Site icon IMLebanon

السلطات الجزائرية تستعد لإعلان إجراءات تقشفية قاسية

Algeria-Protesters
كشفت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن السلطات الجزائرية تستعد لشد أحزمة التقشف بطريقة لم يسبق لها مثيل، ورجحت أن يدفع إجراء التقشف حالة الغضب الشعبي الواسع إلى الانفجار.

أكدت مصادر مقربة من الحكومة الجزائرية لـ”العرب” أن الحكومة الجزائرية ستتخذ خلال الأسابيع المقبلة، جملة من التدابير التقشفية، في محاولة مستميتة للخروج من الأزمة المالية الناتجة عن تراجع العوائد النفطية.

وقالت إن قانون الموازنة التكميلية، الذي تعكف الحكومة على إعداده قبل عرضه على البرلمان في يوليو المقبل، سيكون الإطار الذي تكشف فيه عن إجراءات “شد الحزام”، في ظل انتقادات واسعة للسياسة الاقتصادية التي يهيمن عليها الفساد.

وأوضحت أن القانون سيتضمن إعادة النظر في السياسة الاقتصادية، بعد أن وجدت السلطات نفسها مضطرة لمواجهة تداعيات تراجع مداخيل الخزينة العمومية إلى مستويات قياسية لم تسجل منذ العام 2000.

وكشفت المصادر أن الموازنة التكميلية ستستند إلى “سعر مرجعي لبرميل النفط عند 10 دولارات، لأول مرة منذ 20 عاما، الأمر الذي يعكس حجم المخاوف التي تحاصر السلطات الجزائرية.

وأضافت أن الإجراءات المنتظرة، تتضمن التضحية بالاستثمارات الحكومية في المشاريع العمومية والبنى التحتية، التي تشغل جانبا كبيرا من الأيدي العاملة في البلاد، الأمر الذي يعرض الجبهة الاجتماعية إلى متاعب جديدة، خاصة فيما يتعلق بالتشغيل ومحاربة البطالة.

وأضافت المصادر أن اتساع العجز التجاري وتراجع احتياطات النقد الأجنبي إلى 179 مليار دولار واللجوء المفرط لصندوق ضبط الإيرادات لتغطية عجز الموازنة، كلها مؤشرات تعكس حجم المخاطر التي تهدد الاقتصاد الجزائري، خاصة في ظل ارتفاع الواردات لمستويات قياسية فاقت 65 مليار دولار.

وفي إجراء استباقي لمواجهة الوضع أقرت الحكومة في الآونة الأخيرة، عدة إجراءات تتعلق بالتجارة الخارجية واستنزاف العملة الصعبة، حيث كشفت عن تطبيق الترخيص الإداري على عمليات الاستيراد، من أجل تقليص حجم الواردات، وتشجيع المنتوجات المحلية.

كما عززت الرقابة على عمل البنوك والمصارف والضرائب والجمارك، في أعقاب اكتشاف تسيب وفساد يستنزف العملة الصعبة تحت ذرائع الاستيراد، إذ تم الكشف في بعض الأحيان عن حاويات من القمامة وفضلات مواد البناء في موانئ البلاد كواردات.

وقال رئيس الوزراء عبدالمالك سلال الأسبوع الماضي في ندوة التجارة الدولية إنه “أصبح من الضروري تقليص فاتورة الاستيراد التي سبق أن دفعت الحكومة للجوء إلى احتياطي العملة في نهاية العام الماضي.

وأوضح أن قانون المالية التكميلي”سيتضمن قرارات وإجراءات تهدف إلى التحكم الأفضل في التجارة الخارجية، من خلال مكافحة الفساد والغش في تمويل الواردات ووضع حد للفوضى التي تميز هذا القطاع “.

ويقول اقتصاديون إن من بين 760 ألف شركة جزائرية، هناك 300 ألف منها لا تنتج شيئا وتعمل فقط في الاستيراد، في حين لا تمثل الصادرات خارج المحروقات إلا 3 بالمئة، الأمر الذي يكرس تبعية مفرطة لعوائد النفط.

وعجزت الحكومات المتعاقبة عن تنويع الاقتصاد، رغم المداخيل القياسية التي حققتها خلال 15 عاما الأخيرة والتي بلغت نحو 800 مليار دولار.

وعرفت الجزائر قفزة كبيرة في الواردات التي ارتفعت من 8 مليار دولار عام 2000 إلى 65 مليار دولار خلال العام الماضي. وتدعي الحكومة على لسان وزير التجارة عمارة بن يونس أن 63 بالمئة من الواردات موجهة لتحريك عجلة الإنتاج المحلي.

وأدى سوء إدارة الاقتصاد إلى ظهور لوبيات نافذة خارجة عن الرقابة الحكومية، تحتكر أنشطة التجارة الخارجية وتستنزف احتياطات العملة الصعبة. ويقدر مراقبون حجم تهريب الوقود إلى الدول المجاورة بنحو 5 مليار دولار.

وأكدت مصادر على صلة بالملف لـ”العرب” أن سوق استيراد السيارات يعد إحدى واجهات تهريب العملة وهي تكلف الدولة نحو 6 مليار دولار. وقالت إن بعض شحنات السيارات تستورد من مصانع سرية في الصين، وتصدر الفواتير من الولايات المتحدة بسعر يصل إلى ضعف سعرها الحقيقي.

ويقول محللون إن “الملفات التي أحيلت إلى القضاء في إطار محاربة الفساد، لا تمثل سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، لأن اللوبيات القوية تتحكم في الوضع، وهي تضاعف أسعار فواتير الواردات لتحتفظ بالفارق في حسابات خاصة.

ويعد الاقتصاد الموازي أو ما يعرف بالأسواق الفوضوية، التحدي الأكبر للحكومة الجزائرية بعدما بلغ حجمها نحو 40 مليار دولار بحسب رئيس الوزراء، الذي دعا إلى إعادة إدخالها إلى الاقتصاد الحقيقي.

وأكد “أن الكتلة المالية للاقتصاد الموازي أصبحت تفوق الأموال الموجودة في البنوك والمقدرة بحوالي 25 مليار دولار”.

ويقول الخبير الاقتصادي محمد حمادوش إنه “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الاقتصاد الموازي سيعادل الاقتصاد الرسمي بحلول عام 2020، حين يبلغ حجمه نحو 50 مليار دولار”.

ولم تستبعد مصادر مطلعة أن تلجأ الحكومة الجزائرية لوضع خطة للعفو الضريبي بغية امتصاص هذه السيولة، عبر السماح للشركات والأفراد بتسوية أوضاعهم وتشجعهم على ضخ أموالهم في المصارف.

لكن محللين يقولون إن ذلك قد يفتح أبواب “جهنم” على الحكومة، لأن تنفيذ الخطة سيمس ما يعرف في الجزائر بـ”القطط السمان”، وبالتالي سيكرس سياسة “اللاعقاب” ويقوي نفوذ اللوبيات.