كتبت روزانا بو منصف في “النهار”: على رغم ان أزمة اليمن وتطوراتها طغت على الاهتمام منذ ثلاثة اسابيع وتقدمت تطورات الازمة السورية التي بات يرى متابعوها انها تبتعد عن اي افق لحل قريب على رغم المآسي التي يعاني منها الشعب السوري كما دول جوار سوريا ايضا، فان هذه الاخيرة بقيت في مناقشات الكواليس الاقليمية والدولية جنبا الى جنب مع الموضوع اليمني من زاويتين على الاقل، احداهما هي مسألة المهاجرين السوريين الذين يخاطرون بحياتهم من اجل الهرب عبر البحر والتي باتت تشكل احراجا لدول عدة من الباب الانساني على الاقل على رغم ان هذا الاحراج ليس كافيا لان يضغط من اجل ايجاد حل للازمة السورية قريبا. والزاوية الثانية هي ما تنقله مصادر سياسية عن ديبلوماسيين اقليميين استتباعا لما فجرته ازمة اليمن من صراع مكشوف في المنطقة بين محورين عربي وايراني. ووفقا لهذه المصادر فان ارتياحا اكبر لافق الوضع السوري لاح في ظل هذا الصراع ليس بناء على التطورات الميدانية التي حصلت في مناطق سورية عدة في الاسابيع المنصرمة على رغم ان هذه الاخيرة شهدت تحولا لمصلحة المعارضة في محاور عدة فحسب، بل بناء على جملة معطيات قد يكون اهمها ان المعلومات المتواترة عن المواقف الدولية في شأن سوريا تظهر ان الولايات المتحدة ودول الخليج العربي وتركيا باتت اقرب الى ان تكون جميعها على الصفحة نفسها اذا صح التعبير في رؤية آفاق الوضع السوري ولو اختلفت السبل او المقاربات لكيفية الوصول الى هذه الرؤية التي تتمثل في الاقتناع بان الرئيس السوري بشار الاسد لا يمكن ان يشكل جزءا من مستقبل سوريا وليس هو الاحتمال الممكن لرئاسة او قيادة عملية الانتقال السياسي فيها، وان هناك تفهما اكبر لما كانت طالبت به تركيا لجهة فرض حظر جوي على مناطق سورية. وبمقدار ما لم يكن معولا على مؤتمر موسكو 2 في مطلع هذا الشهر، حيث جمعت روسيا النظام وبعض فئات المعارضة للمرة الثانية هذه السنة، ان يؤدي الى نتائج عملية انطلاقا من اعتبارات عدة، الا ان تشبث النظام ومن يمثله بمنطق بات عقيما في مقاربة الازمة السورية اظهر للمتابعين المهتمين ان النظام عاجز عن تطوير رؤيته للوضع، فلم يقدم اي مؤشر جاذب او داعم لمنطق من يقول بامكان الابقاء على الاسد في موقعه في المدة الانتقالية على الاقل، على غرار ما يبدو عليه في كل احاديثه الصحافية لوسائل اجنبية يتوخى توجيه رسائل منها او لعله ينتظر او يهدف لان يفاوض على اي تنازلات محتملة، يمكن ان يقدمها على طاولة مفاوضات تكون الولايات المتحدة ابرز اطرافها وليس روسيا فحسب.
وينقل زوار العاصمة الاميركية في الاسابيع الاخيرة انطباعات دافعة في الاتجاه الذي تتحدث عنه الدول الاقليمية التي تمني النفس على الارجح وفقا لهؤلاء بنتائج ايجابية من تطورات المنطقة في الاسابيع الاخيرة في اتجاهين على الاقل : الاول ان رغبة الرئيس الاميركي في طمأنة الدول الخليجية التي دعاها الى لقاءات معه في واشنطن وكامب ديفيد في 13 و14 آيار المقبل قد تسفر عن التقاء اكبر في الموضوع السوري في ضوء محاولة الرئيس الاميركي طمأنة الدول الخليجية الى الاتفاق النووي مع ايران، والحصول على دعمها ايضا من اجل ان يكون انجازا حقيقيا لادارة اوباما. وبذلك تستفيد هذه الدول من هذا المسعى الاميركي ليس من اجل الحصول على ضمانات لامنها فحسب، بل لان تدفع واشنطن لان تكون اكثر التزاما لرؤيتها النهائية للوضع السوري وربما اكثر التزاما لمقاربة هذه الدول لمعالجة هذا الوضع، وتاليا الالتفاف على اي مسعى لايران الى تسليم الولايات المتحدة بنفوذها الكامل في سوريا وفي لبنان، على رغم ان ثمة من يعتقد ان الولايات المتحدة سبق لها ان سلمت بهذا الواقع اي السيطرة الايرانية في العراق والنفوذ القوي في سوريا ولبنان في انتظار تثبيت مكاسبها اكثر في سوريا تحديدا ما يساعدها على تأكيد هذه المكاسب في لبنان ايضا.
أما الاتجاه الثاني فهو يتمثل في ان تجربة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في اليمن ومحاولته الانقلاب على السلطة الشرعية من أجل العودة الى الحكم بلجوئه الى كل الوسائل الممكنة، ولو ادت الى خراب اليمن كما فعل في تحالفه مع الحوثيين ومساعدتهم في السيطرة على مؤسسات الدولة اليمنية، تعطي اوراقا قوية للفريق الاقليمي الذي يرفض بقاء الاسد حتى في المرحلة الانتقالية في مقابل الرأي القائل ببقائه او رعايته هذه المرحلة كما تطالب روسيا وسواها. فمع ان تجربة كل بلد مختلفة وسبق للاسد ان رفض ان يستنسخ تجربة صالح حين تم التمني عليه بتجنيب سوريا المآل الذي آلت اليه من مآسٍ انسانية ودمار من خلال التنحي عن السلطة وتسليمها لنائبه او لشخص ينتدبه كما حصل مع الرئيس اليمني السابق، فانها مفارقة ان يرتد موضوع علي عبدالله صالح لغير مصلحته اذ لن تود الدول التي اكتوت بتجربة هذا الاخير ان تكرر التجربة مع الموافقة على بقاء الاسد ولو مرحليا بموجب اي اتفاق نظرا الى انه سيفعل المستحيل بدوره من اجل البقاء في السلطة في حال كان لا يزال في المرحلة الانتقالية او العودة اليها في حال خرج من السلطة، بغض النظر عن الاعتقاد الاساسي وهو ان استمرار وجوده في السلطة سيبقي الازمة مفتوحة من دون اي نهاية لها.