إيفا الشوفي
عندما انطلق تحرك هيئة التنسيق النقابية عام 2012، شكّل الأمر خرقاً مفاجئاً وخطيراً لـ»البنية النقابية» التي نظّمتها السلطة. تعاملت السلطة بجدية وحزم مع هذا الخرق وتمكنت من تفكيكه بعد 3 سنوات، قاضيةً بذلك على أي عمل نقابي لا يخرج من صلب تركيبتها. لذلك، لا يمكن الحديث اليوم عن تحرك نقابي فعلي، وإن أخذ طابعاً «نقابياً». فقد أثبتت الحراكات المتتالية للعمال والتوجهات التي سارت فيها والتسويات التي توصلت إليها أن هذه الحراكات بمعظمها مسيّرة حزبياً في الدرجة الأولى، تهدف الى إيجاد مخارج لمشاكل البطالة المقنعة التي خلقتها السلطة في إطار إحكام سيطرتها على «جمهورها» وإخضاعه.
تقرير «الاحتجاجات والتحركات العمالية لعام 2014» الذي أطلقه المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أمس، يتحدث عن «100 تحرك على امتداد 329 يوماً، ما بين إضراب واعتصام وتظاهر وإصدار مذكرات ومؤتمرات صحافية».
حصة القطاع الخاص من هذه الأرقام هي «10 تحركات امتدت على 5 أيام فقط، شملت إضراباً واحداً و4 اعتصامات و5 بيانات». يشير التقرير الى أنه «بالرغم من ارتفاع معدلات الصرف التعسفي واستبدال العمالة اللبنانية بأخرى غير لبنانية، لم يشهد القطاع الخاص أي تحركات نقابية فعلية». المطالب والقضايا التي حملتها هذه التحركات كانت عبارة عن «احتجاج على بعض عمليات الصرف التعسفي ودفع التعويضات، والمطالبة بالمنح المدرسية واعتبار مبالغ تصفية التعويضات في الضمان الإجتماعي بعد مرور 20 سنة خدمة سلفة لمن يستمر بالعمل».
أما باقي التحركات، أي الـ90 تحركاً التي امتدت على 319 يوماً، فقد نُفّذت في القطاع العام، سواء إدارات عامة أو مؤسسات عامة أو مياومين ومتعاقدين. ثمانية إضرابات واعتصامات مفتوحة يوثقها المرصد مع التشديد على أن مجموعها بلغ 200 يوم، 62 اعتصاماً لمدة 73 يوماً، و15 إضراباً لمدة 26 يوماً. قد تكون هذه الأرقام مضللة بعض الشيء نظراً إلى المنهج الكمي الذي اعتمده المرصد في التوثيق والذي يقتصر فقط على رصد عدد التحركات من دون الغوص في فعاليتها وتأثيرها وأبعادها ومحركيها. فالكلام عن أكثر من 200 يوم إضراب مفتوح و100 تحرك في عام واحد، يوحي بأن البلد كان يغلي والناس كانت تنتفض في الشوارع. فعلياً، لم يكن لهذه التحركات – بمعظمها – أي أثر، وانتهت غالبيتها بعودة المطالبين الى قواعدهم الطائفية والحزبية لتسوية القضايا، ما ينزع عنها صفة العمل النقابي «المستقل».
يضيف التقرير أن هذه التحركات توزعت على الفئات الآتية: الأساتذة المتعاقدون والمدربون في الجامعة اللبنانية، المراقبون الجويون، العاملون في قطاع الاستشفاء، المياومون في كهرباء لبنان وفي مصلحة مياه الليطاني وفي الجامعة اللبنانية، المتعاقدون في التعليم الثانوي… يُستنتج هنا أن غالبية التحركات نظمها مياومون ومتعاقدون بهدف التثبيت الوظيفي وكانت ذات طابع فئوي، ما يعني أنها لم تهدف الى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمجمل الناس عبر السعي لتحقيق مطالب وطنية كالضمان الصحي الشامل، التعليم المجاني والإلزامي والحق في السكن والنقل العام… والتي تشكل الركيزة الأساس للعمل النقابي في ظروف لبنان. وأبرز مثال على ذلك هو ما يذكره التقرير نفسه في ما يتعلق بقضية مياومي الكهرباء التي انتهت «بإصدار مرسوم لتثبيتهم على دفعات (…) بموجب اتفاق سياسي كان عرابه زعيم حركة أمل نبيه بري وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط». كذلك قضية تثبيت الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية التي يشير التقرير الى أنها «شابها تدخل وفساد ومحاصصة، فقفز عدد الاساتذة المطلوب تفريغهم من 570 أستاذاً الى 1200 أستاذ، من بينهم عشرات الاساتذة الذين لا يملكون المؤهلات المطلوبة».
خصص التقرير قسماً لتحركات هيئة التنسيق النقابية التي بلغت 17 تحركاً، مع العلم بأن بعض التحركات التي ورد ذكرها في القطاع العام تدخل أيضاً ضمن معركة سلسلة الرتب والرواتب. يرى التقرير أن أهم أسباب عدم إقرار السلسلة هو رفضها المطلق من قبل مكونات الرأسمالية اللبنانية، ويعترف بالخرق الذي حققته هيئة التنسيق، لكن هذا لا يلغي بعض الملاحظات الجديرة التي أوردها عن عمل الهيئة. فقيادة الهيئة «لم تأخذ في الاعتبار الطبيعة التكوينية لجسم الروابط بما هي ائتلاف من القوى السياسية والطائفية الممسكة بزمام الدولة (…) والتي سترتد في لحظة ما وتنصاع لقرارات قياداتها». كذلك شهد «التحرك إطلاق شعارات ومواقف بدون أي مخطط تنفيذي لها من نوع إعلان التحول الى نقابات من دون أن يتجاوز ذلك حدود الخطابات». أما الخطأ الكبير الذي ارتكبته الهيئة وفق التقرير فهو «تسليم قرارها في المفاوضات للرئيس نبيه بري ونواب حركة أمل، حيث بات التفاوض يجري بين الرئيسين السنيورة وبري».
وعلى الرغم من أن «الضرب في الميت حرام»، لم يشهد العام الفائت أي تحرك من قبل الاتحاد العمالي العام لملف المطالبة بزيادة الاجور أو معالجة قضايا الضمان الاجتماعي، حتى إنه لم يبادر الى دعم تحركات هيئة التنسيق أو البحث في قضية الإيجارات والسكن، ما يؤكد أن حالة الارتهان السياسي تتعمق أكثر فأكثر.