بددت جلسة مجلس الوزراء، امس، كل الاوهام بشأن امكانية الوصول الى تفاهم، في الوقت الحاضر، يفضي الى «صفقة» تسمح بإمرار الموازنة وسلسلة الرواتب وتسوية الحسابات المالية للسنوات السابقة… نعى رئيس المجلس تمام سلام هذه الامكانية في نهاية الجلسة، وقال: «الواضح ان ليس هناك توافق على الموازنة والسلسلة، فلماذا نضيّع وقتنا في مناقشات قد تمتد على شهرين أو 3 أشهر؟»
نعى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، في نهاية جلسة امس، مشروع موازنة عام 2015 ومعه سلسلة الرواتب والإجراءات الضريبية المطروحة بحجّة تمويلها. قال في نهاية الجلسة ما معناه أن الاجوبة التي حصل عليها وزير المال علي حسن خليل، من رؤساء الكتل النيابية الاساسية ومداخلات ممثلي هذه الكتل في مجلس الوزراء تعني بوضوح ان ليس هناك توافق على اقرار السلسلة ولا على إمرار مشروع قانون الموازنة، ولذلك، لماذا تضييع الوقت في مناقشات بلا طائل قد تستغرق شهرين أو ثلاثة؟ ببساطة، «لنعلن ان مجلس الوزراء ليس قادراً على ذلك، ونتابع عملنا الذي نقدر عليه»!
هكذا، تحلل مجلس الوزراء من واجب دستوري يلزمه بإنجاز موازنة سنوية شاملة كل الايرادات والنفقات، بما فيها ايرادات الضرائب ونفقات السلسلة، وبالتالي اعلن استمراره في المخالفات الجسيمة عبر الإنفاق والجباية من دون قانون للموازنة، كما هي الحال منذ عام 2005. كذلك تحللت الكتل النيابية من التزاماتها تجاه قواعدها بإمرار سلسلة الرواتب، اذ لم تجد مبرراً للاستعجال، في ظل غياب اي ضغط يجبرها على ذلك. ولكن، هذه المواقف جاءت مكشوفة جدّاً وتحتاج الى بعض الرتوش، فسارع «المحنّكون» من الوزراء الحزبيين الى اقناع الرئيس سلام بتعديل «اعلان النعي»، او بالاحرى، استبداله بإعلان عن «مفقود» بصيغة «ذهب ولم يعد».
قزّي: لا يوجد توافق سياسي على موضوع الموازنة والسلسلة
اذ اصرّ وزير المال على استكمال محاولته، وعدم اقفال كل الابواب، وبالتالي ابقاء مشروع الموازنة مطروحاً، فخرج وزير الإعلام بالوكالة، سجعان قزي، ليذيع صيغة الإعلان على النحو الآتي: «بعد نقاش طويل موضوعي وهادئ وإيجابي، تبين أنه لا يوجد، بعد، توافق سياسي خارج مجلس الوزراء، على موضوع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، فهناك طرف يريد أن يضم السلسلة الى الموازنة، وطرف آخر يفضل أن تكون الموازنة مستقلة. ويرى انه بعد إقرار السلسلة في المجلس النيابي يصار الى ضم وارداتها ونفقاتها الى الموازنة. لذلك، وفي غياب النضوج السياسي لإقرار الموازنة، تقرر عقد جلسة مقبلة للبحث في هذا الموضوع في جلسة عادية، ولكن لنكن واضحين، إن مجلس الوزراء برئيسه وأعضائه ووزرائه غير مستعد لتحمل عدم قدرة القوى السياسية على الاتفاق على الموازنة». أضاف قزّي بما يشبه اعلان «إنهاء مهمّة»: «نوجه الشكر الكبير إلى وزير المال الذي تمكن مع فريق من الوزارة من أن يضع موازنة جيدة قابلة للنقاش والاحالة على المجلس النيابي، وهذا العمل الجبار الذي حصل يستحق من القوى السياسية أن تتفق لإقرار موازنة بعد عشر سنوات على عدم وجود موازنة في لبنان».
لم يحدد الرئيس سلام موعداً لجلسة أخرى مخصصة لمشروع الموازنة. صيغة الإعلان الصادر عن مجلس الوزراء اكتفت بالإشارة إلى ان المشروع لا يزال مطروحاً، ولكن في «جلسة عادية مقبلة». يرفض الوزير قزّي في اتصال مع «الاخبار» اعتبار ذلك «نعياً»، ولكنه يشرح أن «الآراء مختلفة، وهناك حاجة للتوافق، وقد يحتاج اقرار الموازنة الى جلسات عدّة، ويجب ان لا نستبق ما قد يطرأ لاحقاً… والأمور غير ناضجة بعد»! من جهته، يرفض الوزير خليل الإقرار بعد وجود «أمل». يقول «لماذا النعي؟ هناك مسؤولية سياسية علينا تحمّلها. وأنا أصرّ على التزام واجباتي». يتردد وزير المال في اعلان نهاية محاولته، الا انه لا يستطيع ان يخفي انطباعه بأن اكثرية الكتل الرئيسة لا تريد الموازنة والسلسلة.
المعروف أن وزير المال رفع مشروع قانون موازنة عام 2015 الى مجلس الوزراء منذ ايلول من العام الماضي، ولم يُطرح على اي جلسة طوال 6 اشهر، ولم يكن احد يتوقع طرحه في ظل اصرار كتلة «المستقبل» على عدم إمرار اي قانون للموازنة قبل تسوية مسألة انفاق حكومة الرئيس فؤاد السنيورة نحو 11 مليار دولار بين عامي 2005 و2008 فوق القاعدة الاثني عشرية من دون اي اجازة من مجلس النواب. ولكن، في جلسة مجلس النواب الاخيرة، التي طُرح عليها مشروع قانون سلسلة الرواتب، وفي اطار اختراع الحجج وتفادي إعلان المواقف الحقيقية ضد اقرار السلسلة، رفضت كتلتا المستقبل والقوات اللبنانية اي مناقشة للسلسلة في الهيئة العامة، ما لم يسبقها اقرار الموازنة وتضمينها نفقات هذه السلسلة وايراداتها! تلقف البعض هذا الرفض، وظنّوا انه بمثابة دعوة الى عقد «صفقة كاملة» تشمل السلسلة والموازنة والضرائب والعفو عمّا مضى. اضطر الرئيس سلام الى وضع مشروع قانون موازنة عام 2015 على جدول الاعمال، وحدد جلسة مخصصة لبدء درس المشروع يوم الخميس الماضي، وأعلن موعدها قبل وقت طويل، إلا أن احداً لم يبادر إلى أي اتصالات عشية تلك الجلسة. كذلك، لم تعكس مداخلات الوزراء فيها أي جدّية، ولم تعبّر عن أي نيات ايجابية، اذ بدا النقاش كما لو انه «احجية»: هل نقر الموازنة بلا السلسلة؟ ام نقرّها مع السلسلة؟ ماذا إن لم يقرّ مجلس النواب السلسلة؟ ماذا لو اقرّها؟ ماذا إن لم يقرّ مجلس النواب الموازنة؟ وماذا لو اقرّها مع الاجراءات الضريبية المخصصة لتمويل السلسلة من دون أن يقرّ السلسلة؟ لم يكن اي وزير مزوّداً بأي اجابة عن هذه الاسئلة. بدا النقاش سوريالياً، ولا يمت بأي صلة الى مناقشة الموازنة وفق الاصول الدستورية والقانونية، فالموازنة العامّة يجب ان تتضمن «تقديرات» وزارة المال لكل النفقات والايرادات المتوقعة في السنة المعنية، وبالتالي يجب ان تحال على مجلس النواب بصفتها موازنة سنوية شاملة تعبّر عن سياسات الحكومة وبرنامج عملها. ما يقرره مجلس النواب شأن آخر.
انطلاقاً من ذلك، كلّف مجلس وزير المال بطرح هذه الاسئلة على رؤساء الكتل النيابية الاساسية والعودة بالاجوبة الى مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة امس. نفّذ الوزير خليل المهمّة وعاد بأجوبة متناقضة عكستها مداخلات الوزراء امس، فاعلن وزير الخارجية جبران باسيل ان موقف تكتل التغيير والاصلاح هو عدم ربط السلسلة بالموازنة، وعدم اقرار الموازنة قبل انجاز كل الحسابات المالية النهائية للدولة وتقديمها الى السلطات المعنية. فيما اعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل اشرف ريفي ان كتلة المستقبل مع السلسلة في الموازنة، ولم يشيرا الى مشكلة قطع الحساب إلا عرضياً. أمّا الوزير محمد فنيش، فأعلن باسم حزب الله أنه مع السلسلة في الموازنة، بل مع ادخال موادها وجداولها وليس فقط كلفتها، وانه مع اعطاء ضمانات لإقرارها في مجلس النواب. امّا الوزراء المحسوبون على رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان فاعلنوا رفضهم لوضع كلفة السلسلة في الموازنة… وهكذا دواليك.
لم تكن هيئة التنسيق النقابية بحاجة الى دليل على عدم وجود اي نيّة، لإمرار مشروع السلسلة، لدى اكثرية الاحزاب التي تمثّلها قيادتها الآن. بقيت حتى جلسة مجلس الوزراء، امس، تؤدّي الوظيفة التي حددتها لها هذه الاحزاب: اي «ضبضبة» قواعد الاساتذة والمعلمين والموظفين، واحباط غضبها وتململها من زعاماتها الطائفية، وايهامها بأن مشكلة السلسلة كانت تكمن في قيادة حنا غريب لتحركات ضاغطة في الشارع، على مدى 3 سنوات، وتبنيه خطاباً عامّاً سقفه عال ضد «حيتان المال» و»الحرامية». بقيت قيادة الهيئة تكرر أن ما تقوم به هو «تغيير في الاساليب» وليس في «المطالب»، بمعنى ان «الضغط لن يوصل الى نتيجة، وأن هناك التزاماً من القوى السياسية المختلفة بإمرار السلسلة بهدوء، وان لا مصلحة لروابط الاساتذة والمعلمين والموظفين بربط مصالحها بعضها ببعض او بربطها بمصالح فئات اجتماعية اخرى تتوق الى مظلة تتحرك تحتها… في الواقع، لم تفعل القيادة الجديدة لهيئة التنسيق النقابية في الفترة الماضية الا تشجيع الفئات التي تمثّلها على التصادم والخروج من دائرة الفعل والوقوف موقف «المتفرّج» وانتظار «عجيبة» تنقذ ماء الوجه.
امس، بعد اعلان البيان الصادر عن مجلس الوزراء، دوّت الصفعة على وجه قيادة الهيئة. فما حصل دلّ بوضوح على ان السلسلة لن تقرّ الا بالقوّة، وان الهيئة ليس لديها خيار سوى العودة الى الشارع وممارسة الضغط المباشر اذا كانت تريد فعلاً تمثيل مصالح من تدّعي تمثيلهم. لقد انتظرت الهيئة الى ما بعد نعي مجلس الوزراء للسلسلة والموازنة معاً لتعلن انها ستعود الى «اساليب حنّا غريب الخاطئة»، واعلنت في مؤتمر صحافي أن «الإضراب بعد غد الخميس، هو أول الغيث على سلم الخطوات التصعيدية التي سنحددها خطوة خطوة، أولها اضراب وتظاهرة مركزية في بيروت في 6 أيار وخطوات تصعيدية لاحقة تهدد نهاية العام الدراسي وتشل الادارات العامة، والمسؤولية في كل ذلك تقع على من ماطل وسوّف وأجل إقرار الحقوق لأصحابها».