تواجه صناعة السينما المصرية تحديات كبيرة، بعد أن هيمنت على الأسواق العربية لعقود طويلة. ويرتبط بعض تلك التحديات بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، بينما يرتبط بعضها الآخر بثورة الاتصالات التي جعلت القرصنة أمرا شائعا، الأمر الذي يحرمها من عوائد استثماراتها. تمتلك مصر رصيدا كبيرا في صناعة السينما، أهلها في كثير من الأوقات لريادة حركة ثقافية واسعة النطاق، وتستند تلك المقومات على رصيد ثقافي طويل عبر آلاف السنين.
يقول الخبراء والنقاد إن أزمة صناعة السينما المصرية، التي عاصرت ولادة السينما العالمية منذ نهايات القرن التاسع عشر، تعمقت كثيرا منذ انطلاق شرارة الثورات العربية في عام 2011، وما تبعها من أزمات ثقافية وأمنية واقتصادية.
لكن تلك الأزمة تواجه أيضا تحديات ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، التي قذفت سيلا جارفا من المنتجات السينمائية والتلفزيونية إلى أنحاء العالم، وأدت إلى شيوع القرصنة، التي تحرم السينمائيين من حقوق الملكية الفكرية.
شهدت صناعة السينما المصرية كبوة كبيرة، بعد ثورة يناير 2011، وتعمقت خلال سنة حكم جماعة الإخوان المصريين، لكنها بدأت مؤخرا بالتقاط بعض أنفاسها الفنية.
وقال المؤلف والمنتج محمد العدل لـ”العرب” إن صناعة السينما والدراما المصرية تمر بأزمة حادة، وهي بحاجة إلى الرعاية، لكن الحكومة تتعامل مع دور العرض السينمائي على أنها ملاه ليلية، وتطاردها بفواتير الكهرباء والمياه بشكل تجاري، دون مراعاة لدورها الثقافي.
وأوضح أن الأمر لن يجدي معه رفع أسعار تذاكر السينما لأن ذلك قد يؤدي إلى العزوف عن دخول السينما والبحث عن وسائل ترفيهية بديلة.
ويبلغ متوسط إنفاق المصريين على الثقافة والترفيه نحو 2 بالمئة من إجمالي الدخل، بمتوسط سنوي للفرد يصل إلى 80 دولارا، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2014.
وأضاف العدل أن إدارة الأقمار الصناعية المصرية “نايل سات” تسمح لبعض القنوات التلفزيونية ببث الأفلام إلى داخل مصر دون شراء حقوقها، الأمر الذي يكبد المنتجين ودور العرض خسائر فادحة.
وقال العدل إن عدد القنوات التي تقوم بممارسة هذه القرصنة تصل إلى نحو 70 قناة، وهذه القنوات متاحة لنحو 7 من المصريين.
وقدر حجم الاستثمارات في الإنتاج السينمائي خلال العام الماضي بنحو 28 مليون دولار، حيث تم إنتاج نحو 30 فيلما سينمائيا، وبلغت الإيرادات الإجمالية لكافة القطاعات المرتبطة بصناعة السينما، من دور عرض وغيرها نحو 140 مليون دولار. وبلغ حجم الاستثمارت في الدراما التلفزيونية خلال العام الماضي نحو 210 ملايين دولار.
وتسهم صناعة الثقافة والسينما بنحو 7 بالمئة من الناتج المحلي العالمي وفق بيانات البنك الدولي، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 10 بالمئة سنويا.
وقال العدل إن مئات آلاف المصريين يعيشون على صناعة السينما والدراما، الأمر الذي يستدعي تدخل الحكومة المصرية لإنقاذها.
وأشار إلى أن خارطة السينما والدراما تغيرت بشكل كبير خلال السنوات الأربع الماضية، وبدأت في التراجع بشكل ملحوظ، لأسباب تتعلق بالإنتاج من جهة وبعمليات الإنفلات الأمني من جهة أخرى.
وأشار إلى إلغاء حفلات التاسعة مساء ومنتصف الليل في غالبية دور العرض لفترات طويلة، بسبب الهواجس الأمنية، الأمر الذي أدى إلى تراجع الإيرادات والإنتاج معا.
ويقول المركز القومى للسينما إنه ينبغي أن تكون هناك شاشة سينما لكل 100 ألف مواطن، أي أن مصر تحتاج إلى 900 دار عرض، بينما يبلغ عددها حاليا نحو 400 دار عرض فقط.
وأكد المخرج والمنتج السينمائي مجدي الناظر لـ”العرب” أن صناعة السينما، كانت شبه متوقفة خلال حكم جماعة الإخوان، إذ أن الإنتاج كان ضعيفا للغاية.
وقال إن الأفلام الهابطة تسيطر حاليا على دور العرض، التي يسعى بعض المنتجين لتحقيق أكبر عائد مادي من خلال إنتاج أفلام تجارية غير هادفة.
وتحجم معظم البنوك في مصر عن تمويل صناعة السينما، وهو ما استدعى تأسيس صناديق لدعم صناعة الأفلام والمهرجانات السينمائية، بعد دراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء حول مستقبل صناعة الثقافة في مصر.
وتوقع الناظر أن تزدهر الصناعة والعوائد خلال الفترة المقبلة، مع اهتمام الدولة بالسينما مرة أخرى، والتفكير في إنشاء هيئة للسينما لتمويل هذه الصناعة الاقتصادية.
وقال إن توقف بعض كبار المنتجين عن الإنتاج مؤخرا، يرجع جزئيا إلى تزايد عمليات القرصنة الإلكترونية وضعف التوزيع وسرقة الأفلام وتحميلها على الإنترنت فور عرضها في دور السينما.
وكانت السينما المصرية تنتج نحو 200 فيلم سنويا قبل ثورة يناير، وكانت تحتل صدارة الإنتاج السينمائي على المستوى العربي.
وطالب الناظر بفتح المجال لمستثمري الفن والمنتجين وتخفيف الضرائب ورسوم التصاريح والتصوير في الشوارع والمناطق الأثرية التي أصبحت مرتفعة للغاية.
وأكد أن السينما يمكن أن تروج للأماكن السياحية وأن على السلطات أن تستثمر ذلك.