تتخوف مصادر وزارية لبنانية وأخرى نيابية من أن ينسحب الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية على حكومة “المصلحة الوطنية” إذا ما تعذّر عليها إقرار مشروع قانون الموازنة للعام الحالي وإحالته على البرلمان لمناقشته والتصديق عليه، وأيضاً على المجلس النيابي، بسبب إصرار الكتل النيابية المسيحية على مقاطعة جلسات “تشريع الضرورة” على رغم أن لدى كل كتلة فيها اعتباراتها التي تملي عليها وضع شروط في مقابل موافقتها على التشريع.
وتؤكد المصادر لصحيفة “الحياة” أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يتريث في دعوة الهيئة العامة للبرلمان إلى عقد جلسة تشريعية، وتعزو السبب إلى أن هذه الجلسة ستفتقد إلى الميثاقية في ظل مقاطعة الكتل المسيحية، وبالتالي سيسعى إلى تحقيق فك ارتباط بين هذه الكتل تجيز له تحديد موعد لعقد الجلسة بعد أن يضمن أن المقاطعة لها لن تشمل جميع هذه الكتل.
وتلفت إلى أن حزب “الكتائب” لا يزال على موقفه مقاطعة الجلسات النيابية ما لم يتم أولاً انتخاب رئيس. وتعتقد أن لديه سبباً آخر هو أن الحزب يخشى وجود تفاهم من تحت الطاولة بين “تكتل التغيير والإصلاح” وحزب “القوات اللبنانية”، وأنه من خلال مقاطعته الجلسات يعيق حصول تقدم في الحوار القائم بينهما.
ومع أن هذه المصادر تستغرب إمكان توصل “تكتل التغيير” و “القوات” إلى اتفاق ناجز، وتؤكد أن ما يعيقه يكمن في إصرار العماد ميشال عون على الترشح لرئاسة الجمهورية، فإنها في المقابل تعتقد أن “الكتائب” يريد أن “يقلب الطاولة” بعد أن أصبح أسيراً لمزايداته الشعبوية في الشارع المسيحي.
وترى المصادر أن “القوات” ليس ضد عقد جلسة “تشريع الضرورة” في المطلق، وهذا ما كشف عنه النائب أنطوان زهرا في الاجتماع الأخير لهيئة مكتب المجلس برئاسة بري، بقوله إنه مع أي جلسة تشريعية شرط أن يتضمن جدول أعمالها أي بند يؤدي إلى إعادة تكوين السلطة، ويقصد به إدراج قانون الانتخاب الجديد على جدول أعمالها. وتعتقد أن “القوات” بموقفه هذا يريد أن يقطع الطريق على من يزايد عليه “شعبوياً” في الشارع المسيحي، وتقول إنه قد يعيد النظر في موقفه مقاطعة الجلسات التشريعية إذا ما أدرج مشروع قانون الموازنة على جدول أعمالها، وهذا ما نوقش أمس على هامش تطيير الجلسة المخصصة لانتخاب الرئيس بين رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة والوزير نبيل دي فريج والنواب مروان حمادة، جورج عدوان، جمال الجراح وغازي يوسف.
وتؤكد أن “القوات” لم يغلق الباب كلياً في وجه الجهود الرامية لتهيئة الأجواء أمام عقد الجلسة، وتقول إن السنيورة تداول مع حمادة وعدوان في موضوعين آخرين هما قانون الانتخاب في ظل استمرار الاختلاف بين الكتل النيابية حول أبرز بنوده وتسهيل تشكيل المجلس الوطني لقوى “14 آذار” في ظل تعثر الجهود الهادفة إلى الإسراع في تأليفه.
وبالنسبة إلى موقف عون من الجلسة التشريعية تقول المصادر إنه لن يشارك في أي جلسة ما لم يدرج على جدول أعمالها بندان هما اكتساب الجنسية ورفع سن التقاعد للعسكريين، اللذان هما الآن موضع اختلاف بين الكتل النيابية.
تسأل المصادر عن صحة ما يتردد عن وجود اتفاق ضمني بين “التغيير” و”حزب الله” يقضي بتوزيع الأدوار بينهما، وإلا لماذا وافق وزير الخارجية جبران باسيل في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء المخصصة لدراسة مشروع الموازنة، على أن تكون سلسلة الرتب والرواتب في صلب المشروع، خلافاً لرأي الوزير محمد فنيش الذي اعترض على إلحاقها بالموازنة؟
وتضيف أن المواقف سرعان ما تبدلت في الجلسة الثانية لمجلس الوزراء، إذ أيد فنيش إلحاق السلسلة بالموازنة خلافاً لرأي باسيل الذي انقلب على موقفه السابق. وتتابع المصادر أن موقف “تكتل التغيير” سرعان ما تبدل في الاجتماع الذي عقده وزير المال علي حسن خليل مع العماد عون في الرابية، حيث أبدى الأخير مرونة وتفهماً للملاحظات التي عرضها خليل في حضور رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان، الذي أبدى تشدداً رد عليه زميله وزير التربية إلياس بوصعب في لقائه مع عدد من النواب، بأنه هو المسؤول عن هذا الملف وبالتالي لا مشكلة في تعديل موقف كنعان.
إلا أن توزيع الأدوار بين “تكتل التغيير” و “حزب الله” لم يقف عند حدود الموازنة، وإنما سرعان ما تمدد إلى ملف رئاسة الجمهورية، إذ إن العماد عون، وفق هذه المصادر، لا يزال يرفض إخلاء الساحة لمصلحة البحث عن مرشح ثالث، باعتبار أن لا مشكلة لدى رئيس حزب “القوات” سمير جعجع في هذا الخصوص.
ونقلت المصادر عما دار في اجتماع عقد بين عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي، وقالت إن الأخير أبلغ زواره أنه لم ينجح حتى الساعة في إقناعه بإخلاء الساحة لمصلحة مرشح ثالث لرئاسة الجمهورية.
ويؤكد الزوار أن لا مجال لإقناع عون بالانسحاب من معركة رئاسة الجمهورية لاعتقاده أنه وحده ينتخب في نهاية المطاف رئيساً للجمهورية، لأن المتغيرات التي تشهدها المنطقة تصب لمصلحته دون الآخرين.
وتمنى عون على البطريرك الراعي الانتظار لأشهر عدة ريثما تستقر التطورات الجارية في المنطقة على معطيات جديدة ستدفع في اتجاه انتخابه رئيساً للجمهورية.
واستعان الراعي بـ “حزب الله” لعله ينجح في إقناع حليفه عون بأن يخلي ساحة الرئاسة لمصلحة التفاهم على مرشح توافقي، خصوصاً أن جعجع لم يعد عائقاً أمام التوافق، وهو كان أعلن موقفاً في هذا الخصوص. وكان رد “حزب الله” أنه حاول في السابق، عندما نجح في إقناعه بالانسحاب من معركة الرئاسة لمصلحة العماد ميشال سليمان، لكن لا جدوى اليوم من تكرار مثل هذه المحاولة.
ونفى “حزب الله” أمام الراعي ما يقال من أنه لا يساعد على انتخاب الرئيس، وقال له إنه مع انتخابه في أي ساعة من دون أن يبرر سبب مقاطعته جلسات الانتخاب، مكرراً قوله إنه لا يمون على عون ليخلي الساحة الرئاسية.