تتعدد الآراء الإقتصادية حيال الوضع الاقتصادي المتوقع في لبنان في العام 2015 ، حيث يؤكد بعض الخبراء «أنه وبالنظر إلى بنية الإقتصاد وفي ظل الفساد المستشري لا نرى أي نور يبشر بالخير عام 2015».
وتعليقاً على هذه التأكيدات يقول الخبير الإقتصادي الدكتور حسن مقلد: «إن المشكة البنيوية في لبنان هي أعمق بكثير من مسألة الفساد على الرغم من خطورته الكبيرة وإنعكاسه السلبي على الإقتصاد. فالمشكلة هي مشكلة هيكلية بنيوية تتعلق بالاقتصاد الوطني وهي تتجلى – بحسب ما يجمع عليها معظم الخبراء الدوليين – بأنه اقتصاد لا يعتمد أبدا على الانتاج بل على نوع معين من الخدمات ومنها المالية والعقارية وعلى الريع فيما التهميش يصيب قطاعات منتجة عدة كالزراعة والصناعة وكذلك الخدمات الجديدة التي نجدها في الكثير من دول المنطقة والمتعلقة بالتقنية والتكنولوجيا أو الاتصالات».
وإذ يشير إلى أنه لا يستطيع أي بلد في العالم أن يعيش إقتصاديا نعيش على أنواع الخدمات التي نعيش عليها اليوم إلا إذا كان لديه آبار نفط وموارد. يشدد على أنه مما لا شك فيه أن هذا يشكل عائقاً أمام ثورة الإقتصاد وعائقاً أمام توزع الثروة في لبنان بشكل عادل وكذلك مشكلة أمام تحصيل موارد إضافية للدولة.
ومن الملاحظ – وفق مقلد – مثلا أن القطاعات الأكثر مردودا للمال هي أقل قطاعات تدفع الضريبة بينما الناس المصنفون طبقة وسطى يدفعون كميات هائلة من الضريبة وهذا ما يسبب إختلالاً بنيوياً. من هنا فإن الفساد هو في المقاربة وفي الهيكلية والبنية الإقتصادية وهذا فساد أكبر بكثير من فساد السرقة.
ويبقى السؤال ماذا يمكن أن نفعل والحالة هذه أكان في العام 2015 أو في غيره؟ يجيب مقلد: «لدينا مقاربة علينا أن ننظر إلى مكامن القوة فيها ومكامن الضعف، نملك اليوم قدرة مالية كبيرة جدا موجودة في القطاع المصرفي، فبدل أن تكلفنا أموالاً وفوائد من دون استخدامها في إستخدامات توظيفية إسثمارية، لماذا لا يتوجه جزء من هذه الأرصدة إلى القطاعات المنتجة في البلد؟
ويعطي مثالا أننا حاليا نستورد بقيمة 700 مليون دولار من الخارج، وإذا وظفنا عدة ملايين من الدولارات في هذا القطاع فإننا نوفر إستيراداً بقيمة 70 مليون دولار، ونوفر العمل لمئات الأسر اللبنانية.
ويضيف: «ثمة أمثلة كثيرة تعود بالتوفير وتأمين فرص العمل إذا ما إعتمدنا هذه المقاربة، تعكس الفارق بين الإقتصاد المنتج والاقتصاد الريعي، وهذا يتطلب تشريعات ورؤية وفهم، وأن نقتنع في النهاية أن العالم كله تغير في هذا الاتجاه». مؤكدا أننا وصلنا إلى الحائط المسدود منذ زمن واليوم نحن ننزف أمامه، وأصبح تغيير الخيارات نوعاً من الضرورة، ومن الافضل تغيير الذهنية على قاعدة المصلحة العامة، مصلحة النظام والإقتصاد والشعب.
ـ الاقتصاد الريعي ـ
وبرأيه فإن الاقتصاد الريعي هو ببساطة حلقة لا تنتهي، بينما الاقتصاد المنتج وأيا كن حجم الدين فإنه يعطي لبنان وسيلة إنتاج تأتي بالمال، ندفع منه كلفة الدين، كما نوفي أساس الدين تدريجيا، ويكون لدينا جزء من المال يعيش منه ويوسع حلقته الإقتصادية كي نمحي الدين لاحقا.
ـ بول مرقص ـ
بدوره يوضح المحامي الدكتور بول مرقـص، (رئيس منظمة جوستيسيا لحقوق الانسان) أن عملية التنمية في البلدان العربية ترتبط بما يسمى اليوم بـ«الحكمية الصالحة» Good Governance القائمة على مرتكزات ثلاثة: «مشاركة الناس، الشفافية والمساءلة». هذه المرتكزات شبه معدومة في معظم الدول العربية وهي ضعيفة في لبنان، الأمر الذي أكده تقرير الأمم المتحدة .
ومن هنا يستعرض الآلية القانونية لمكافحة الفساد بالقول: «إن مكافحة الفساد لا تكمن في الانصراف إلى سنّ مزيد من القوانين فحسب، بل في تطبيق القوانين القائمة، رغم حاجتنا إلى قوانين خاصة بمكافحة الفساد وبشفافية الحياة الاقتصادية والسياسية وتنظيم تمويل الانتخابات العامة وإنشاء مصلحة مركزية قضائية لكشف أعمال الفساد Service Central de Prévention de la Corruption وإحالتها إلى النيابة العامة، على غرار التجربتين الفرنسية والأميركية».
ويتابع بأن مكافحة الفساد تبدأ بقرار شخصي يتخذه كل مواطن بالتصدي للممارسات الفاسدة والتمرّد عليها. فالمحاسبة تبدأ من المواطن في الانتخابات العامة الاختيارية والبلدية والنيابية ولا يمكن التعويل فقط على محاسبة السلطات لبعضها البعض إلا عند اصطلاح النظام الديموقراطي وهو أمر متعذّر في لبنان حاضراً.
واستطراداً- يعتبر أن – المحاسبة حتى في أحسن الأحوال الديموقراطية لا ترتكز على السلطة السياسية المؤلّفة من أصحاب مصالح سياسية فحسب، بل خصوصاً على قضاة أفراد شجعان يتّخذون قرارات جريئة لإعادة تفعيل النصوص الجزائية في لبنان في موضوعات الرشوة وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة كما حصل في تجربة القضاء الإيطالي (حملة «الأيادي النظيفة» Mane pulite)، وقد أطلقنا في المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم مرصداً هو «مرصد القضاء في لبنان» لرصد هذا النوع من الأحكام في لبنان ونشرها وحض الحقوقيين والناشطين المدنيين على التعليق عليها.
أما بالنسبة إلى النصوص القانونية لمكافحة الفساد، فيشير إلى أن ثمة تُخمة من النصوص القديمة المبعثرة التي تنظّم عمل الإدارة إلى جانب آليات للرقابة والمحاسبة الإدارية والسياسية غير قابلة للتطبيق، معظمها يعود إلى أواسط القرن الماضي وهي اصلاً منقولة عن قوانين فرنسية قديمة.
ويختم: «إنما ليس ما يمنع، ريثما تتمّ الورشة التشريعية المطلوبة، من تطبيق النصوص الحالية لقانون العقوبات الصادر عام 1943 حيال جرائم الرشوة وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة المعدّدة في المواد 350 وما يليها من هذا القانون وفي سائر القوانين الموجودة من طريق تحرّك النيابة العامة وتفعيل الأحكام القضائية».