هيني سيندار
تعرضت أشجار الكرز في طوكيو مطلع إبريل/نيسان الجاري لعاصفة مطرية أطاحت بها . وشكلت هذه الحادثة مصادفة لافتة بتزامنها مع الذكرى الثانية لإطلاق البنك المركزي الياباني برنامجه للتيسير الكمي حيث لم تفلح نظرية “أبينومكس” التي تبناها رئيس الوزراء وحملت جزءاً من اسمه، في دعم الاقتصاد الياباني أكثر مما قدمته لأسعار الأصول اليابانية .
فقد خفض المحللون توقعاتهم الخاصة بالنمو في الاقتصاد الياباني للربع الأول من العام الحالي إلى 5 .1% بينما لا تزال الأسهم اليابانية تسجل مستويات أداء مرتفعة قريبة من مستوياتها التي بلغتها مطلع مارس/آذار الماضي .
وربما يقول البعض أن ذلك لن يدوم طويلاً ولا بد أن يتغير . ويستندون في رأيهم إلى أن إقدام شركات كبرى مثل شركة “تويوتا” على رفع الأجور لا بد أن يحدث طفرة في حجم الطلب المحلي ليحل التضخم الإيجابي مدفوعاً بارتفاع مستويات الدخل، محل الانكماش السلبي، ثم تبدأ الشركات في توسيع دائرة استثمارها بعيداً عن إعادة شراء الأسهم .
دعنا نستبشر خيراً . لكن طبيعة الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تضع النمو في مسار أكثر استقراراً وتبرر القيم المرتفعة لأسواق الأسهم التي تضاعفت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وهو التاريخ الذي بدأ منه تنفيذ خطة “أبيه”، تبدو وهمية أكثر من أي وقت مضى، والسبب الرئيسي وراء شراء الأسهم اليابانية هو مشتريات الحكومة والشركات المرتبطة بها .
أما أرباح الشركات اليابانية فمرده على الأغلب لضعف الين . وقد يكون من المريح لمالكي الأسهم رؤية الأسعار ترتفع مع إقدام الشركات على إعادة شراء أسهمها، لكن توفير العوامل التي تعزز توسيع دائرة استثمار الشركات لتطوير أنشطتها الأساسية سيكون أكثر راحة . ومن سوء الحظ أن عدد سكان اليابان مستمر في التراجع، كما أن ناتج القطاع الصناعي تراجع في فبراير/شباط بنسبة 4 .3% .
ومما يؤسف له أن الإصلاحات الهيكلية لا تحقق التقدم المنشود ما يجعل دور اليابان في الاقتصاد العالمي بشكل أو بآخر، أقل أهمية مما كان خلال السنوات الخمسين الماضية .إنها البلد الذي يقول فيه كبار السن من أهلها أنهم يفضلون أن يوضعوا تحت رعاية روبوت بدلاً من شخص أجنبي . وبعد أن كانت اليابان محط أنظار المبدعين الباحثين عن فرص وموطن أعرق الشركات العالمية التي ميزتها إبداعاتها، تتطلع اليوم شركات مثل “جنرال إليكتريك” و”سيتي غروب” لمغادرتها .
وتضع الحكومة اليابانية ومؤسساتها كل أشكال الدعم في خدمة شركاتها التي تسعى للانتشار عالمياً، بدءاً من دعمها بالأموال اللازمة لإبرام صفقات الاستحواذ والاندماج وانتهاء بجرها إلى وادي السيليكون .
ويبدو أن نموذج الإبداع الذي يحرك الصين مثلاً بات مفقوداً في اليابان .وقد كانت منتجات اليابان من أجهزة التقنية الأكثر طلباً في العالم .لكن قدرة شركة مثل “أي بي إم” الأمريكية على التحول من شركة لصناعة العتاد التقني إلى شركة خدمات وبرمجيات تقنية، مفقودة لدى الكثير من الشركات اليابانية مثل “فوجيتسو” . كما أن البنوك اليابانية متخلفة عن مثيلاتها في عمليات الإنترنت المصرفية حيث يوفر بنك “سوميتو ميتسو” أجهزة صراف آلي تتعامل باللغة الإنجليزية، لكنها لا توفر خدمات العملاء عبر الإنترنت بتلك اللغة .
ويبدو أن الأمة التي أبدعت في ألعاب الفيديو لا تفسح المجال أمام الجيل الجديد لمتابعة المسيرة بسبب خلل في أنظمة التعليم التي تعزز التبعية للمجموعة على حساب مبادرات الفرد .
ويبقى القطاع السياحي الياباني النشط بسبب تراجع قيمة الين إحدى بوارق الأمل في الوقت الذي يتهافت السياح الصينيون على اليابان سعياً وراء اقتناص الفرصة لشراء السلع عالية الجودة بأسعار أدنى . لقد أصبحت نظرية “أبينومكس” تصب في مصلحة زوار اليابان أكثر مما تخدم اليابانيين .