حتى اللحظة يمكن اختصار الاستراتيجية التي تتبعها الرابية بانها تقتضي عدم التراجع او رمي السلاح في منتصف المعركة التي بدأت قبل نحو عام مع ترشيح عون للرئاسة الأولى والتي تستعر اليوم مع طرح التمديد للقيادات الأمنية التي ترفضها الرابية بشدة وتعتبرها مسألة مصيرية ووجودية لا يمكن التراجع عتها، وبموازاة تعقيدات الملف الرئاسي فان ملف التمديد لقائد الجيش يتعب الرابية ويرهقها بالقدر نفسه وربما اكثر خصوصاً ان الرابية بدأت تشعر مؤخراً بأنها في قلب المعركة تكاد تحمل سلاحها وحدها فيما الحلفاء يقاتلون على جبهات أخرى، من دون ان يعني ذلك ان الرابية تعتب على حلفائها لكنها تستشعر انها تقترب من ان تكون وحيدة في ملف التعيينات تماماً كما حصل ابان التمديد للمجلس النيابي عندما اختلفت حسابات ومصالح الحلفاء في الخط السياسي نفسه ، فمعركة انجاز التعيينات التي تريدها الرابية بقوة تختلف عن معركة الرئاسة بظروفها وتوقيتها ونتائجها ، فلا احد ينكر ان حلفاء الجنرال لا يزالون حتى الساعة مصرين على ترئيسه ووصوله الى بعبدا مهما عصفت الرياح الإقليمية وفرض الارهاب قواعد اشتباكه.
بدون شك فان كل حلفاء الرابية لا يعترضون على ترشيح قائد المغاوير لمنصب القيادة ولكن هؤلاء يتطلعون الى الفراغ الذي قد يصيب المؤسسة العسكرية في حال لم تتوفر الظروف لتعيين قائد للجيش ، بعدما بات الفراغ في كرسي بعبدا واقعاً يتعايش معه الجميع بعجز بعد مرور تسعة اشهر عليه، وبعدما ثبت ان هناك توجهاً وخياراً لعدم السير في التعيينات تتصل بحسابات معينة ومنها التوجه لدى فريق معين لفتح معركة ضد عون وإضعافه مجدداً وقطع الطريق امام وصوله الى قصر بعبدا.
وعليه فان الموضوع اليوم يكاد يكون صورة طبق الاصل عن مشهد التمديد قبل بضعة اشهر ، فحلفاء عون ماضون في معركة الرئاسة الاولى الى جانبه ولكن التعيينات الأمنية لها حسابات مختلفة تتعلق بالاستقرار الداخلي والوضع الامني والخوف من انتكاسات خطيرة في حال وقع، خصوصاً ان المؤسسة العسكرية تخوض مواجهة مفتوحة يمكن ان تتضاعف حدتها مع الارهاب .
انجاز التعيينات مسألة وجودية لا تخضع للمساومة بالنسبة الى الرابية والتذرع بالفراغ حجة واهية لضرب الدستور والقوانين بعرض الحائط ، فلا أحد يخشى على الوطن اكثر مما يفعل تكتل الاصلاح والتغيير كما تقول مصادره لصحيفة “الديار” ولا احد يخشى على المسيحيين وحذر من ازمة النازحين والمخيمات ومن انفجار عرسال اكثر من زعيم الرابية، ولا احد يتطلع الى رئيس قوي كما تفعل الرابية التي تتطلع الى رئيس قوي وليس الى مجرد حاجب في بعبدا.
ثمة من يرى في رفض التعيينات من المقربين من الرابية ان هناك محاولات لعزل الاصلاح والتغيير تمهيداً لإحراجه وإخراجه من المعادلة ، وما بيان تكتل الاصلاح والتغيير إلا تعبير عن غضب كامن في النفوس وبان التيار في صدد الاستنفار وانه لن يتراجع عن رفض التمديد ، وبان كل الاحتمالات مفتوحة بما فيها الوصول الى الاستقالة من الحكومة اضافة الى سيناريوهات متعددة.
بالمقابل ثمة من يرى في الفريق المقابل ان تمسك عون بالتعيينات سيحوّل مصير قيادة الجيش الى نسخة عن مصير الرئاسة الاولى وهذا غير مسموح به في المرحلة الراهنة وسط العواصف الإقليمية والمخاطر التي تتهدد مسيحيي لبنان ووجودهم، فثمة من يعتبر ان اصرار تكتل الاصلاح والتغيير على رفض التمديد للقادة الامنيين ومطالبته بتعيين قائد جديد للجيش يصيب الرئاسة الاولى اصابات مباشرة، لأنه يقضي على صلاحيات الرئاسة ويطيح بمسألة تعيين قائد للجيش في بداية كل عهد جديد. فتمسك عون بالتعيينات ينتهك صلاحيات الرئاسة الاولى عبر جعل التعيين يمر بمجلس الوزراء .
ومن جهة اخرى فان تمسك عون بترشحه للرئاسة رغم الفيتوات الدولية عليه وعدم موافقة الاطراف المحليين يشبه رفضه التمديد للاجهزة الامنية وفق المعترضين على موقف التيار لأنه يضع المؤسسة العسكرية على فوهة بركان متفجر لا احد يعرف الى اين سيقذف حممه في حال انفجر او اصابه الفراغ، ذلك ان الفراغ في المؤسسة العسكرية سيرتب مضاعفات خطيرة على الوضع اللبناني والامني بعد كل الانجازات التي قامت بها قيادة الجيش الحالية.
من هنا فان الكباش يبدو مستمراً لا بل فان وتيرته تبدو تصعيدية مما سيطرح مصير الحكومة على طاولة البحث خصوصاً ان الايحاءات والإشارات الصادرة عن الرابية لا توحي بالتراجع وبانها تخوض معركة “حياة او موت سياسية” هذه المرة في ملف التعيينات الأمنية الذي لا يشبه اي ملف آخر.