Site icon IMLebanon

إعسار اليونان ضروري ..أما خروجها من اليورو ليس حتمياً

GreeceEuroEcon
فولفجانج مونشاو

حتى الأسبوع الماضي، المناقشات مع اليونان لم تكن تجري بشكل جيد. لكن هذا تغيّر عندما انتقل سيرك الدبلوماسية المالية العالمية إلى واشنطن من أجل اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. عندها أصبحت أسوأ.

في اعتقادي أن هذا العرض سيستمر لفترة لا بأس بها. يُريد اليونانيون دمج المحادثات عن برنامج تمديد القرض الحالي، الثاني، مع المحادثات عن القرض الثالث الجديد. وحتى ينجح ذلك سيطلبون تمويلا مؤقتا لتغطية الفترة بين القرضين لتجاوز فصل الصيف. هذا يبدو وكأن هناك شخصا لديه خطة، لكن هذا ليس انطباعي. فأنا لم أشاهد المسؤولين الماليين الأوروبين بهذا القدر من الحيرة.

السؤال الكبير – ما إذا كانت اليونان ستغادر منطقة اليورو أم لا – يبقى بلا جواب. لكني الآن على يقين إلى حد ما أنها ستعجز عن سداد ديونها.

ما أفهمه هو أن بعض المسؤولين في منطقة اليورو على الأقل يفكّرون في احتمال إعسار اليونان وعجزها عن سداد الديون، لكن بدون خروجها من منطقة اليورو. التعقيد شديد وقد لا يملكون الوقت لحلّه، لكنه قد يكون الطريقة الوحيدة لتجنّب كارثة كاملة.

من يُمكن، أو ينبغي، أن تعجز اليونان عن سداد ديونه؟ يمكن أن تعجز عن السداد لمواطنيها من خلال عدم دفع الأجور أو معاشات التقاعد في القطاع العام. هذا قد يكون أمراً بغيضاً من الناحية الأخلاقية وانتحارياً من الناحية السياسية بالنسبة للحكومة التي يقودها حزب سيريزا. من الناحية النظرية، يمكن أن تعجز عن سداد القرضين اللذين حصلت عليهما من شركائها في الاتحاد الأوروبي، مع أنه ليس من المقرر أن يبدأ سداد القرض الأول حتى عام 2020، والثاني عام 2023. كذلك يمكن أن تعجز عن السداد لمن تبقى من مالكي السندات في القطاع الخاص، لكن هذا لن يكون فكرة جيدة. فهي قد تحتاج إلى مستثمري القطاع الخاص في وقت لاحق.

ويمكن أن تعجز أيضاً عن السداد لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي. ويتوقع صندوق النقد الدولي سلسلة من عمليات التسديد، بينما يريد البنك المركزي الأوروبي استعادة أمواله على سندات يحتفظ بها في دفاتره الحسابية في غضون الأشهر القليلة المقبلة. العجز عن السداد لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي هو الخيار الوحيد الذي سيحقق فترة استراحة مالية حقيقية على المدى القصير. لكن ليس هناك أي أحد فعل ذلك على الإطلاق. وقد يستثير الأمر عملية خروج اليونان من منطقة اليورو.

لكن من جانب آخر ربما لا يؤدي إلى ذلك. فالعجز ليس مرادفاً للخروج. ليست هناك أي قاعدة في الاتحاد الأوروبي تقول إنك يجب أن تغادر منطقة اليورو عندما تعجز عن سداد ديونك. الصلة بين العجز والخروج غير مباشرة؛ إذا عجز أحد البلدان عن سداد ديونه، فإن الأوراق المالية المتعثرة تصبح غير مؤهلة لتكون سندات دين بالنسبة لمصارف البلاد لتقوم بتقديمها كعطاءات في مزادات الأموال الخاصة بالبنك المركزي الأوروبي. الشيء نفسه ينطبق على أي سندات أخرى تكفلها أثينا. وتحتفظ المصارف اليونانية بقدر كبير من الفئة الأخيرة، وقد تجد من الصعب الحصول على السيولة في حال تعثرت حكومتها.

لذلك، أن تعجز عن السداد “داخل منطقة اليورو” لا يحتاج الأمر سوى إلى وضع طريقة أخرى لإبقاء النظام المصرفي واقفاً على قدميه. إذا تمكن شخص ما من اختراع إجابة رائعة، فلن تكون هناك حاجة لخروج اليونان من منطقة اليورو.

الحجة الاقتصادية للعجز عن سداد الديون مُربكة. من الصعب أن يعرف المرء تماماً كيف يمكن أن تقوم اليونان بخدمة ديونها على النحو المُتفق عليه. حتى في البلدان الدائنة هناك عدد قليل من الأشخاص الذين تساورهم أوهام بشأن قدرة أثينا على خدمة الديون على المدى الطويل. خدمة الديون بالكامل تتطلب فوائض أولية كبيرة – أي الفوائض قبل دفع الفوائد على الديون. وهذا من شأنه ترك اليونان عالقة في فترة كساد طويلة بسبب الديون. الفائض الأولي المُقرّر لعام 2016 هو 4.5 في المائة، الذي يقارب حافة الجنون. قطعاً أثينا تحتاج إلى العجز عن سداد الديون.

في الوقت نفسه هناك حجة قوية للبقاء في منطقة اليورو. خروج اليونان يجلب مخاطر اقتصادية لا تُحصى إلى البلاد نفسها، ويضرّ بالطموحات الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي وسمعته العالمية.

الأمر المُثير للقلق هو أن المحادثات لا تؤدي إلى أي نتيجة. لهذا السبب، فإن التكهّنات حول إبرام اتفاق في الصيف أو الخريف في النهاية هو أمر لا يبعث على الاطمئنان. والأمر المُحيّر بشكل خاص هو استراتيجية التفاوض اليونانية. في الجوهر، أنا أميل إلى الاتفاق مع وزير المالية، يانيس فاروفاكيس، على أن إدارة الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو كانت كارثية. وبحسب العوامل الحالية، فهي غير مستدامة بشكل أساسي. لكني لا أفهم لماذا يقضي كثيرا من الوقت في التحدّث مع أولئك الذين يميلون إلى الاتفاق معه في مؤتمرات مرموقة في مُحيط بهيج. ألا يجدر به أن يعمل على المفاوضات الشاقة مع دائنيه الأوروبيين، وعلى اثنين من سيناريوهات الخطة الاحتياطية؟

كل من خروج اليونان وخيار العجز عن السداد داخل منطقة اليورو من شأنه إرهاق موارد حتى الحكومات الأكثر تنظيماً. كما يتطلب إعدادا من الطراز العسكري: رقابة على الصرف، وإغلاق مؤقت للحدود البرية والمطارات، وإعادة رسملة المصارف بين عشية وضحاها، والتخطيط اللوجستي لنقل الأموال من منطقة إلى أخرى في اليوم المُقرر للبدء. هل الحكومة اليونانية حقاً بهذا الذكاء بحيث تستطيع مجرد الانتظار حتى وصول اللحظة المصيرية، ومن ثم تقوم بإدارة هذه العملية بالكامل في الوقت الحقيقي بدون أي سيناريو؟

أعتقد أني أعرف الجواب على ذلك، وأتساءل ما إذا كان بعض الأشخاص على كلا جانبي هذه المناقشات قد يكونون ببساطة قد أخطأوا الحساب. ربما نكون على حافة واحدة من تلك اللحظات في التاريخ الأوروبي التي تمشي فيها القارة أثناء النوم.