باتريك جنكينز
هناك بضع صفحات من الإنذارات المزعجة موجودة في التحليل الأخير لصندوق النقد الدولي المتعلق بالاستقرار المالي العالمي – وهي ليست حول الأزمة في اليونان، ولا حول تراجع النمو في الصين. هذه المرة الشيء المخيف هو قطاع التأمين على الحياة، الذي يكون عادة منزويا لكنه يشكل الآن مخاطر عالية في أوروبا، ولا سيما في ألمانيا.
بحسب صندوق النقد الدولي، فشل مجموعة واحدة “يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة عبر الصناعة بأكملها”، الأمر الذي بدوره “يمكن أن يشمل النظام المالي أيضا”. هل الأمر يبعث على الجزع؟ أم يمكن أن يكون هذا جذرا لأزمة مالية أخرى؟
شركات التأمين على الحياة هي حجر الأساس لثقافة الادخار الألمانية طويلة الأجل التي تعود إلى قرنين من الزمن، كونها تقدم عوائد مضمونة وجذابة للملايين، وتعتبر صناعة كبيرة تحقق أكثر من 90 مليار يورو من دخل الأقساط السنوي وأصولها تحت الإدارة تقترب من 900 مليار يورو.
لكنها تبدو صناعة هشة ومجزأة ـ بوجود أكثر من 90 شركة متنافسة. وكثير منها يعتبر جمعيات تعاونية مشتركة، ما يحد من وصولها إلى رأس المال ويتركها أكثر عرضة لاجتياز أوقات صعبة.
ونحن نعني أنها أوقات صعبة فعلا. ويكمن الخطر الحقيقي في القطاع المالي في أوروبا الوسطى. فكثير مما يمكن أن يفشل في منطقة اليورو قد فشل بالفعل. ومن بين الأشياء القليلة التي لم تفشل كان القطاع المالي الذي لم يخضع للإصلاح في أوروبا الوسطى. هذا يمكن أن يكون الآن على وشك التغيير. الاستقرار الظاهري لهذا القطاع يبعث على الدهشة على مستوى معين: كانت كل من ألمانيا وهولندا، وبدرجة أقل النمسا، تعمل باستمرار على تشغيل فوائض ادخار كبيرة نسبيا – وهي أموال كانت تستثمرها في الخارج. في النمسا، كانت واحدة من قنوات هذه التدفقات هي “هايبو آلب أدريا”، المصرف الذي تم تأميمه في 2007 بعد معاناته خسائر فادحة في أوروبا الوسطى. وفي الأسبوع الماضي أعلن البنك المعدوم، الذي طويت فيه أصول هايبو المتعثرة، تعليقا لديونه البالغة 11 مليار يورو.
تعتبر بعض التحديات أمرا شائعا في مناطق أخرى – الأكثر وضوحا هو أسعار الفائدة المستمرة في الانخفاض، التي تعوق عوائد الاستثمار. لكن هناك ضغوط تمييزية في ألمانيا، حيث تشكل هيمنة البوالص المضمونة طويلة الأجل صعوبة مضاعفة لشركات التأمين على الحياة على نحو يجعلها غير قابلة للاستدامة.
أولا، تفوق المعدلات المضمونة الآن عوائد الاستثمار الهزيلة اليوم. على الرغم من أن ضمانات البوالص الجديدة محددة من قبل القانون بنسبة 1.25 في المائة، إلا أن الذيل الطويل للبوالص – التي تمتد عادة لفترة 30 عاما – يعني أن الضمانات المتوسطة لا تزال تعمل بنسبة 3.2 في المائة. قارن هذا بنسبة 0.14 في المائة لعوائد السندات الحكومية الألمانية لأجل عشر سنوات وسيصبح التوتر واضحا. ثانيا، هناك عدم تطابق كبير بين المطلوبات (تصل بمتوسطها لقيمة 20 عاما) والأصول (لأكثر من تسع سنوات).
من المرجح أن يزداد هذا الوضع سوءا أكثر من قبل. استمرت العائدات في الانخفاض بشكل أسرع من الضمانات المتوسطة. وتعتقد وكالة موديز للتصنيف أنه حتى في ظل المشهد غير المحتمل بأن تبدأ أسعار الفائدة في الارتفاع هذا العام بمعدل سنوي يصل إلى 0.5 نقطة مئوية، قد تستمر عائدات الاستثمار في التراجع لمدة ثلاثة أعوام.
كما أن شركات التأمين على الحياة لديها قدرة محدودة على إيجاد مخرج لها من هذه المتاعب. فأصحاب البوالص الجديدة يجدون أن المستوى المتدني للعائدات المضمونة غير جذاب لهم. والدولة الألمانية غير مفيدة بالنسبة لهم. وما يثير الانزعاج في دول أوروبا المضطربة ماليا، أن وزراة المالية الألمانية التي تتمتع بوفرة نسبية في الأموال، عدلت في العام الماضي القوانين من أجل خفض سن التقاعد من 65 إلى 63 عاما وزيادة منافع الدولة المقدمة لقطاعات معينة من السكان.
سعى المنظمون إلى تخفيف الضغوط عن طريق تأسيس “زي زي آر” – متطلب لتخصيص الأموال من أجل الوفاء بالالتزامات المالية طويلة الأجل. لو أن هذا الترتيب وضع خلال الأوقات الجيدة، فإن الأمر سيكون معقولا، لكنه اليوم يؤدي إلى نتائج عكسية. ولأن على كثير من المجموعات أن تقبض المال من مكاسب الاستثمار، من أجل تمويل “زي زي آر”، فإن هذا يعمل بمثابة عبء على الأداء الأطول آجلا.
وسط هذا التنوع من المشكلات، ينبغي لكثير من شركات التأمين على الحياة أن تأكل من رؤوس أموالها. ووجد اختبار إجهاد أجراه البنك المركزي الألماني أن ثلث القطاع قد يتعرض لنقص في رأس المال في هذا السيناريو الذي يقوم على معدلات فائدة متطرفة، وهو سيناريو آخذ في الظهور الآن.
ستعمل قواعد الملاءة رقم 2، الخاصة برأس المال في أوروبا، على تعقيد الوضع كذلك. على الرغم من أن كتاب القواعد قد يعمل على تخفيف الضغط على رأس المال بالنسبة لبعض الشركات الكبيرة في مجال التأمين على الحياة، وتأجيل الاعتراف بمشكلات الشركات الأخرى، إلا أنه سيسبب صداعا لكثير من الناس.
بسبب عدم وجود التدفق النقدي من أجل تمويل الضمانات، من الممكن أن تتعرض الشركات المشغلة الأصغر والأضعف للانهيار. وهذا بدوره يمكن أن يؤذي القطاع بأكمله مسببا الضرر لسمعته وكذلك الضرر المالي – من خلال شبكة أمان تمويل الصناعة في ألمانيا.
يواجه المساهمون وحملة السندات عواقب لا يمكن التنبؤ بها. وفي حين اضطرت المصارف إلى رفع مستويات الأصول بصورة كبيرة، لا يزال بالإمكان تمويل رأس المال الخاص من شركات التأمين على الحياة بشكل كبير عن طريق الديون. وفقا لوكالة موديز، لم تقم أي مجموعة في القطاع بعد بإصدار سندات من الطبقة الأولى قادرة على استيعاب الخسائر ويمكنها التصرف كوحدات عرضية قابلة للتحويل من المصارف.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، هذا قطاع لديه “ارتباط داخلي عال ومتصاعد” مع النظام المالي الأرحب، إلى حد كبير من خلال الروابط الاستثمارية وروابط السيولة مع المصارف.
تعتبر ألمانيا مثالا متطرفا على ذلك، لكنها ليست وحدها في هذا المجال. فمن النرويج إلى هولندا واليابان وتايوان، هناك قضايا مماثلة تحتشد الآن. ربما لا يكون هذا أزمة على غرار أزمة عام 2008 قيد الإعداد، لكنه مع ذلك يظل قادرا على الإيذاء.