مي عبود أبي عقل
السبت المقبل تشهد بلدة زوق مكايل تحركاً ميدانياً واسعاً، ينظمه مجلسها البلدي و”اتحاد بلديات كسروان” الذي يضم 52 بلدية، يبدأ بمؤتمر صحافي عند الثانية بعد الظهر في القصر البلدي، تتبعه مسيرة شعبية الى حرم معمل الزوق الحراري، “علها تنبه المسؤولين وتوقظ ضمائرهم النائمة على خطر الموت اليومي الذي يعيشه سكان هذه المنطقة وجوارها والعابرون فيها، من جراء السموم التي تنفثها دواخين المعمل السوداء”، وتوزعها على دائرة قطرها 20 كلم، منذ 32 سنة.
لا يقتصر الأمر على تجاهل هذه الكارثة الانسانية والصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية واهمالها من الدولة والحكومات المتعاقبة منذ 1983، بل تبني وزارة الطاقة و”مؤسسة كهرباء لبنان” انشاءات جديدة على مساحة اجمالية تبلغ 16 ألف متر مربع، على العقارات 844 – 845 – 846 زوق مكايل، لتركيب محركات عكسية لتوليد الطاقة الكهربائية، تنفذها الشركة الدانماركية (BWSC)، عوض العمل على تنفيذ الوعود والحلول التي تساعد في درء خطر الموت والامراض الفتاكة عن اكثر من 250 ألف مواطن يسكنون المنطقة، الى عشرات الآلاف الذين يعبرونها يومياً في الاتجاهين شمالاً وجنوباً، اضافة الى التلوث الكبير الذي ينعكس على البيئة ويقضي على الشجر والنبات. وكل هذه الاشغال تجري من دون موافقة بلدية الزوق ومن دون رخصة قانونية.
أجمعت التقارير الطبية الصادرة تباعاً منذ 1991، وآخرها ما صدر عن نقابة الاطباء في 30 آذار الفائت، وعن نقابتي اطباء الاسنان والمحامين، على التحذير والاشارة الى “أخطار التلوث والاضرار الصحية المحدقة في دائرة تراوح بين 15 و20 كلم، والناجمة عن سحب الدخان السوداء المتصاعدة من معمل الزوق الحراري نتيجة عدم وجود فيلتر في دواخينه، والذي يتسبب بالامراض الصدرية على انواعها وضيق التنفس وامراض الربو وامراض الجلد والعيون وامراض الاطفال، وعلى المدى البعيد الامراض السرطانية”. وطالبوا بـ”اتخاذ التدابير العاجلة لدرء أخطار هذا التلوث الذي يلحق بالبشر والجماد والبيئة عموماً”، عارضين الحلول التي تتوافق مع رؤية المجلس البلدي “بوضع الفيلترات، او استبدال الفيول اويل بالغاز، وحسن صيانة المحركات والمحارق، قبل ان يتفاقم الوضع وتزداد المشكلات الصحية”. لكن شيئاً منه لم ينفذ.
الملف الأسود
بدأت المشكلة في العام 1983 حين باشر المعمل بث المواد الخطرة، وانطلقت منذ ذلك الحين التحركات العملية لدرء أخطار توسيع المداخن والخزانات وتكبير محطات التوليد، والمطالبة بتركيب فلترات للدواخين، واستخدام الفيول الذي لا تزيد نسبة الكبريت فيه عن 1%، وتدرجت الى حد طلب نقل المعمل الى منطقة سلعاتا – حامات، واستخدام الغاز في توليد الطاقة الكهربائية.
ولعرض هذه المشكلة – الكارثة، أعدت بلدية زوق مكايل ملفاً كاملاً بعنوان “الملف الاسود، سموم دواخين معمل الزوق” يتضمن شرحاً مسهباً لقضية هذا المعمل منذ انشائه، بالنصوص والوثائق، ويعرض للمراحل المتتالية التي مرت بها المساعي والمراجعات التي قامت بها البلدية من دون طائل.
نوفل والمعاناة
وفي لقاء مع “النهار” شرح رئيس البلدية زوق مكايل نهاد نوفل جلجلة اهالي المنطقة، وفند المراسلات والارقام والوعود الكاذبة التي يتلقونها من المعنيين منذ العام 1983 ويضع نوفل الاشغال القائمة في خانة توسيع المعمل، ويكشف ان المجلس البلدي “فوجئ بأشغال بناء في العقارات الواقعة بمحاذاة المعمل، من دون الحصول على اذن منه، وبنتيجة الكشوفات الميدانية التي قام بها فرع التنظيم المدني في كسروان، أصدرت القرار الاداري الرقم 30 تاريخ 7/1/2014 القاضي بتوقيف اعمال البناء حتى تسوية الوضع القانوني واجراء دراسة الأثر البيئي، وبإحالة هذا القرار الى قائمقام كسروان والاجهزة المختصة لأخذ العلم بالمخالفات الحاصلة، واجراء المقتضى لتوقيفها. وعندما ذهب عناصر الشرطة البلدية لتنفيذ القرار، جوبهوا بالعصي وبرفض التنفيذ”.
ويضيف أن مؤسسة الكهرباء “تحجّجت بالتعميم الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء الرقم 9/2003 الذي “يسمح بمباشرة تنفيذ تشييد بناء قبل الحصول على التراخيص المطلوبة، شرط تأمينها قبل الانتهاء من اعمال البناء”، فطلبت الى وزير الداخلية اللجوء الى رأي “هيئة التشريع والاستشارات” لـ”تبيان مدى قانونية القرار الذي اتخذه المجلس البلدي وإلزاميته، او مدى إمكان إلزام البلدية بقبول تشييد بناء مخالف لأنظمة البناء والشروط البيئية، من دون استيفاء الرسوم البلدية المفروضة على رخص البناء، ومدى قانونية الاحتجاج بكتاب وزير الطاقة”. وفي 21/7/2014 أصدرت الهيئة برئاسة القاضية ماري – دنيز المعوشي رأيها، واعتبرت ان “قرار البلدية صدر وفقاً للقوانين التنظيمية الآمرة التي ينص عليها قانون البناء والقوانين البيئية ذات الصلة”، وبالتالي هو الذي يجب ان ينفذ، وأن “تتوقف اعمال البناء الى حين الاستحصال على التراخيص القانونية اللازمة وعلى التراخيص البيئية الموجبة”. ارسلنا الاستشارة الى المحافظ والقائمقام والدرك للمؤازرة، ولكن العمل استمر بطريقة مخالفة للقانون.
المطالب – الحلول
وتابع نوفل: “سبق ان أبدت هيئة التشريع العام 2007 رأيها مؤكدة “عدم وجود حائل قانوني يحول دون اسقاط العقارات القائم عليها معمل الزوق، الى الاملاك الخصوصية التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، تمهيداً لبيعها (…) شرط ان يسبق الاسقاط والبيع اعلان مشروع انشاء معمل حديث لتوليد الطاقة على الغاز على عقارات المؤسسة في منطقة سلعاتا- حامات، او على سواها من العقارات من المنافع العامة، وفقاً للاصول”، مصنع الغاز يكلف 300 مليون دولار، لدينا 80 ألف متر مربع في الزوق، سعر المتر 5 آلاف دولار، البيع يغطي التكاليف ويزيد”.
مؤسسة الكهرباء
من ناحيتها ذكرت مصادر لـ”النهار” ان الاشغال القائمة في المعمل “تهدف الى انشاء وحدات انتاج حرارية من ضمن ما اصبح يعرف بخطة الـ700 ميغاوات التي أقرت بموجب القانون 181/2011 القاضي باضافة وحدات بقدرة 260 ميغاوات تعمل على المحركات العكسية في الزوق والجيه، بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 44 تاريخ 19/9/2012 ، ودشن العمل فيه الوزير جبران باسيل في 8/4/2013. وهذه الاشغال تراعي المواصفات المطلوبة، ولافتة الى الكتاب الذي وجهه رئيس المعمل بالانابة الى البلدية بتاريخ 4/3/2015 يبلغها فيه ان “المتعهد (BWSC) باشر باجراءات ختم الخرائط، وهي الخطوة التمهيدية الاولى للحصول على رخصة البناء”.
ولناحية التلوث اكدت المصادر ان المؤسسة “ركبت انظمة لمعالجة الفيول بهدف تخفيض الانبعاثات الملوثة، وبدأت المعالجة تدريجاً في وحدات معمل الزوق في كانون الاول 2012 على المجموعة الثانية، وفي كانون الاول 2013 على المجموعتين الاولى والثالثة، وفي كانون الثاني 2014 على المجموعة الرابعة، وانخفضت الانبعاثات لتصبح مطابقة للمعايير البيئية اللبنانية ( وزارة البيئة) والعالمية (World Bank Standard) كالتالي: الغبار: خفض اكثر من 60%، وأصبحت نحو 75 ملغ/ متر مكعب، اول اوكسيد الكربون: خفض اكثر من 80%، واصبحت نحو 340 ملغ/ متر مكعب، اكاسبيد النيتروجين: خفض اكثر من 10%، واصبحت نحو 430 ملغ/ متر مكعب، ثالث اوكسيد الكبريت: خفض اكثر من 90%، واصبحت نحو 0,85 ملغ/متر مكعب.
وأشارت الى ان “اعطالاً مرحلية قد تطرأ بسبب قدم المجموعات وتهالكها، ما يشكل انبعاثات مرحلية ترى من بعيد، يتم التعامل معها بسرعة لمعالجتها. ومن المرتقب ان تتم السيطرة على الاعطال تدريجيا في المستقبل القريب، بعد اجراء الصيانة العامة والتأهيل للمجموعات في المعمل التي يتم الاعداد لها”.
ورداً على المطالبة بنقل المعمل الى سلعاتا، لفتت الى ان “المخطط التوجيهي للانتاج الكهربائي يلحظ انشاء معمل اضافي في سلعاتا بقدرة 450 ميغاوات لزيادة الطاقة الكهربائية، وليس بديلا عن معمل الزوق”.
أهالي الزوق وساحل كسروان تحملوا ما فيه الكفاية، واستنزفت منطقتهم لتصبح الاسوأ صحياً وبيئياً. كل ما يطلبونه هو تنفيذ الوعود، وتطبيق الحلول العلمية والعملية التي تبعد عنهم شبح الموت والمرض. هل هذا كثير عليهم بعد 32 عاماً؟