“هل من أحد يخلصني من هذا الكاهن المضطرب؟” هذا هو السؤال الذي من المفترض أن سأله الملك هنري الثاني بخصوص رئيس الأساقفة توماس بيكيت.
يجب على وولفجانج شويبله، وزير المالية الألماني، التفكير بنفس الطريقة التي يفكر بها شركاؤه اليونانيون. بالنسبة للملك الإنجليزي، على أي حال، كان إشباع رغباته عبارة عن كارثة، ومن المرجح أن يحدث شيء مماثل لهذا في حالة مغادرة اليونان. نعم، إذا تعرضت اليونان للمعاناة من آثار مفجعة، فإن الحملات الشعبوية في أماكن أخرى قد تكون أقل فاعلية.
غير أن عضوية اليورو ستتوقف عن أن تكون غير قابلة للنقض، وكل أزمة يمكن أن تتسبب في توقعات تعمل على زعزعة الاستقرار.
خروج اليونان قد يساعد اليونان نفسها. يعتقد كثيرون أن دراخما جديدة ضعيفة توفر مسارا غير مؤلم نحو الازدهار. إلا أن ذلك فقط من المحتمل أن يكون صحيحا في حالة استطاع الاقتصاد بسهولة أن يتوسع في إنتاجه لسلع وخدمات قادرة على المنافسة دوليا. غير أن اليونان لا تستطيع، ومن المرجح أن تشمل العواقب الفورية الرقابة على الصرف، وحالات الإعسار عن التزامات الديون، ووقف القروض الخارجية، ومزيد من الاضطرابات السياسية.
يمثل المال المستقر شيئا ما، ولا سيما في دولة إدارتها سيئة، حيث إن التخلي عنها يأتي مقابل ثمن.
إنه خطأ اليونان. لم يكن أي أحد مرغما على إقراض اليونان. في البداية، كان المقرضون من القطاع الخاص سعداء بإقراضهم الحكومة اليونانية، بنفس الشروط التي أقرضوا على أساسها الحكومة الألمانية.
على أن طبيعة السياسة اليونانية، التي وصفت بصورة مقنعة في كتاب بعنوان “مهمة هرقل رقم 13” الذي كتبه يانيس باليولوج، لم تكن سرية.
من ثم، في عام 2010، بات من الواضح أنه لن تتم إعادة تسديد المال. بدلا من الموافقة على عمليات الشطب التي كانت لازمة آنذاك، قررت الحكومات (وصندوق النقد الدولي) إنقاذ الدائنين من القطاع الخاص عن طريق إعادة تمويل اليونان.
هكذا، بدأت لعبة “التمديد والتظاهر”، حيث يخسر المقرضون الأغبياء أموالهم. وهذا كان دائما هو الحال وما زال هو الحال إلى يومنا هذا.
لم تفعل اليونان أي شيء. لقد خضعت لتسوية ضخمة لتعاملاتها الخارجية والمالية العامة. ما بين عامي 2009 و2014، وتشددت الموازنة المالية العامة (قبل الفائدة) بنسبة 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويقف العجز المالي الهيكلي بنسبة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وميزان الحساب الجاري بنسبة 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ما بين الربع الأول لعام 2008 والربع الأخير من عام 2013، انخفض الإنفاق الحقيقي للاقتصاد اليوناني بنسبة 35 في المائة والناتج المحلي الإجمالي بنسبة 27 في المائة، بينما ارتفعت البطالة بنسبة 28 في المائة من القوة العاملة.
تعتبر هذه تعديلات ضخمة، وفي الواقع، واحدة من المآسي المتعلقة بالطريق المسدود حول شروط الدعم هي أن التعديل قد حصل. لا تحتاج اليونان إلى موارد إضافية.
سيقوم اليونانيون بالتسديد. هذه الأسطورة مستمدة جزئيا من رفض الاعتراف بالتكاليف المعدومة. يكمن كل من الإقراض السيئ والتكيف لوقف هذا الإقراض في الماضي.
ما هو مفتوح الآن هو ما إذا كان اليونانيون سيعملون على تكريس العقود القليلة المقبلة، لإعادة تسديد كمية هائلة من القروض لم يكن ينبغي أبدا اقتراضها.
ما يجعل هذا الأمر أسوأ بكثير هو أن عبء الديون قد تضاعف، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، رغم حدوث إعادة الهيكلة، منذ الأزمة.
الصفح أمر لا مفر منه، وفي الواقع، يشير تقرير صادر عن مركز بحوث السياسة الاقتصادية إلى أن الديون المفرطة تخيم على منطقة اليورو، وليس فقط على اليونان.
الإعسار يقتضي خروج اليونان. الأسطورة السادسة هي أنه إذا أصيبت اليونان بالإعسار، فإن عليها أن تنشئ عملة جديدة وبالتالي تغادر منطقة اليورو.
من الممكن أنه في حال إعسار الحكومة اليونانية، ألا تكون المصارف اليونانية مؤهلة للحصول على مساعدات إقراض طارئة من البنك المركزي اليوناني.
إذا كان الأمر كذلك، يكاد يكون من المؤكد أن على المصارف فرض وقف على عمليات السحب، وقد يكون هنالك حتى إيقاف لعمليات الدفع.
يجادل البعض بأن البنك المركزي الأوروبي قد لا يكون لديه حق بعد ذلك، في أن يتوقف عن التصرف كمقرض الملاذ الأخير بالنسبة للمصارف اليونانية، ما ينبغي للمصرف الاحتياطي الفيدرالي فعله في التوقف عن الإقراض للمصارف في ديترويت، بعد تعثر حكومتها.
هنالك فرق. لم يكن من المحتمل لأي مصرف أمريكي كانت لديه تعاملات كبيرة مع ديترويت لأن يصبح عديم الملاءة بسبب تعثرها. غير أنه في منطقة اليورو، التي تمتلك 19 سوقا مصرفية منفصلة، بحيث تكون هنالك واحدة لكل عضو، مع وجود السيادية التي تلوح في الأفق بشكل كبير في كل واحدة منها، فإن الإعسار من جانب إحدى الحكومات يمكن أن يؤدي إلى إفلاس المصارف الوطنية.
لم يكن يجدر بالبنك المركزي الأوروبي أن يعطي قروضا إلى مصارف تفتقر إلى الملاءة بهذا الشكل الواضح. عندها سيكون السؤال هو كيفية الاستجابة. ربما يكون من الممكن إدارة الاقتصاد اليوناني من خلال تشغيل محدود لمصارف اليونان.
الحكومة اليونانية العطشى للنقدية ربما تدفع من خلال سندات دين يمكن أن تقبلها باعتبارها دفعات لالتزامات مستحقة على نفسها. وفي حين إن هذا الإجراء غير مرغوب، إلا أنه ممكن.
مثل هذا التحطيم للخرافات لن يعطي حلا مرضيا. ستكون بداية. أفضل نتيجة ستكون على شكل صفقة تشتمل على تخفيض دائم في عبء الديون بعد إكمال الإصلاحات في تشغيل الاقتصاد اليوناني والطبقة السياسية.
يبين بالايولوجوس أن اليونان تعاني مشكلة في التنمية أكثر من كونها مجرد مشكلة في الإصلاح الاقتصادي. إلا أن الصفقة التي من هذا القبيل لن تنجح إلا إذا التزم بها اليونانيون. هناك أسطورة سابعة – وربما أخطرها جميعا – مفادها أن الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها تحت الضغط ستنجح. لكنها نادرا ما تفعل.
إذا لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق من هذا القبيل، فإن أقل النتائج سوءا ربما يكون في قبول واقع الإعسار، وأن نترك لليونان أن تقرر ما تريد أن تفعل. هذا بالتأكيد سيكون نتيجة سيئة.
على أن السؤال هو: من الشخص الواثق الآن من الحصول على نتيجة أفضل؟