Site icon IMLebanon

العراق : تطوير المزيد من القدرات لإدارة المال العام

iraq.
بالرغم من الصراعات الداخلية وتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، فإن العراق -وهو صاحب ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم -يمتلك من الثروات الطبيعية ما يمكن حكومته من الاستثمار في البنية التحتية للبلاد. ولقد أنفق العراق أكثر من 51 مليار دولار على المشتريات الحكومية في عام 2014، وهو ما يزيد عن 20 % من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. إلا أن توجيه هذه الإيرادات نحو تطوير الاقتصاد يتطلب وضع نظام يتسم بالكفاءة لإبرام العقود الحكومية.
لقد تأثرت المشتريات الحكومية في العراق نتيجة لعقود من العقوبات والحرب وانعدام الاستقرار- وهي الظروف التي خلقت نظاما يتسم بغياب الكفاءة وتفشي الفساد والتأخير. وتشكل المشتريات عنق الزجاجة الذي يعوق الإنفاق من الميزانية؛ ووفقا لتقرير البنك الدولي لعام 2014 عن إدارة الاستثمارات العامة، فإن عملية الإنفاق تتوقف في الغالب عند ما بين 50% إلى %60 من إمكانياتها.
وأظهر تقييم آخر في عام 2012 أن تفشي الفساد في إسناد العقود الحكومية بالعراق يضعف نظرة المستثمرين لمناخ الأعمال فيه، ومن ثم فإنه يضر بفرص زيادة الاستثمارات الأجنبية مستقبلا. وببساطة، فإن نظام المشتريات الذي عفا عليه الزمن، مقترنا بضعف القدرة الاستيعابية للعراق في أعقاب الحروب والصراعات التي عانى منها، يزيد كلفة الاستثمارات الحكومية زيادة كبيرة كما يقلص عائداتها.
وقد عمل فريق المشتريات التابع لإدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي مع الحكومة العراقية لمعالجة هذه الإشكالية. وتشجع إستراتيجية البنك الإقليمية للمشتريات الحكومية على بناء القدرات بطريقة تتجاوز التدريب الضيق قصير المدى إلى وضع برامج شاملة تبحث عن حلول أكثر قدرة على الاستمرار. ويسعى البنك حاليا إلى مساعدة العراق على بناء جيل مستقبلي من الموظفين المدنيين المزودين بالمهارات الضرورية لإدارة المشتريات بكفاءة ونزاهة.
وبمنحة من صندوق إعادة إعمار العراق، أقامت إدارة العقود الحكومية التابعة لوزارة التخطيط العراقية شراكات إستراتيجية مع ست جامعات حكومية تقع في مناطق مختلفة من البلاد. وكانت الفكرة من وراء هذه الشراكات توفير الموظفين المهنيين الذين يلتحقون بالخدمة المدنية وهم مؤهلون بالشكل اللائق لتطبيق مبادئ الاقتصاد والكفاءة والتنافس في عملية إسناد العقود الحكومية.
ويتميز البرنامج بالتنوع في نطاقه الجغرافي، وبنهج متعدد التخصصات، بما يعكس طبيعة المشتريات الحكومية التي تنطوي على العديد من الأطراف. وطلبت إدارة العقود الحكومية مساعدة كليات الحقوق، والهندسة، والإدارة العامة والأعمال لوضع برامج تعليمية للمشتريات في كافة المجالات الأكاديمية.
وقد حرص البنك وإدارة العقود الحكومية أولا على التأكد من امتلاك الأكاديميين المسئولين عن تدريس مناهج المشتريات الجديدة في العراق للمواد والمحتوى الخاص بها. وطلب العراق من البنك الدولي المساعدة في تعلم كيفية وضع البرامج للعاملين في مجال المشتريات. وبمساعدة البنك، دخلت إدارة العقود الحكومية في شراكة مع جامعة باريس كويست نانتير لا ديفينس بفرنسا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، حضرت مجموعة تضم 18 أستاذا وإداريا عراقيا من جامعات بغداد، وصلاح الدين والسليمانية، والكوفة، والبصرة برنامجا مكثفا مدته أسبوعين في نانتير. وعن هذه الشراكة، قال فريد ياسين، سفير العراق لدى فرنسا، “الطلاب العراقيون هم مستقبل البلاد. ونحن في حاجة إلى وضع نماذج تدريبية كهذه لتزويد طلابنا بالمهارات الحديثة الضرورية للنجاح في الحكومة وغيرها”.
وقد عدلت بعض الجامعات العراقية مناهجها بالفعل وأدرجت المشتريات ضمن البرامج الأكاديمية القائمة. ومن بينهم أنغام عز الدين علي الصفار، أستاذة الهندسة المدنية بجامعة بغداد التي قالت إن الدورة التدريبية التي حصلت عليها في نانتير أثبتت جدواها لها ولطلابها. وقد بادر استاذ جامعي آخر، هو أحمد صيدوق، مدير التعليم المستمر بجامعة صلاح الدين في أربيل، بإطلاق دورات تدريبية جديدة في الصيف. وقال، “الخلاصة هي أن الطلاب مادة خام. وبوسعك أن تشكلهم كيفما شئت”.
وهذا البرنامج لم ينشأ من فراغ: فقد نبع من المشاركة الطويلة مع البنك الذي سعى إلى وضع حلول تناسب احتياجات العراق بشكل خاص. وعندما بدأت المناقشات، وافقت الحكومة العراقية على بناء مهارات الأفراد العاملين في مجال المشتريات. وقال حميد أحمد، مدير المراقبة والتنسيق لدى إدارة العقود الحكومية، “وضعنا اللبنات الأولى لبرنامج استمر على مدى ثلاث سنوات”.
وفي عام 2013، اُجري تقييم لاحتياجات المشتريات. وكان من بين النقاط الأساسية لهذا التقييم اتساع نطاق الاحتياجات- فقد كان هناك الآلاف من المسئولين الحكوميين والمعنيين المنخرطين في عمليات المشتريات بانتظام لكنهم لم يحصلوا على التدريب اللازم للقيام بذلك. إلا أن القدرة على الوصول إليهم كانت محدودة.
يهدف هذا البرنامج الخاص ببناء القدرات بالضبط للتصدي لذلك: بالعمل مع أساتذة وطلاب الجامعات، فإن المبادرة تستشرف المستقبل بغية تزويد عراق المستقبل بمهارات المشتريات. وهي تدرك ضمنا أن العراق سيحتاج إلى استثمارات هائلة في البنية التحتية الخاصة بالمياه والنقل والطاقة، ومن ثم سيكون بحاجة إلى قطاع عام قادر على إدارة وتنفيذ ذلك.