ساندي الحايك
ملّ أبناء طرابلس الانتظار لوقت طويل أمام “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” كلما أراد أحدهم انجاز معاملة فيه. عشرات المواطنين يمضون ساعات ذهاباً وإياباً في أروقة غرف الضمان حتى يحين دورهم، في وقت يتابع الصندوق في المدينة عمله بـ”شق النفس”، إذ يقوم 14 موظفاً فقط بإنجاز المعاملات لنحو 37 ألف مضمون.
يستفيد من خدمات صندوق الضمان في طرابلس، أبناء قضائي طرابلس (نحو 20 ألف مضمون) والمنية-الضنية (15 آلف مضمون). ويعتبر المكتب الإقليمي للصندوق الجهة شبه الوحيدة المعنية بتقديم التعويضات الصحية، والخدمات الإستشفائية والإجتماعية، وتعويضات نهاية الخدمة في الشمال. إلا أن الصندوق لم يعد قادراً على تلبية حاجات المضمونين، منذ نحو سنتين، بحسب ما يفيد مصدر مطلع على القضية. ويشير لـ”المدن” إلى أن “عدد الموظفين في الضمان تقلص كثيراً في السنوات القليلة الماضية، بسبب بلوغ معظمهم سن التقاعد. فمنذ نحو عشر سنوات، كان صندوق الضمان في طرابلس يضم 120 موظفاً، ينجزون معاملات نحو 12 ألف مضمون. حالياً ناهز عدد المضمونين 37 ألفاً، مقابل 14 موظفاً”. ويشدد على أن “الخلافات الحاصلة بين المدير العام لصندوق الضمان الإجتماعي محمد كركي، ووزير العمل سجعان قزي، إضافة إلى المحاصصات السياسية بين الزعماء في المدينة، تعد من الأسباب الرئيسية في عدم إنضاج أي حلول من شأنها إعادة صندوق الضمان في طرابلس إلى وضعه الطبيعي”.
فوضى
معظم غرف الطبقات الثلاث في الضمان فارغة. لا شيء فيها سوى كراتين مليئة بالملفات، وأوراق مبعثرة على الأرض. في غرفة المحاسبة يتكئ عدد من المواطنين على الحائط. لا داعي لسؤالهم عن أحوالهم، فالملل يبدو جلياً على وجوههم. وأحياناً يغضب بعضهم على الموظفين، فيحصل تلاسن بين الجانبين. ويقول أحد المواطنين (فضلّ عدم ذكر اسمه): “يستغل بعض الموظفين النقص في الكادر البشري، وحاجتنا كمضمونين إلى إستلام مستحقاتنا المالية سريعاً، لقبول الرشى. ويسعون إلى تمرير المعاملات التي يقبضون ثمنها”. في حين يوضح أحد العمال (فضلّ عدم ذكر اسمه) أن “أقصر مدة لاستلام أموال الضمان لا تقل عن سنة ونصف”، مضيفاً “بعد المعاناة قررت أن أتواصل مع الموظف المعني عبر الهاتف، بدلاً من المجيء إلى مركز الضمان شهرياً”.
وقد اتخذت بعض الإجراءات الإدارية للتخفيف من الضغط الحاصل على الموظفين وإن كانت غير رسمية، كأن يحضر إلى المركز عدد من الموظفين المتعاقدين لـ”المساعدة”. كما قسّم المضمونون فئتين، بحيث يتقدم القسم الأول منهم، وهم السائقون العموميون، بطلباتهم بداية الشهر، فيما يتقدم القسم الثاني، وهم الأجراء العاديون وطلاب الجامعات والمضمونون الإختياريون وغيرهم، بطلباتهم في النصف الثاني منه. إلا أن نسبة الإلتزام بالقرار ضئيلة.
وما يزيد من غضب أبناء طرابلس والشمال إزاء قضية الضمان الإجتماعي، هو “الغبن اللاحق بهم، نتيجة التفرقة الحاصلة بين محافظة وآخرى”، بحسب رئيس إتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الشمال شعبان بدرة. يوضح بدرة لـ”المدن” أنه “مع إجراء مقارنة بسيطة بين أعداد الموظفين في مراكز الضمان الإجتماعي في كل من شكا وزغرتا والبترون، يتضح حجم الفساد الإداري. إذ يضم قضاء شكا 900 مضمون ويعمل في مركز الضمان فيه نحو 10 موظفين. وفي زغرتا 6800 مضمون استحدث لهم مركزاً يضم 20 موظفاً. أما البترون ففيها 2400 مضمون يخلص معاملاتهم 15 موظفاً. ويترك لـ14 موظفاً في طرابلس إنجاز معاملات نحو 37 ألف مضمون”. ويقول “أثبتت مباريات مجلس الخدمة المدنية التي حصلت منذ سنة تقريباً، توفر الكثير من الشبان الكفوئين الذين يمكن توظيفهم في ملاك مؤسسة الضمان. إلا أن الإختلاف على توزيع الحصص بين سياسيي المنطقة أفضى إلى حلّ الإمتحانات”.
من جهته، يؤكد رئيس “نقابة سائقي السيارات العمومية” في الشمال خضور زبيدي أن “الإجتماعات بشأن تحسين الوضع في مركز الضمان الإجتماعي مع المعنيين لم تتوقف. الوعود تأتينا من كل المكان، إلا أننا لا نلمس تطوراً إيجابياً على الأرض حتى الساعة”، مشيراً إلى أن “السائقين يعدون من الفئات الإجتماعية الأكثر تهميشاً وفقراً، ولا يمكن أن نسمح بأن يكونوا هم وجميع المضونين ضحية الخلافات السياسية. وإن إستمرت الحال كما هي عليه، فإننا سنتجه إلى المزيد من الإضرابات والإعتصامات”.
ويشير أحد المتابعين لأزمة الضمان في طرابلس إلى أنّ هناك حلولاً كثيرة لأزمة الضمان في طرابلس لو أراد المعنيون معالجتها، كاستدعاء عدد من الفائزين في إمتحان مجلس الخدمة المدنية، أو تعيين موظفين من خارج الملاك المؤسساتي عبر ما يعرف بـ”التوظيف على الفاتورة” أو “التعاقد”. فضلاً عن إستحداث مركز للضمان الإجتماعي في قضاء المنية-الضنية، لكونه ثالث أكبر قضاء في الشمال، ويضم نحو 15 آلف مضمون.