حذّرت شركة فوسفات قفصة الحكومية التونسية من أن استمرار إضرابات العمال، سيدخل قطاع الفوسفات الذي يعدّ شريانا ماليا حيويا، في نفق مظلم. وقالت إن استمرار تدهور الإنتاج سيؤدي إلى صعوبات في سداد الأجور في الأشهر القادمة.
تراجع إنتاج الفوسفات في تونس بشكل حاد، بسبب موجات من الإضرابات العمالية التي أدت إلى تعطل الإنتاج في أكثر من مرّة، في الوقت الذي تسابق فيه الحكومة التونسية الزمن لاحتواء التوترات الاجتماعية التي عمّقت جراح الاقتصاد التونسي المتعثر.
وتوقع مسؤولون في شركة فوسفات قفصة العاملة في الحوض المنجمي في جنوب البلاد، أن يتواصل تراجع إنتاج الفوسفات بوتيرة مقلقة، وقالت إن وضع القطاع قد يصبح كارثيا إذا استمر تعطل الإنتاج بسبب الإضرابات العمالية.
وأعلن موظفو وعمال شركة فوسفات قفصة في جميع أقاليم الشركة في جنوب تونس الدخول في إضراب، للضغط على الحكومة للحصول على منحتي التشجيع والإنتاج.
وتسبب الإضراب في تعطيل عمليات استخراج الفوسفات ونقله في كامل المؤسسات التابعة للشركة في كل من المتلوي والرديف وأم العرائس التي تشكل أحواض الإنتاج الرئيسية.
وتعطل الإنتاج مرارا في منطقة الحوض المنجمي في قفصة منذ ثورة يناير 2011، بسبب الإضرابات العمالية واحتجاجات عاطلين عن العمل في جنوب البلاد للمطالبة بالحصول على فرص عمل.
وقالت مصادر حكومية، إن عددا من العاملين في القطاع والعاطلين عن العمل دخلوا منذ أكثر من شهر في اعتصام مفتوح احتجاجا على عدم قبولهم للعمل في بعض مواقع وإدارات شركة فوسفات قفصة.
كما شمل الاعتصام مواقع استخراج وإنتاج الفوسفات في كاف الدور وكاف الشفائر وأم العرائس في محافظة قفصة وفي محطات إمداد الشركة بالمياه، إضافة إلى محطتي السكك الحديد في مدينتي الرديف وأم العرائس المخصصتين لنقل الفوسفات.
وتحتل تونس المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج الفوسفات، بمعدل إنتاج بلغ قبل ثورة يناير حوالي 8 ملايين طنّ سنويا، لكن حجم الإنتاج تراجع بشكل حاد ليصل في العام الماضي إلى نحو 4 ملايين طن، فيما بلغ خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 650 ألف طن.
وأدى تعطل الإنتاج بسبب الإضرابات الى خسائر بملايين الدولارات، كما فقدت تونس عددا من الأسواق العالمية التي غيرت وجهتها نحو المغرب المنتج المنافس الذي يتمتع بجودة الإنتاج واستقراره.
وقال عزالدين البراني أحد كبار مسؤولي شركة فوسفات قفصة، إن الإنتاج متوقف تماما منذ شهر تقريبا، وأن عدد العاملين في الشركة تضاعف خلال السنوات القليلة الماضية، ما أثقل كاهلها بشكل كبير.
وأوضح أن عدد العاملين الجدد في الشركة ارتفع منذ 2011 ليصل إلى نحو 7 آلاف عامل، ودعا إلى إنقاذ الشركة، التي قال إنها يمكن أن تحقق عائدات مالية للدولة تفوق ملياري دولار سنويا.
وقبلت الشركة في عهد الائتلاف الحاكم الذي قادته النهضة الإسلامية، توظيف آلاف من العاطلين لاحتواء التوترات الاجتماعية.
وكان زكريا حمد وزير الصناعة التونسي قد عبّر في الشهر الماضي، عن قلقه وحذر من أن تراجع الإنتاج بسبب تواصل الإضرابات قد يخرج تونس من الأسواق العالمية.
لكنه أكدّ أن الحكومة تعمل على حلّ مشاكل التوترات الاجتماعية وإضرابات عمال المناجم، وأنه يفضّل الحوار على التصعيد لإنهاء التجاذبات في الحوض المنجمي. وقال أسامة نصري رئيس جمعية العاملين في شركة فوسفات قفصة، إن الأوضاع التي تعيشها الشركة كارثية، نظرا لتعطل الإنتاج وتزايد الاعتصامات في مواقع الإنتاج التابعة للشركة.
وطالب بفض الاعتصامات لاستئناف نشاط تصدير الفوسفات للأسواق العالمية، مشددا على ضرورة البحث عن حلول عاجلة بين النقابات والحكومة، لتأمين استمرار نشاط الشركة ومواصلة إنتاجها بشكل طبيعي.
وأضاف نصري أن إنتاج الشركة خلال الربع الأول من العام الجاري انخفض إلى 650 ألف طن مقارنة بنحو مليوني طن في الربع الأول من عام 2010، مشيرا إلى أنه في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإن الشركة ستعجز عن دفع أجور العاملين.
وأنشأت شركة قفصة عام 1887، لإنتاج الفوسفات الذي يستخدم كمادة خام في عدد من المنتجات الزراعية والصناعية، وقد تزايد الإنتاج منذ ذلك الحين ليصل الإنتاج إلى نحو 8 ملايين طن سنويا قبل أن يهوي بعد ثورة يناير 2011 بأكثر من 50 بالمئة.
وكان رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد قد أعلن في وقت سابق من الشهر الحالي، تشكيل مجلس وزاري مصغر لمعالجة الأزمة، في إطار مساعي الحكومة لتذليل العقبات وزيادة إنتاج الفوسفــات.
وقام وفد حكومي بزيارات ميدانية للمحافظة للوقوف على مشاكل التنمية جنوب البلاد وإيجاد الحلول العملية لها.
كما دعا الصيد إلى القيام بعملية تدقيق في أساليب إدارة شركة فوسفات قفصة وفــروعها، دعــما لقــواعد الحوكمة الرشــيدة.
وبلغ الوضع الاقتصادي في تونس بعد فترة انتقال سياسي صعبة، مستوى حرجا، حيث تشير بيانات رسمية إلى أن العجز التجاري السنوي بلغ حوالي 7 مليارات دولار، وهو مستوى قياسي، فيما وصلت نسبة الدين العام ما يعادل نحو 53 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.