اعتبرت مصادر مقربة من رئيس كتلة “المستقبل” النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، إن البلد يشهد تردياً في عمل مؤسساته وتدهوراً في أدائها نتيجة استمرار الشغور الرئاسي، على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وأكدت المصادر لصحيفة “الحياة” أن السنيورة يؤيد تشريع الضرورة في البرلمان ويلتزم به “لكن المسؤول عن تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية هو الذي يُضرِب (في البرلمان) احتجاجاً على التعطيل”.
وعن مخرج الشغور الرئاسي في ظل إصرار زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون على ترشيح نفسه ودعم “حزب الله” المستمر له ورفضه البحث بمرشح توافقي، أعربت المصادر عن اعتقادها أن “حزب الله” لا يريد عون رئيساً بل يلعب ورقته ليحجز مكاناً له في تسمية الرئيس المقبل بهدف السيطرة عليه.
ورأت المصادر أن استعمال عبارة الرئيس القوي “إفساد لعقول اللبنانيين والموارنة”، وقالت: “فريقنا يريد رئيساً قوياً، ليس بعضلاته وبزنوده، بل في قدرته على جمع اللبنانيين وامتلاكه رؤية، فالتجارب السابقة أظهرت الى أين أخذ الأقوياء بعضلاتهم البلد. البلد يمر حالياً في مرحلة انحطاط يزداد حدة في غياب الرئيس، لأن الرئاسة أصبحت مخطوفة، ما يؤدي الى مزيد من التدهور على المستويات كافة”.
وقالت المصادر إن التردي بلغ البطريركية المارونية التي تراجع تأثيرها المعنوي نتيجة كثرة الكلام في موضوع الرئاسة من دون نتيجة، ما أدى الى تقليص صدقيتها. وذكرت أن السنيورة أبلغ البطريرك بشارة الراعي هذا الكلام، لأن ما تبقى له من قدرة على إقناع الأطراف والعماد عون صارت محدودة، ونصحه بأن يكون واضحاً في موقفه بأن يعلن أن فلاناً وفلاناً من المرشحَين لا حظ لهما في الرئاسة، والمطلوب رئيس توافقي، من دون أن يذكر له أي اسم لا سلباً ولا إيجاباً.
وعن تصاعد الاهتراء في المؤسسات نتيجة الخلاف على تعيين قائد الجيش في ضوء ترشيح العماد عون العميد شامل روكز، قالت مصادر السنيورة إن “المنطق هو التوصل الى صفقة تشمل كل الأمور. أما أن يقدم فريق تنازلاً من دون حل المشكلة برمتها (الرئاسة)، فهذا غير محمود. وليس منطقياً أن يقال أعطوني تنازلاً وأنا باقٍ على موقفي”.
وعن تلويح وزراء عون بترك الحكومة احتجاجاً على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، قالت المصادر إن “المطلوب التصرف بحكمة، ولا أحد يملك ثمن قلب الحكومة”. وإذ أوضحت المصادر أن حوار “المستقبل” مع “التيار الحر” مستمر، أشارت الى أن “حزب الله” يقول إما العماد عون أو تحكون معنا بشخص نحن نريده. وهذا الوضع يمنع ملء الشغور.
وعن عدم قبول “المستقبل” بعون، ليأتي زعيمه سعد الحريري رئيساً للحكومة، اعتبرت المصادر انه “حين تسلم عون السلطة اكتشفنا ما حصل، وكان له 10 وزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أساؤوا استخدام السلطة. وإذا جاء عون رئيساً فالرئاسة ستكون في يد الوزير جبران باسيل و (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصرالله، ثم كيف يتم الإتيان برئيس يعتبر نصف اللبنانيين أن مجيئه هزيمة لهم من جهة وله خيارات إقليمية محددة مغايرة لمصلحة لبنان من جهة أخرى؟”.
وتعليقاً على ما تردد عن أن فريق عون ينتظر عودة الرئيس الحريري من زيارته واشنطن لعله يعلن تأييده للرئاسة، قالت المصادر: “إنهم يعيشون في حالة إنكار كامل. سبق أن قيل للعماد عون، إن لا نصيب له في الرئاسة على الإطلاق. ولا يستطيع أي كان أن يزكيه. وما يقوم به “حزب الله” على صعيد الرئاسة، مخالف للصيغة، ويفترض أن يدرك الأمر لكن لا يبدو أنهم حاضرون لذلك”، وهذه الحالة مستمرة إما إلى أن يحصل حدث كبير أو إلى أن يدرك السياسيون مخاطر ما نحن فيه، أو أن يشعر الخارج أن اللبنانيين غير مستعدين لأن يمسكوا زمام الأمور بأيديهم ويطرح مخرجاً. وعندما تأتي ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ وتقول إن هناك مساعدات للبنان لن تأتي إذا استمر الوضع على حاله، فهذا أشبه بإنذار”.
وفيما كررت المصادر التأكيد أن حوار “المستقبل” مع “حزب الله” مستمر، نافية ما أشيع عن أن هناك صقوراً وحمائم في التيار، أشارت الى أن السنيورة هو الذي استعار كلمة ربط النزاع مع الحزب. وهو يعتقد أن هناك العديد من القضايا المختلف عليها معه، “لكن هذا لا يعني أن نصطدم، بل أن نقتنع بأن ما نختلف عليه لا يمنع السعي الى التوافق على الممكن، ففي الحزب يريدون أن نضع القضايا الخلافية تحت الطاولة وأن يكون الآخرون صامتين على سياساته. لكن السنيورة يعتبر أنه يجب إعلان الموقف من قضايا الخلاف كل ساعة. الحوار إيجابي حتى لو لم يؤد الى نتيجة. والحزب حقيقة موجودة ونحن نعترف به ونريد العمل على استرجاعه حتى لا يطول غيابه عن البلد نتيجة تطلع الطوائف الى الخارج الذي هو أحد مظاهر “هركلة” الدولة وإضعافها”.
وتحدثت مصادر السنيورة عن الأوضاع العربية، معتبرة أن البعض بدا متفاجئاً بعاصفة الحزم في اليمن التي جاءت لتعبر عن حالة في الوجدان العربي بأنه آن الأوان لأن يبادروا، لأن الاتكال على أميركا لحل المشاكل الإقليمية ليس منطقياً.
ورأت مصادر السنيورة أن ما أقدمت عليه السعودية مع حلفائها خطوة أساسية لاستعادة المبادرة ومقدمة لإعادة التوازن الاستراتيجي في العالم العربي، مع الاعتراف بأن القضية الفلسطينية مازالت بلا حل والتمدد الإيراني مشكلة.
وقالت المصادر إن ما يحصل في اليمن يحتاج الى تنبه وعمل سياسي مع العمل العسكري تمتزج فيه الحكمة مع المكر، وصولاً الى حل يستوعب جميع الفرقاء، إضافة الى عمل تنموي يعطي الناس أملاً، مثلما نحن في شمال لبنان نحتاج الى مبادرة تحيي الأمل، خصوصاً أنه يعاني اقتصادياً، وفيه انفجار سكاني، وحين نعلم أن أحد الذين اتهموا بوضع إحدى المتفجرات قبض ثمن فعلته 25 ألف ليرة لبنانية ندرك حجم المعضلة.
وتابعت المصادر أن عاصفة الحزم أطلقت شيئاً لم تعد ممكنة العودة به الى الوراء، والعصفور خرج من القفص ولا أحد يستطيع إرجاعه. واعتبرت أن من المبكر القول من ربح في اليمن، لكن المؤكد ان هناك خاسراً، فالحوثيون وعلي عبدالله صالح ضربت قدرتهم العسكرية، والوضع العربي رابح أيضاً. أما حملة “حزب الله” ضد “عاصفة الحزم” فتعود الى أنه لا يستطيع تحمل هزيمة.
شددت مصادر السنيورة على المعالجات الاجتماعية اللبنانية، مؤكدة أن رئيس كتلة “المستقبل” مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين وموظفي القطاع العام لأنها تعالج مشكلة اجتماعية، على أن تكون أرقامها معقولة. وأوضحت أن البعض لا يستوعب أن الدين في البلد 70 بليون دولار وأننا لسنا مثل اليونان، نملك طوق نجاة، فالسلسلة أحالتها الحكومة السابقة بطريقة شعبوية… في وقت هناك أناس يلعبون بالوضع المالي وبمداخيل المغتربين بالهجوم على المملكة العربية السعودية وغيرها.
وعن استمرار الحملة على السنيورة بحجة أن حكومته أنفقت مبلغ الـ11 بليون دولار بين 2005 و2007، وكذلك حكومة الحريري عام 2010، بلا تغطية قانونية وسجلات، قالت المصادر إن وزير المال علي حسن خليل زار السنيورة قبل مدة في مكتبه ليناقش معه الوضع المالي والسلسلة، ومما قاله له إنه اكتشف أن سياسته السابقة كوزير للمال كانت هي الصحيحة وأنه اكتشف أنه حصل قطع حساب لإنفاق مبلغ الـ11 بليون دولار في سجلات الوزارة ليتم اعتماده في الموازنات اللاحقة، وبالتالي فإن قيود الإنفاق موجودة. وتابعت المصادر أن السنيورة طالب الوزير خليل عندها بأن يبلغ الرئيس نبيه بري بذلك.
صحيفة “النهار” قالت: “لا يخفي رئيس الحكومة سابقاً ورئيس كتلة “المستقبل” قلقه مما بلغته حال البلاد، حيث “الرئاسة مخطوفة، بفعل إفسادٍ لعقول اللبنانيين والمسيحيين منهم على وجه الخصوص بمقولة الرئيس القوي”. هي مقولة لا يرفضها أساساً السنيورة، لكنه ينظر اليها بطريقة مختلفة. فالرئيس القوي ليس بـ”زنوده، بل بحكمته وإدارته وقدرته على الجمع بين اللبنانيين”. ذلك أن التجارب مع “الرؤساء الأقوياء” بينت أين أوصلت البلاد”.
من هذا المنطلق، لا يرى السنيورة حظوظاً للعماد ميشال عون مرشحاً للرئاسة كما ينقل عنه زواره، كما أنه ليس مقتنعاً بأن “حزب الله” فعلاً يريده، ولو أنه سيوغل في حكم البلاد في ما لو حصل ذلك. يشعر بأن عون يعيش حالة إنكار للواقع ولانتفاء حظوظه بالوصول إلى الرئاسة، فأي من القوى غير قادر على السير به؟
هذا الامر يجعل الحوار بين “المستقبل” و”التيار الوطني” محفوفاً بالالغام. ثمة تحدًّ يواجهه التيار الازرق اليوم في العرض العوني المطروح لرزمة رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. لا يرى السنيورة في “منطق الامور”، ما يسمح بتركيبة تحمل العماد ميشال عون الى الرئاسة والعميد شامل روكز الى قيادة الجيش. وقد يكون منطقياً أكثر السير بروكز مقابل تنازل عون عن الرئاسة والاقتناع بأن فرص وصوله صفر. لا يخفي أن هذا الكلام قيل له مراراً عدة، لكنه كان دائما يجد مكانا يلقي عليه تبعة تعطيل وصوله الى سدة الرئاسة.
يرفض السنيورة التعامل مع تعيينات قيادة الجيش بمنطق الصفقة. ولكن في منطقه، يرى أن إجراء صفقة لإنهاء وضع معقول، ولكن إجراء تنازل لا يحل المشكلة ويصفه بالعمل “غير المحمود”.
يفهم من هذا “التحليل المنطقي” أن لا مشكلة مع روكز في قيادة الجيش ما دام عون بات خارج السباق الرئاسي!
في المقابل، يأسف السنيورة أمام زواره لـ”تراجع قدرة بكركي على أداء دور محفزٍ للإنتخاب، وهو ما ساهم في التقليل من صدقيتها وسلطتها المعنوية، وهي مهمة جداً”.
لا يذيع الزوار سراً عندما يتحدثون عن وقائع من لقاء السنيورة بالبطريرك الراعي، وقد كشف عنها في تصريحه امام الاعلام من بكركي، لكنه يحرص على تكرار موقفه، مؤكدا انه حض البطريرك الماروني على ضرورة الضغط على المرشحين، أياً كانوا، لتسهيل الانتخاب وإنجاز الاستحقاق، نافياً ما تم تداوله في الاعلام عن تداول أسماء محددة.
مقتنع هو بأن ما تبقى للراعي من قدرة إقناعية بات محدوداً، لكنه رغم ذلك، تمنى عليه أن يستمر في محاولاته وان يسمّي الامور بأسمائها ويقول ذلك لمن ليس له حظ أو فرصة.
تمنى عليه كذلك خلال زيارته باريس أن يطلب من الفرنسيين المساعدة في موضوع الرئاسة إذا كان ذلك ممكناً، وفي الموضوع السوري الذي يرتب أعباء كبرى على لبنان والمنطقة.
في الحوار مع “حزب الله”، لا يزال السنيورة متمسكا بضرورة إستمراره حفاظاً على التواصل، مع تمسكه بإبقاء الامور الخلافية فوق الطاولة وليس تحتها كما يريد الحزب. هو الذي إستعار من القضاة عبارة “ربط النزاع” ليصف بها حال الحوار مع الحزب. لا يعول على نتائج كبيرة ما دام الحزب مستمراً في تورطه الخارجي، ولكنه لن يتراجع عن محاولات إسترجاعه “من حيث هو حتى لا يزيد من جلوسه في حضن إيران”.
عندما يُسأل هل سيتشدد الحزب بعد عاصفة الحزم أو يلين، يرى انه بات مثل “نافورة جنيف”: الماء فيها صعوداً بما يخالف الطبيعة، وما يقوم به الحزب مخالف للطبيعة، وعليه ان يدرك ذلك ويعود الى الداخل. لكنه لا يرى انه بلغ بعد هذه المرحلة من الادراك، وبالتالي، ليس حاضراً بعد للتراجع او التنازل.