من الصين الى الامارات, تحرص معظم دول العالم هذه الأيام على إنشاء مناطق اقتصادية خاصة اذا لم يكن لديها, أو إنشاء المزيد منها إذا كان لديها بالفعل وذلك للاستفادة من مكاسبها الكبيرة . فهناك حاليا» ما يزيد على اربعة آلاف منطقة اقتصادية خاصة فى العالم , يعمل بها 68 مليون شخص .ولكن في حين ان هناك العديد من قصص النجاح فى هذا المجال, الا ان الواقع ملىء ايضا» بنماذج فاشلة . ومن ثم كان الواجب قبل التوسع فى انشاء المزيد منها التعرف على تجارب الدول الاخرى للوقوف على عوامل النجاح والفشل.
ناقش تقرير لمجلة الايكونومست ظاهرة انتشار المناطق الاقتصادية الخاصة فى معظم دول العالم موضحا» أسباب النجاح والفشل من خلال عرض لبعض التجارب, لافتا» الى ان قرار الحكومات بانشاء واحدة منها يكون خيار سياسي ورهان اقتصادى, اذ أشار الى انه احيانا ما تنشئ الحكومات المناطق الاقتصادية الخاصة لكسب (أصوات الناخبين) وتأييد الرأى العام لها باعتبار انها تبذل جهود للاصلاح , دون المخاطرة بالتحرر الكامل. ولكن المؤسف انه احيانا تكون تلك المناطق بابا خلفىا للفساد المالى ايضا».
وحتى الآن لا يزال تأثير المناطق الاقتصادية الخاصة على الاقتصاد الكلى غير مفهوم جيدا». وقد توصلت دراسة لجامعة دوفين فى باريس الى انه بالنسبة الى مستوى معين من الحماية الجمركية ,تزيد المناطق الاقتصادية الخاصة من حجم صادرات الدولة التى توجد بها تلك المناطق وكذلك بالنسبة للدول التى توفر المواد الخام والسلع الوسيطة. وهذا يفسر سبب قبول منظمة التجارة العالمية لفكرة انشاء المناطق الاقتصادية الخاصة ,على الرغم من انتهاك الكثير منها لاتفاق «الدعم»(احد اتفاقيات المنظمة بشأن التجارة فى السلع).الدراسة توصلت ايضا الى انه احيانا ما تكون المناطق الاقتصادية الخاصة مبررا للعودة الى الممارسات الحمائية في باقى قطاعات الاقتصاد.
وعلى سبيل المثال , يصف المسئولون فى الهند طموحاتهم بشأن « المناطق الاقتصادية الخاصة بأنها «ثورية», ويمكن ان تزيد الناتج المحلى الاجمالى للبلاد بنسبة 2٪ بحسب احد وزرائها.فالمناطق الاقتصادية الخاصة هى الخيار المفضل حاليا» بين الحكومات التى تأمل أن تنعش تجارتها واستثماراتها.بل إن مثل هذه الملاذات بدأت تظهر فى ملاذات شهيرة , مثل جزر كايمان التى انشئت أخيرا» منطقة اقتصادية خاصة بها .
فى جمهورية الدومينيكان الفكرة ساعدت على تحويل الاقتصاد من الاعتماد على الزراعة الى الصناعة . وأخيرا دعا الرئيس الصينى شي جين بينغ الى الاسراع بانشاء المزيد من المناطق الاقتصادية الخاصة.
يذكر انه عندما تم انشاء اول منطقة اقتصادية خاصة فى مطار شانون عام 1959 , لم يهتم كثيرون خارج ايرلندا بالفكرة . لكن الآن يبدو وكأن الامر تحول الى هوس بها .
فثلاث من كل أربع دول فى العالم لديها منطقة اقتصادية خاصة واحدة على الاقل, ليصل عددها الى 4300 منطقة اقتصادية خاصة فى العالم وهناك المزيد منها فى الطريق.
وبحسب توماس فارول الخبير الاقتصادى فى البنك الدولى فإن اى دولة لم يكن لديها منطقة اقتصادية خاصة قبل عشر سنوات , لديها الآن واحدة على الأقل أو تخطط لإنشاء واحدة.
وأخيرا أنشأت كل من ميانمار وقطر منطقة اقتصادية خاصة , كما أعلن رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى عنها ضمن أجندته للإصلاح الاقتصادى .
ويشير مؤيدو « المناطق الاقتصادية الخاصة» الى العديد من قصص النجاح فى هذا المجال , وأبرزها شينزن مدينة صينية بالقرب من هونج كونج ,التى تم تأسيسها فى عام1980 . ومعجزة شينزن كانت تجربة لبيان جدوى الاصلاحات الاقتصادية الجديدة فى ذلك الوقت قبل تعميمها فى انحاء البلاد . وكانت مخاطرة بسبب مخاوف المسئولين بخصوص اجراءات غير مسبوقة.ولكن شينزن نجحت فى جذب آلاف من المستثمرين الاجانب، والسياسات التى تم اختبارها وثبت نجاحها فيها, تم تطبيقها فى مدن أخرى, مما دعا الخبراء لاعتباره تلك المنطقة الاقتصادية الخاصة هى الخطوة الأولى والمهمة فى انفتاح الصين على الاستثمار الاجنبى. وتعد شينزن حاليا» من أكبر المناطق الاقتصادية الخاصة فى العالم.
لكن حمى المناطق الاقتصادية الخاصة تعكس سياسة الحكومات التى تعدها رهانا مضمونا، فالأمر لا يحتاج إلا الى تخصيص المكان والاعلان عن حوافز ضريبية والاستثناء من القوانين التقليدية المتعلقة بالعمالة والجمارك وغيرها.مما يعتبره البعض علاج سحرى للصناعات المتعثرة والمناطق المحرومة.
ولكن الامر ليس بهذه البساطة . فإفريقيا مليئة بـ « الافيال البيضاء» . والهند لديها مئات من المناطق الاقتصادية الخاصة الفاشلة , من بينها أكثر من 60 منطقة اقتصادية خاصة تم انشاؤها فى ولاية ماهاراشترا فقط ,خلال السنوات القليلة الماضية.
وبالطبع تلك الجهود ليست مجانية . فالحوافز الممنوحة للمستثمرين تعنى ايرادات ضريبية أقل.(على الاقل على المدى القريب). كما انها تؤدى الى فجوة بين المجتمعات داخل الاقتصاد الواحد.وهو السبب فى ما يراه البعض من ان التحرر الاقتصادى فى انحاء البلاد يكون دائما أفضل من تمييز مناطق بجهود خاصة .
على نحو متزايد باتت المناطق الاقتصادية الخاصة ملاذ لغسيل الاموال من خلال تزوير فواتير الصادرات.
ويعد سوء الادارة احد الاسباب الرئيسية للفشل وكذلك استغلال المستثمرين للحوافز الضريبية دون تقديم مكاسب حقيقية للبلد من حيث توفير فرص عمل أو زيادة الصادرات.
وهكذا ,من أجل ضمان توفير الوظائف والاستثمارات يتعين على الحكومات التعلم من التجارب الفاشلة , مع العلم بان منح الحوافز المادية قد يساعد فى انطلاق المناطق الاقتصادية الخاصة , لكنه لا يضمن استمرارية المشروع. وقال ان المناطق الاقتصادية الخاصة الناجحة هى التى ترتبط بالاقتصاد المحلى . مثل تجربة كوريا الجنوبية التى عقدت شراكات فعالة مع موردين محليين.
التقرير أكد أهمية عدة عوامل لنجاح مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة فى اى دولة وهى:
أولا» ربط المناطق الاقتصادية الخاصة بالاسواق العالمية وضرورة تحسين البنية التحتية, الذي اعتبرتأثيره أكبر على نجاح المناطق الاقتصادية الخاصة من الحوافز الضريبية. ولكنه يتطلب عادة» ذيادة الانفاق العام على تحسين الطرق والسكك الحديدية والموانئ للتعامل مع شحنات البضائع الإضافية .
غير ان وجود نقص فى تلك الاستثمارات كان سببا أساسيا فى تعثر العديد من المناطق الاقتصادية الخاصة فى إفريقيا .وهذه المناطق سوف تواجه عجز أو نقص فى الطاقة وابتعادها للغاية عن أقرب ميناء لها .
ثانيا» لفت التقرير الى أهمية التوازن اللازم بين الرؤية السياسية الشاملة والتحرر من البيروقراطية الحكومية . فالتدخل المفرط من شأنه ضياع الفرصة لاكتشاف جدوى التجربة.
من ناحية أخرى ,هناك مخاوف شرعية من فشل المناطق الاقتصادية الخاصة الجديدة بسبب رفض المسئولين الحكوميين احيانا» لفكرة التحرر من القيود التنظيمية خوفا» من الوقوع فى براثن شبكة المصالح الخاصة.
الاستعانة بشركات خاصة لادارة المناطق الاقتصادية الخاصة قد يكون مفيد فى بعض الحالات . وهو ما حدث مع الفلبين . غير ان الافكار الطموحة لمناطق تعمل كقاطرة للنمو , من خلال بناء مدن جديدة بالقرب من مناطق حضرية مع السماح لها بوضع قوانينها الخاصة معناه المخاطرة ببناء دولة داخل دولة.
وقد أثبتت التجربة ان اداء المناطق الاقتصادية الخاصة التى تركز على التصدير يكون أفضل عندما تعمل على تصنيع سلع رخيصة نسبيا» وجدواها الاقتصادى أكبر عندما تكون العوائق التجارية كبيرة. وتعد بنجلاديش نموذج ناجح للمناطق الخاصة التى تعمل فى صناعة الملابس وتصديرها.
وفى الصين تركز المناطق الاقتصادية الخاصة الجديدة فى شنغهاى على الخدمات المالية , لكنها اجتذبت اهتمام محدود نظرا» لانها لم تقدم سوى حزمة متواضعة من تخفيف القيود للمعاملات المالية مثل تداول النقد الاجنبى , وهو ما يعد اصلاح غير كاف وسيؤدى الى اختلالات واضطراب الاسواق الصينية . اما شينزن فهى نموذج ناجح .لكن النجاح يتطلب صبرا وتخطيطا جيدا.
عادة ماتكون المناطق الاقتصادية الخاصة معوقا لاصلاحات واسعة النطاق فى انحاء البلاد التى تخفض العوائق التجارية وتعزز التنافسية ، لكن الدول التى لا تحتاج اليها على الاطلاق هى فعلا دول « خاصة».