IMLebanon

اقتصاد «المشاركة» ذو القيمة الاجتماعية

SharingEconomy
عبدالله بن ربيعان
حينما تكون مسافراً من مدينة إلى أخرى في السعودية أو في أي بلد عربي آخر، ستجد حتماً من يؤشر لك بيده على جانب الطريق لتوصله على طريقك في مقابل أجر قدره «جزاك الله خيراً»، ودعاء لوالديك بالرحمة، كما أنك تعرف حتماً صديقاً أو زميلاً تلجأ إليه للحصول على سلفة حسنة حينما تضيق بك الأمور وتحتاج لمبلغ نقدي بشكل عاجل.
في السعودية أيضاً وكما في معظم دول الضاد – وإلى وقت قريب – يحلف عليك قريب أو صديق بأنه سيضع لك مفتاح منزله تحت دواسة الأقدام عند الباب الخارجي، أو فوق عداد الكهرباء لتسكن في البيت الخالي خلال زيارتك للمدينة لأنه مسافر وعائلته خارج المدينة ولا حاجة لهم بالمنزل حالياً، وسيغضب عليك إن ذهبت لفندق أو شقة مفروشة.
بالتأكيد، هذه الأمثلة وغيرها من السلوكيات الاجتماعية الجيدة نابعة من تعاليم الدين الإسلامي، ومن تكافل المجتمع، وروح التآخي والمودة بين أفراده، وإن كانت بدأت تتلاشى وتضعف للأسف بسبب طغيان الحضارة المادية وتباعد الناس روحياً لا مكانياً.
في الغرب، انقطعت هذه السلوكيات منذ أعوام طويلة، فلن تجد أحداً يعرض عليك السكن في منزله مجاناً، ومؤكد أنك لن ترى أحداً يؤشر لك على الطريق لتوصله، وأما القرض الحسن فلا وجود له حتى بين الأخ وشقيقه. ولكن هذه السلوكيات عادت اليوم كسلوكيات اجتماعية ولكن من باب الاقتصاد وتحقيق العائد.
ففي تحقيق نشرته صحيفة «الغارديان» اللندنية يوم 8 نيسان (أبريل) الجاري، عنوانه «اقتصاد المشاركةThe Sharing Economy»، افتتحته الصحافية سوزان بيرنني Suzanne Bearne بقولها «لقد أصبحنا أمة من المستأجرين»We re becoming a nation of renters.
ويستعرض التحقيق أنشطة اقتصادية صغيرة بدأت تظهر وتؤثر في حجم الاقتصاد، فبدلاً من أن تشتري «سلماً» لتقلم أعالي الشجرة في حديقة منزلك مرة في العام ثم ترميه في المستودع، فلست محتاجاً اليوم لشرائه، وإنما يمكنك الدخول لموقع Street bank، ومعرفة من يملك من جيرانك السلم لتستعيره مجاناً أو في مقابل «بنسات» لاستخدام اليوم الواحد.
وإن تضايقت من زحام مدينة مثل لندن ولم تجد موقفاً لسيارتك، فما عليك سوى الدخول لموقع Just Park، وحجز موقف لسيارتك في مواقف أحد المنازل في المنطقة التي تزورها لقاء جنيهات قليلة.
وأما إن أردت الذهاب من لندن إلى باريس، فما عليك سوى الدخول لموقعBla bla car، وستجد أحدهم مسافراً إلى هناك لحاجة يقضيها وسيأخذك معه في المقعد المجاور للسائق في مقابل مبلغ لا يتجاوز 20 جنيهاً.
ولو كنت مسافراً فلا داعي لفنادق النجوم الغالية، فالدخول لموقع Airbnb أوOne fine stay سيجد لك سريراً في غرفة إضافية في منزل أحدهم في مقابل كلفة معقولة، وأما Girl meets dress فسيجعل ابنتك سعيدة بتبديل ملابسها ذات التصميم الفاخر دورياً في مقابل إيجار شهري أو سنوي قليل مقارنة بأسعار شراء هذه الفساتين.
وعند حاجتك لقرض مالي صغير فلا تحتاج أكثر من ضغطة زر على موقع rate setter، أو Zopa لتجد قرضاً يناسب حاجتك من شخص آخر عنده فائض من المال قليل ويرغب في إقراضه.
التحقيق أطول مما استعرضته السطور السابقة، ويتحدث عن أنشطة أكثر، ولكنه يؤكد أنه بحسب الدراسات فإن زبائن هذه المواقع يوفرون ما يزيد على 530 جنيهاً في موازناتهم الشخصية في العام، ويرى أن حجم هذه الأنشطة في تزايد، ومرشح للوصول إلى 15 بليون جنيه في بريطانيا بحلول 2025.
التقنية، وسهولة الدخول من أي مكان في العالم ساعدت على انتشار مثل هذه الأنشطة، وإن كانت – بحسب التحقيق – تواجه صعوبات تشريعية وقانونية، إلا أن كثيراً من روادها أشاروا إلى أن نجاحها ليس بسبب انخفاض الكلفة فقط، ولكن لأن هذه الأنشطة البسيطة تحقق قيمة اجتماعية Social value حينما يتشارك أفراد المجتمع ما يملك أفراده.
عربياً، وسعودياً، لدينا الكثير من القصص والأمثلة المشابهة، فعادة ما يلجأ بعض سكان المدن السياحية لتأجير منازلهم الخاصة في المواسم، كما أن استخدام الشخص سيارته الخاصة لنقل الناس أو البضائع أمر شائع ومعروف، ولكنها تبقى أشياء صغيرة غير مؤثرة اقتصادياً.
والخلاصة، أنه لدينا قيم اجتماعية عظيمة يفتقدها المجتمع الغربي ويحاول العودة لها من باب الاقتصاد، وهو ما يجعلنا نطالب بتنميتها وتربية النشء الجديد عليها، فهي وإن لم تحسب بمبدأ الكلفة والعائد إلا أنها ذات أثر كبير في جودة الحياة أو ما يسمى Well being، فما ينقصك تحصل عليه من جيرانك وأصدقائك ومجتمعك، وبالتالي فالمعيشة في مجتمع كهذا أسهل وأكثر أهمية وقيمة.
وأما الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية البحتة التي ذكر بعضها التحقيق، فيمكن الاستفادة من تجربة الغرب في تنميتها عساها تسهم في حل ولو جزء بسيط من مشكلة البطالة التي تتراكم وتسوء في بلادنا العربية عاماً بعد آخر.