نقلت صحيفة “الديار” عن أوساط متابعة لملف محاكمة الوزير السابق ميشال سماحة انّ المباشرة بمحاكمة سماحة هي بحدّ ذاتها بادرة إيجابية ولو أتت متأخّرة كثيرًا، وبالتالي فإنّ ما حصل هو المسار الصحيح الذي كان يفترض أن يتمّ سلوكه منذ فترة طويلة، ولكن خيرٌ أن تأتي متأخرًا من أن لا تأتي أبدًا. وعلى الرغم من “المفاجأة” التي اعترت البعض نظرًا لـ”الاعترافات” التي تدفقت سريعًا من لسان سماحة، فإنّ هذه الأوساط تعرب عن اعتقادها بأنّ شيئاً لم يكن مفاجئًا أو خارجًا عن المألوف في الجلسة، خصوصًا بظلّ وجود حقائق ووقائع مثبتة لم يكن من الممكن تجاهلها، وبالتالي فإنّ الأمر المفاجئ كان ليحصل لو أنّ سماحة نفى تورّطه بالمُطلَق. وتشير الأوساط إلى أنّ سماحة نجح إلى حدّ ما في كسب بعض “التعاطف” مع شخصه خصوصًا من قِبَل من “نفضوا يدهم” منه بل “تبرّأوا” منه مباشرة بعد توقيفه، ومنهم بعض الحلفاء الذين كان يعتقد أنّهم لن يتخلّوا عنه في الظروف العصيبة، ولعلّ مَرَدّ هذا “التعاطف” هو حرص الرجل على إقران اعترافاته بـ”الاعتذار”، على اعتبار أنّه أخطأ عندما استُدرِج إلى “الفخّ” الذي نصبه له المُخبِر ميلاد كفوري، الذي ذهب لحدّ توصيفه بـ”العميل”، معتبراً أنّ اختياره أتى لاستهداف سوريا والمقاومة بشكل أساسي، فضلاً عن الدور الذي كان يلعبه.
وإذا كان وكلاء سماحة تفاءلوا خيرًا بجلسة المحاكمة، ممنّين النفس بأن تكون “توطئة” لحكمٍ “مخفَّفٍ” قد يصدر في وقتٍ ليس ببعيد، خصوصًا أنّ الجرم المثبت عليه لا يعدو كونه “نقل متفجّرات” دون استخدامها حتى، ما يعني أنّ الحكم لا يفترض أن يتعدّى السنوات الأربع مع احتساب مدّة التوقيف من ضمنها، فإنّ “المقاربة السياسية” لجلسة المحاكمة لم تتغيّر، حيث بقي كلّ فريقٍ على تموضعه، بل إنّ قوى الرابع عشر من آذار قرأت في اعترافات الوزير السابق “انتصارًا” لها و”سقوطًا” آخر لمحور الممانعة، وترحّمت على اللواء الشهيد وسام الحسن صاحب “الإنجاز” الذي أدّى لكشف مخططات سماحة يوم كان رئيسًا لفرع المعلومات، وقد دفع حياته ثمنًا لذلك، على حدّ قول مصادرها.
وترفض مصادر “14 آذار” الحديث عن “حكمٍ مخفّفٍ” قد يصدر بحق سماحة، رغم تأكيدها احترامها وتقديرها الكاملين للقضاء اللبناني وعدالته، ذلك أنّ قضية سماحة تتخطّى بكثير قضية “نقل متفجّرات” كما يحاول البعض التسويق، بل هي قضية إرهاب بكلّ ما للكلمة من معنى، نظرًا للمخططات الإرهابية والفتنوية التي كان ينوي سماحة تنفيذها، وهو ما اعترف به شخصيًا بقوله أنه مذنب وأنّ غلطته كبيرة جدًا، وإن حاول رمي كرة المسؤولية على غيره بشكلٍ لا يقبله عقلٌ ولا منطق، وإلا يصبح باستطاعة كلّ مجرم أن يخفّف الأمر عن نفسه بالقول أنّ هناك من حرّضه واستدرجه على ذلك.
في المقابل، فإنّ قوى “8 آذار” لم تعدّل في ضوء إفادة سماحة شيئًا من “استراتيجيتها” التي اعتمدتها منذ اليوم الأول للتوقيف، فـ”نأت بنفسها” بشكلٍ كامل عن القضية، ولم يُرصَد أيّ تصريحٍ لأركانها يقارب هذه القضية ولو من بعيد. إلا أنّ مصادر محسوبة على هذه القوى لا تتردّد بالقول أنّ جلسة المحاكمة كانت “مبشّرة” بشكلٍ أو بآخر، معتبرة أنّ إفادة سماحة كانت “إيجابية”، بحيث وضعت حدًا للأقاويل والشائعات الكثيرة التي انتشرت، والتي تحدّثت تارة عن إشراف الرئيس السوري بشار الأسد على ما بات يُعرَف بمخطط سماحة، وتارة أخرى عن تورّط “حزب الله”، والتي ذهبت لحدّ القول أنّ الحزب يريد “تصفيته” حتى لا يكشف هذا الدور، الأمر الذي دحضه سماحة بقوله أن لا أحد يعرف بموضوع التفجيرات سوى 4: هو وميلاد كفوري وعلي مملوك وعدنان، نافياً أن يكون قد التقى الرئيس السوري بشار الأسد لمفاتحته بهذا الأمر أو أنه على علم بذلك.
وتعتبر هذه المصادر أنّ الكثير من المُعطيات التي تضمّنتها إفادة سماحة تستوجب قراءة دقيقة ومتأنية، خصوصًا لجهة الحديث عن “الفخّ” الذي تمّ استدراجه إليه، وعن ذلك “المُخبِر ـ الشاهد” المدعو ميلاد كفوري، والذي يمكن اعتباره “شريكًا في الجريمة”، والذي كان يفترض استدعاؤه والاستماع لإفادته، الأمر الذي لم يحصل، بل حظي بـ”حماية وحصانة” لا ينصّ عليها القانون أصلاً بأيّ شكلٍ من الأشكال، علمًا أنّ فريق الدفاع عن سماحة تراجع عن طلب استدعائه “توفيرًا للوقت”. وتستغرب المصادر الضجّة الكبيرة والمفتعَلة حول قضية سماحة، في حين يلفّ الصمت المُطبَق قضايا أخرى، علمًا أنّ سماحة لم يحظَ بأيّ حصانة سياسية بخلاف مطلوبين آخرين ينعمون بحصاناتٍ بالجملة، وآخرهم العميد المتقاعد عميد حمود، المتورّط بأحداث طرابلس الأمنية، والذي “فرّ” إلى تركيا قبل “استدعائه” في ضوء الشهادات التي تطرّقت إلى دوره.