Site icon IMLebanon

مفاجآت غير سارة تختبئ في نعيم دائني منطقة اليورو

EURO1
جون بلندر

يعتبر برنامج التسهيل الكمي الخاص بمنطقة اليورو مختلفا. سمته المميزة هي تقديم أسعار فائدة سلبية وعوائد سلبية للسندات عبر القارة. هذا لم يحدث في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لأن هاتين الدولتين لديهما عجز مالي كبير عندما بدأ “الاحتياطي الفيدرالي” وبنك إنجلترا في برامجهما لشراء السندات. وكان هناك أكثر من إصدار كاف آنذاك للحفاظ على عائدات السندات إيجابية.

في المقابل في منطقة اليورو يواجه التخفيف النقدي المتطرف رأيا متصلبا من جانب الحرْفيين في سياسة المالية العامة. النتيجة: سندات منطقة اليورو شحيحة إلى درجة أن الأمر ينتهي بالمستثمرين أن يدفعوا مقابل امتياز تقديم القروض للحكومة. بوجود سندات لمنطقة اليورو تقدر بحدود 1.5 تريليون يورو لها عوائد سلبية، تبدو منطقة اليورو بشكل متزايد وكأنها نعيم المدينين. وتبدو نسب الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي معقولة حتى في الدول الأكثر مديونية. ويتلاشى تعريف مفهوم الملاءة في الهواء بينما تتم إعادة تمويل أعباء الديون بآجال أطول من أي وقت مضى. الخاسرون هم الدائنون، ولو مع استثناء كبير واحد على الأقل: أعضاء برامج صناديق المعاشات التقاعدية ذات الاستحقاقات المحددة.

من الناحية العملية تعتبر مسؤوليات صناديق المعاشات التقاعدية المشتركة قروضا طويلة الأجل من قبل الموظفين للشركة الراعية، المؤمنة على أصول الصناديق. وطالما كانت الشركة ذات ملاءة وقادرة على الوفاء، لا يعود هناك ما يهتم به الموظفون حيال ما يحدث لعائدات الاستثمار، إذ تبقى عائدات قروضهم بمعزل عن تقلبات السوق لأنه يتم تعريفها فيما يتعلق بالمرتبات. يعد الاتجاه نحو مطابقة المطلوبات مفيدا لهم لأن محفظة السندات الحكومية ذات المدة المماثلة والعائدات المستقرة تضمن عملية الدفع الفوري للفوائد عند استحقاقها، بغض النظر عما يحدث لعوائد السندات.

أما بالنسبة للشركة الراعية ومساهميها، فإن الأمر مختلف، إذ تسبب عوائد السندات السلبية تضخما في قيمة المطلوبات، والأثر السلبي في ملاءة صناديق المعاشات يغلب عليه أن يفوق أي فائدة تأتي من برنامج التسهيل الكمي على قيمة الأصول. باستخدام مصطلحات النفط الخام، إذا كانت الأصول تنتج دخلا سلبيا، فإن الصندوق سيحتاج إلى مزيد منها لمطابقة جانب من المطلوبات، وهذا يمكن أن يكون وضعا مكلفا جدا للشركة الراعية. ينعكس هذا بشكل مثير للاهتمام على أسلوب الاستثمار الذي تحركه المطلوبات. كان جزء من المنطق يقتضي أنه لا ينبغي لحملة الأسهم التعرض لخطر تخصيص الأصول الخاصة بصناديق المعاشات التقاعدية إلى الأسهم، التي تعتبر أكثر خطورة من السندات. إذا أرادت الشركة اتخاذ المخاطر ذات النوع الخاص بالأسهم، فإن هذا يمكن أن يتم بشكل أكثر فاعلية من خلال ميزانياتها العمومية. ما يعنيه هذا فيما يتعلق ببيئة العائدات السلبية السائدة اليوم هو أن الشركات وحملة الأسهم معرضون لتكلفة مرتفعة لم يسبق لها مثيل بالنسبة للسندات التي يفترض أنها خالية من المخاطر. أما الاحتمال الناتج عن اتساع عجز صناديق المعاشات التقاعدية فقد يؤدي إلى زيادة النفور من المخاطر بشكل كبير في استثمارات الشركات.

بالنسبة للشركات الكبيرة التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى سوق سندات الشركات، قد يكون هناك تعديل حين يكون الاقتراض رخيصا. مع ذلك، إذا قامت بالاستثمار، فسيكون هناك تساؤل حول كيفية تأثير برنامج التسهيل الكمي في عملية تخصيص رأس المال. الخطر يكمن في أن الاقتراض الرخيص يعمل على تمويل الاستثمارات ذات المستوى الأضعف، سواء كان ذلك في الأصول الثابتة أو حصة تكلفة عمليات إعادة الشراء في سوق الأسهم المليئة بالزبد. في الوقت نفسه، يعمل النعيم الذي يتمتع به المدينون بالحفاظ على المصارف المتعثرة واقفة على أقدامها ويسمح لها بترحيل ديون الشركات الخاملة، وهذا بدوره يعمل على تراجع نمو الإنتاجية.

من وجهة نظر المستثمرين، هناك تساؤلات متزايدة حول نوعية الأرباح التي تنتعش بالتراجع الذي حدث لأسعار الفائدة، وفي منطقة اليورو، بالاستفادة من تخفيض قيمة العملة حيث اختارت الشركات الحفاظ على هوامش الربح بدلا من توسيع حصتها في السوق.

السؤال المهم يتعلق بلعبة النهاية، في سوق السندات السيادية لمنطقة اليورو، تعلن أصوات صافرات الإنذار أن المحددات المفروضة على الدين العام تحتاج إلى إعادة التفكير فيها، لأن تكلفة خدمة الديون يمكن التحكم فيها ولا أحد يبدي قلقه حيال مخاطر الإعسار، باستثناء حالة اليونان. وتخفيف خدمات الديون يعمل على تخفيف الضغوط على الحكومات من أجل الإصلاح.

وحتى أولئك الذين لا يشاطرون ألمانيا ميلها نحو التقشف في المالية العامة عليهم أن يتساءلوا: أين ينتهي بنا هذا كله؟ هذا السؤال يتوقف جزئيا على ما إذا كانت العائدات السلبية تعكس الركود، أو وفرة في المدخرات العالمية. في كلتا الحالتين، هناك مسألة أخرى تتعلق بما إذا كانت الأسواق قد خسرت قدرتها على العودة إلى مستواها المتوسط. سيستغرق الأمر فترة من الزمن حتى تنتهي ظاهرة العوائد السلبية، لكنها ستنتهي. وعندما يحدث ذلك، فإن أولئك الذين اعتقدوا أن من الجيد إعادة التفكير في التعريفات التقليدية لمفهوم الملاءة ربما يجدون أمامهم مفاجأة سيئة.