ماري هاشم
في خضمّ البحث عن حل لمشكلة معمل الزوق المزمنة، حيث تعلو صرخة فاعليات المنطقة وسكانها من ارتفاع منسوب التلوّث الناتج عن الدخان المتصاعد منه، أعدّ الخبير الدولي في النفط والغاز رودي بارودي خطة طوارئ لإنقاذ قطاع الكهرباء تشكّل محور الخطط كافة الخاصة بهذا الشأن، تناولت خط الغاز في الزهراني والبداوي و«هي الأهم» على حدّ تعبير بارودي في حديث إلى «الديار»، والذي أورد في خطته اقتراحاً من ضمن سلسلة اقتراحات قدّمها للحكومات السابقة، يقضي بمدّ خط غاز من البداوي إلى الزوق. وقال: إن التلوّث الحاصل مزمن، ولا أحد يعمل على معالجته، ومن أهم الخطط السابقة التي تقدّمت بها إلى الحكومات والوزارات المعنية المتعاقبة، هو «مشروع إنشاء خط غاز وطني» بمثابة شبكة للغاز الطبيعي تمتد من البداوي إلى صور. واقترحنا في المرحلة الأولى مدّ خط غاز إلى معمل الزوق الحراري حيث توجد 800 ميغاوات، والتلوّث الناتج عنها سام إلى درجة عالية من الخطورة.
وإذ ذكّر بأنه «وافق على هذا الإقتراح وزراء البيئة السابقون من دون استثناء وبكركي وغيرهم»، شدد بارودي على «ضرورة الإستعجال في وضع خطة لمعملي الغاز في الزهراني والبداوي، عبر وضع محطات عائمة، ومدّ خط غاز إلى معمل الزوق»، مؤكداً أن «هذا الحل لا يحدّ من التلوّث فحسب، بل أيضاً يؤمّن وفراّ مالياً واقتصادياً وسلامة صحية للسكان».
واعتبر أن «ملفاً بهذا الحجم الوطني والخطورة، في حال استمراره، يُستحسن أن يكون برعاية رئيسي مجلسي النواب والوزراء في الوقت الحاضر، خصوصاً أن الرئيس نبيه بري أبدى اهتماماً واسعاً بإنقاذ القطاع ولم يوفر جهداً في هذا السبيل، على أن تتم مقاربته بشفافية وتقنية وحسّ وطني مسؤول لإنقاذه وحماية الخزينة من تداعيات الهدر الناتج منه، وتفادي الخسائر التي تتكبّدها الدولة جراء معالجته».
نص الخطة: وتنشر «الديار» نص خطة الطوارئ المقترحة التي وضعها بارودي لإنقاذ قطاع الكهرباء: «يعاني قطاع الكهرباء من مشكلات عدّة ومصاعب لا تزال تلقي بثقلها على الإقتصاد اللبناني عموماً وعلى موازنته خصوصاً، على الرغم من الخطط التي وضعتها الوزارات المتعاقبة، كان آخرها الخطة التي أقرّها مجلس الوزارء في حزيران 2010. وتتشعب مشكلات القطاع من الإنتاج إلى التوزيع فالجباية، على الرغم من تلزيمها إلى الشركات الخاصة. ويحتاج هذا القطاع الحيوي أولاً إلى القرار السياسي، وثانياً إلى إبعاد المصالح الشخصية والآنية عن معالجة مشكلاته. من هنا، نرى واجب وضرورة إحترام القوانين الصادرة عن مجلس النواب وتنفيذها عبر:
1- البت وحسم كل الإشكالات المالية والإدارية، مع متعهّد أشغال بناء معمل جديد في ديرعمار بقدرة 435 ميغاواط في أسرع وقت ممكن والطلب اليه بدء التنفيذ فوراً، على أن يترافق ذلك مع تكليف مجلس الإنماء والإعمار العمل على تأمين المال اللازم من طريق الصناديق والمؤسسات الداعمة لتنفيذ معمل جديد بالقدرة ذاتها في حرم معمل الزهراني، لتوفير الحدّ الأدنى من الطاقة الكهربائية التي يحتاج إليها لبنان حالياً. ولا بدّ من الإشارة إلى أن مصلحة لبنان تكون في عدم الدخول في خلاف مع المتعهد يؤدّي إلى محاكمات أو اللجوء الى التحكيم وانتظار نتائجه لسنوات، ويدرك الجميع أن إجراءات التلزيم التي اعتمدتها وزارة الطاقة والمياه تشوبها الكثير من الثغرات.
2- الإسراع في استلام الوحدات التي جرى تلزيمها في معملي الذوق والجيه وتشغيلها، تمهيداً لوضعها في الخدمة.
3- ضرورة الإسراع في تعيين هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، وبدء تطبيق القانون 462/2002 بعدما عُطل تنفيذه على مدى أكثر من 14 عاماً، من دون سبب قانوني أو شرعي وبمزاجية الخوف على صلاحيات مزعومة للوزير إذا ما مارست الهيئة استقلاليتها. إن صدور القانون رقم 288 تاريخ 30/4/2014 يدلّ بطريقة لا شك فيها، إلى أن الحكومة عجزت بشكل كامل عن تطبيق القانون 181/2011، فلجأت إلى إصدار قانون ليحل مجلس الوزراء محل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، بعدما عجزت الحكومات المتعاقبة عن تعيين هيئة من خمسة أشخاص أو انها لا تريد وبشكل فاضح، تطبيق القوانين الصادرة عن مجلس النواب. إذ أن عدم التنفيذ الكامل لبنود القانون 181 دفع المشرّع الى اللجوء الى إقرار القانون رقم 288/2014 بمادة وحيدة ليعدل المادة السابعة من القانون 462/2002، كما أضاف إلى المادة السابعة من القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) الفقرة الآتية: «بصورة موقتة، ولمدة سنتين، وإلى حين تعيين أعضاء الهيئة واضطلاعها بمهامها، تمنح أذونات وتراخيص الإنتاج بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيري الطاقة والمياه والمالية». كل ذلك زاد الأمر تعقيداً، خصوصاً أن إقرار كل هذه القوانين لا يهدف إلا إلى التهرّب من تعيين الهيئة الناظمة للقطاع الكهربائي، علماً أن الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة في العالم أثبتت نجاحها في دول العالم عموماً وأوروبا خصوصاً، إذ استطاعت تنفيذ استراتيجيات ناجحة ومتقدمة في مختلف مجالات الطاقة.
4- التطبيق الإستنسابي لمواد القانون 181/2011 جعل منه أداة طيّعة كما بينّا ذلك سابقاً، وما زاد الأمر سوءاً هو عدم تنفيذ كامل الشروط التي وضعها القانون 181/2011 فلا تعديلات أدخلت على متن القانون 462/2002 خلال الأشهر الثلاثة، ولا حتى في 4 سنوات. كما لم يعيّن مجلس إدارة جديد لكهرباء لبنان ولم يتم متابعة انجاز المشاريع التي لزمت وألزمت لبنان بمبالغ مالية ضخمة.
5 – بناء معملي الزهراني ودير عمار تنفيذاً لخطة نهوض وطني وضعت عام 1994، ليعملا على الغاز الطبيعي وليس على الديزل أويل، بناءً على نصيحة من شركة كهرباء فرنسا، لما يؤمنه استعمال الغاز الطبيعي في انتاج الطاقة من وفر في كلفة الإنتاج، وتخفيف الضرر على البيئة، لكن المناكفات السياسية والمزاجيات الشخصية لبعض المسؤولين منذ العام 2002 عطلت المشروع، ما كبّد الخزينة مبالغ طائلة عن مشتقات نفطية.
وبما أن خط الغاز العربي الذي بدأَ العمل على إنجاز بعض أجزائه، ونتيجة ما يجري في المنطقة، جعلت من المستحيل في المدى المنظور استكماله والإفادة منه. وبما أن تشغيل معامل الكهرباء على الغاز الطبيعي بات متعذراً من دون وجود محطات تخزين وتسييل الغاز الطبيعي بالقرب من معامل الإنتاج أمراً لا بد منه ولا بديل عنه، أصبح لزاماً على الدولة أن تبدأ شراء أو استئجار او إنشاء محطة عائمة لتخزين وتسييل الغاز الطبيعي لزوم معملي الإنتاج في الزهراني ودير عمار، بحيث تقام محطة عائمة في كل منهما ولو احتاج ذلك الى توسيع المرفأ أو إنشاء سدّ للأمواج لحماية المحطة من العوامل البحرية.
توازياً، إن إنشاء المحطتين يؤدّي إلى وفر هائل في ثمن المحروقات، ما يؤدي بدوره إلى خفض الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان والتخفيف من نسبة الدين والفوائد المترتبة عليها، لا سيما أن إمكانات الدولة، مؤسسة كهرباء لبنان، في مجال جباية مستحقاتها ومنع الإعتداء على شبكاتها لا تزال قاصرة، ما يخفض قدرتها على لجم العجز أو مواجهته بتفعيل الجباية.
ونرى أن من الأفضل استئجار محطة عائمة في كل معمل، على أن يكون المورد صاحب خبرة عالمية في هذا المجال، ولديه القدرة على أن يورد الغاز الطبيعي بالاضافة الى المحطة في الوقت نفسه. لما في ذلك من وفر في الكلفة والإشراف والمراقبة، بحيث ينص دفتر الشروط الموحّد على أن يتم التعاقد على طريقة مفتاح باليد، اي أن تحصل مؤسسة الكهرباء على الغاز الطبيعي الذي تحتاج إليه معاملها بشكل واضح ومحدّد بالكميات والكلفة، وهي الطريقة التي اعتمدتها دول عدة بينها الكويت، دبي والأردن.
أخيراً، إن ملفاً بهذا الحجم الوطني والخطورة، في حال استمراره، يُستحسن أن يكون برعاية رئيسي مجلسي النواب والوزراء في الوقت الحاضر، خصوصاً أن الرئيس نبيه بري أبدى اهتماماً واسعاً بإنقاذ القطاع ولم يوفر جهداً في هذا السبيل، على أن تتم مقاربته بشفافية وتقنية وحسّ وطني مسؤول لإنقاذه وحماية الخزينة من تداعيات الهدر الناتج منه، وتفادي الخسائر التي تتكبّدها الدولة جراء معالجته.