ناتاشا بيروتي
حملة «سلامة الغذاء» التي ضجّ بها لبنان مستمرة، دهم واقفالات بالجملة والهدف اصلاحي بحت، الفساد الغذائي يضرب صحة اللبنانيين دون رحمة كما الفساد الاقتصادي والمالي الذي يرهق جيوب المواطنين، الى الفساد السياسي القائم على المحسوبيات. صحيح ان لبنان بحاجة ماسة الى حملات اصلاحية لانقاذه من طاعون يفتك باجساد ابنائه ويهدد حياتهم بالموت، ولكن تبقى قضايا الفساد الغذائي لا متناهية، فيوماً بعد يوم تطل علينا الفضائح الغذائية بكل «وقاحة» بشكل ونوع جديد. تشتد موجة الغضب والهلع، إعلامياً وشعبياً وحتى اقتصادياً بعد كل فضيحة غذائية، إلا أنها تبقى كغيرها من الأمور موجة عابرة، ففي بلد مثل لبنان احوج الى كل قطرة دعم، ما مدى تأثير حملة وزير الصحة وائل ابو فاعور على الاقتصاد اللبناني؟
يشير الخبير الاقتصادي وليد ابو سليمان الى انه لا يمكن الحديث عن تأثيرات كبيرة مؤثرة لحملة الوزير وائل أبو فاعور على الاقتصاد بشكل خاص لا سيما وأنّ المؤشرات الاقتصادية لم تسجل أي تغيرات فعلية أو جدية نتيجة إجراءات وزراة الصحة، مع أنّها تسببت في بدايتها بصدمة في القطاع السياحي، الا أنّ الأمور عادت الى طبيعتها مع الوقت، لا بل وزادت حركة ارتياد المطاعم بنسبة 20% ما يعني أنّ اللبنانيين لم يفقدوا ثقتهم بهذا القطاع كما اعتقد البعض.
وعن الخطوات التي يجب اعتمادها لحماية الاقتصاد، يؤكد ان لا ضرورة لأي إجراءات لحماية الاقتصاد طالما أنّه لم يتأثر بشكل دراماتيكي بحملة «سلامة الغذاء»، ولكن بالعكس فقد استعاد المستهلكون ثقتهم بالمنتجات الوطنية سواء كانت صناعية أو زراعية كما القطاع السياحي الذي استعاد حيويته.
وفي ما يتعلق باستمرارية الحملة وانعكاساتها على الاقتصاد، يشير ابو سليمان الى ان الاقتصاد لن يتدهور وان واصل ابو فاعور حملته، وكما ذكرنا فإن تأثيرات الحملة على الاقتصاد محدودة جداً، ولا خشية عليه.
وعن تأثير الحملة على التجار واصحاب المطاعم يقول: طبعاً، لقد تأثر التجار وأصحاب المطاعم بالإجراءات الأولى للحملة لا سيما حين أعلنت أولى لوائح المطاعم غير المطابقة للمواصفات، ما سبب الذعر في نفوس المستهلكين. ولكن في مرحلة لاحقة بعدما عالجت المطاعم المعنية مواقع الخلل التي كانت تعاني منها نتيجة إصرار وزارة الصحة على تصحيح أوضاعها، تخطت تلك الصدمة وعادت طاولاتها تعجّ بالرواد.
اما بالنسبة لدقة الفحوصات التي تمت على اللحوم والدجاج النيء، وعن مدى نقل هذه اللحومات بطريقة آمنة، يوضح ان المرحلة الأولى من الحملة كشفت عن ضغط تعرضت له المختبرات المتعاقدة مع وزراة الصحة نظراً لكثرة العينات التي أرسلت اليها، ما قد يكون ذلك قد تسبب ببعض الأخطاء والعشوائية في التعاطي، وهذا الأمر وارد.ولهذا لا بدّ من تطوير المختبرات المتعاقدة مع وزراة الصحة لتفادي هذه الأخطاء واتمام المهمة على أكمل وجه.
وعما لو كبدت حملة «سلامة الغذاء» ميزانية وزارة الصحة نفقات اضافية،
يقول ابو سليمان: لا أعتقد ذلك، إذ إنّ المراقبين الصحيين الذين قاموا بمهمة التفتيش هم من الموظفين أو المتعاقدين مع وزارة الصحة، وبالتالي من ضمن ملاكها الإداري. وهذا يعني أن الوزارة لم تتكلف أي نفقات إضافية. ولهذا أيضاً نطالب باستمرار هذه الحملة وتحويلها الى ثقافة عامة لا ترتبط فقط بوزير معين او بمرحلة معينة.
بما ان الوزارات تتسابق من اجل شن حملات اصلاحية، ليت كل وزارة كل حسب تخصصها، من مقاومة اهتراء الدولة ومكافحة الفساد الاداري والمالي المستشري في الدوائر الرسمية، ومكافحة التهرب الضريبي، والحد من التدميرالممنهج لمرافق الدولة، وضع حد لازمتي المياه والكهرباء التي يعاني منهما المواطن اللبناني، وغيرها الكثير من المظاهر «المدمرة»، كي لا نترك مجال لتطبيق مقولة «يد تبني ويد تقاتل». لذا لا بد تفعيل آليات المحاسبة والرقابة ليس على «الفساد الغذائي» فحسب، بل على كل اشكال الفساد وانواعه والبدء بتعليق المشانق للفاعلين ومن دون تغطية من السياسيين الفاسدين.