بدا جلياً ان وطأة الفراغ في سدة الرئاسة الاولى تستولد أزمات داخلية يُخشى ان تضع مجمل النظام اللبناني على المحك، وهي أزمات تتخذ كل مرة عنواناً جديدأً، وآخرها مشروع موازنة 2015 الذي بدأ مجلس الوزراء بمناقشته وسط تعقيدات لا تشي بقرب إحداث كوة في جدار ملف الموازنات العالق منذ عقد من الزمن، اضافة الى التحضير لجلسات تشريعية لمجلس النواب في وقت يشهد البرلمان أزمة تعطيل دوره ايضاً بفعل الخلاف على دستورية عقد هذه الجلسات وسط استمرار أزمة الفراغ الرئاسي. ثم ان اتجاه العماد ميشال عون الى تصعيد معركته السياسية لمنْع التمديد للقيادات الامنية والعسكرية ولا سيما منهم قائد الجيش العماد جان قهوجي وتلويح أوساطه بـ “مفاجآت” اذا لم يُعين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، وهو صهر عون، قائداً جديداً للجيش، سيشكل بدوره ملفاً حساساً من شأنه خلط الأوراق السياسية في وقت لا يبدو ان عون سيتراجع عن هذا التصعيد.
وأعربت أوساط سياسية واسعة الاطلاع ومواكِبة للحركة الجارية في صدد هذه الملفات عن اعتقادها عبر صحيفة “الراي” الكويتية ان شهر ايار المقبل عموماً سيشكل ساحة اختبار مهمة للستاتيكو الداخلي في ظل اندفاع هذه الملفات او المسارات المتلازمة بما يفرض على القوى السياسية والكتل النيابية اتخاذ مواقف حاسمة من اتجاهاتها المختلفة وبما يضع الاستقرار السياسي الداخلي امام امتحان دقيق وصعب.
وبحسب هذه الأوساط، فان الملفات الثلاثة المذكورة أعلاه التي باتت مطروحة وقيد المعالجة والتشاور سواء في مجلس الوزراء او مجلس النواب او في الكواليس السياسية والحزبية، ليس ثمة توافقات على ايّ منها ولا يبدو ان امكانات التفاهمات العريضة ستكون طريقها معبّدة بسهولة. ففي مشروع الموازنة ثمة عقدتان تتمثلان في موضوع دمج الموازنة بملف سلسلة الرتب والرواتب، وفي تسوية ملف الموازنات القديمة العالقة (قطع الحساب).
وفي ملف عقد جلسات تشريعية لمجلس النواب تحت عنوان تشريع الضرورة لا تزال الكتل المسيحية الثلاث (“القوات اللبنانية” والكتائب وتكتل عون) ترفض عقد مثل هذه الجلسات كل من منطلقه قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويُستبعد تماماً قبولها الا بمواضيع شديدة الالحاح وعدم توسيع اطار جدول أعمال اي جلسة على غرار الاتجاه الذي كان برز في اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب.
وكان بارزاً حيال هذا المناخ الذي يعني حكماً تعطيل امكان عقد اي جلسة تشريعية يغيب عنها المكون المسيحي، رفع رئيس البرلمان ما يشبه “البطاقة الصفراء” بوجه الجميع معلناً انه “إذا كانوا يصرّون على تعطيل مجلس النواب فأنا سأطالب بحَلّه عملاً بالدستور، بحيث إنّني سأطلب من رئيس الجمهورية عندما أهنّئه بانتخابه أن يطلب من مجلس الوزراء اتّخاذَ قرار بحَلّ مجلس النواب بسبب امتناعِه عن الاجتماع طولَ عقدٍ عاديّ كامل من دون أسباب قاهرة”.
اما ملف التعيينات الأمنية والعسكرية الذي شرع في فتحه مبكراً العماد عون، فان غموضاً واسعاً بدأ يتشكل حوله نظراً الى مجموعة اعتبارات، من أبرزها ان ثمة أكثرية واضحة لدى الأفرقاء السياسيين تؤيد التمديد لهذه القيادات خشية اي تأثيرات حالية على واقع الجيش وقوى الامن الداخلي، في حين بدا ان اندفاع عون في وضع الجميع أمام أمر واقع مهدِّداً بردّ من “حيث لا يتوقعون” بمثابة التكيّف مع واقع عدم مجاراة حلفائه له في اي خطوة يمكن ان تهزّ الواقع الحكومي كمقاطعة الحكومة او الاستقالة منها.