. إنهم يرغبون في تشويه سمعة القطاع بالكامل لإجبار الحكومات على سنّ القوانين. لكن لماذا ينبغي أن تستمع أي مؤسسة خيرية إلى احتجاج لا يؤخذ على محمل الجِد من قِبل المُتظاهرين أنفسهم؟
لقد باع صندوق روكفلر براذرز معظم استثماراته في الفحم العام الماضي، متعهداً بإيجاد “استراتيجية مناسبة من أجل مزيد من تنويع الاستثمارات على مدى الأعوام القليلة المقبلة”. بالتالي ماكيبين يحتاج إلى حجة أفضل إذا أراد تسريع الأمور.