من المؤكد ان الانتماء الى االقوة العظمى له مميزات كثيرة ليس أقلها القدرة على اجتياز جميع ابواب العالم دون الحاجة الى الحصول على تأشيرة. ولكن لانها ايضا» الولايات المتحدة ,فهى تفرض على دول العالم الانصياع لقوانينها الخاصة فتجبر البنوك اينما كانت الابلاغ عن عملاءها الامريكيين المتهربين من دفع الضرائب فى الولايات المتحدة حتى اذا كان مصدر دخلهم خارجى ويقيمون فى أبعد مكان .الامر الذي حول ما يعده كثيرون -لاسيما فى الدول النامية – حلما وهو (الجنسية الامريكية) الى كابوس ضريبي.
حول تأثير قانون الامتثال الضريبي «فاتكا» على المواطن الذي يحمل الجنسية الامريكية , أشار تقرير لصحيفة الفاينانشال تايمز الى ارتفاع نسبة التخلى عن جواز السفر الازرق.
وهى قائمة متنوعة ما بين أشهر المغنيين فى العالم ومؤلفى كتب تعتبر الاكثر مبيعا» ولاعبي كرة سلة محترفين ومهندسين وفنانين ومتقاعدين وممولين وغيرهم.
فعدد الافراد اللذين اختاروا «الاغتراب «, بحسب توصيف الولايات المتحدة, يكشف زيادة عدد اللذين تخلوا عن جنسيتهم الامريكية ,أو سلموا بطاقاتهم الخضراء.وخلال العام الماضى بلغ مستوى قياسي , 3415 مواطن . وعلى الرغم من ان الارقام لا تزال ضئيلة ,لاسيما بمقارنتها بأولئك اللذين يحصلون على الجنسية الامريكية كل عام – حوالى 780 ألف فى عام 2013. لكن من المؤكد انهم زادوا بأكثر من عشرة أضعاف عددهم منذ عام .2008
ولمن لا يعرفون فإن التخلى عن الجنسية الامريكية قرار بالغ الصعوبة ويؤدى الى توتر شديد نظرا» الى انه قرار لا يمكن الرجوع عنه.وتصف هذه الحالة مواطنة عاشت فى كندا منذ سنوات طويلة فتقول إنها بكت عندما رددت قسم التخلى عن جنسيتها الأمريكية فى كيبيك العام الماضى , ولكن الدافع وراء قرارها كان قوانين الضرائب الامريكية.
ويعد النظام الضريبى الامريكي,و بشكل متزايد, سببا» للتخلى عن الجنسية – ليس لمجرد نطاق فواتيره الاضافية فحسب ولكن بسبب تعقيداته ايضا.
من ناحية أخرى ,العديد من النظم الضريبية فى الدول المختلفة بها ثغرات , بما فيها بريطانيا , تسمح بعدم خضوع الدخل الخارجى للمقيمين الاجانب للضرائب. وكان حزب العمال المعارض هدد بإلغاء تلك الحوافز في حال فوزه فى الانتخابات العامة الشهر المقبل. غير ان النظام الامريكي استثنائي بشكل خاص .فلا يوجد دولة فى العالم تفرض ضرائب على مواطنيها خارج حدودها اينما كانوا.
ودوافع التعاون مع السلطات الامريكية لجباية الضرائب من مواطنيها فى الخارج , تشتمل على طموحات سياسية وقيود بحظر الجنسية المزدوجة فى اماكن أخرى.مغتربون مثل المغنية الشهيرة تينا ترنر – التى تقيم فى سويسرا منذ سنوات طويلة – تخلت فى عام 2013 عن جنسيتها الامريكية من أجل الحصول على السويسرية , وترفض التعليق على المسألة غير بالتأكيد على حبها لموطنها الجديد.
وبالنسبة للذين يتخلون عن جواز السفر الامريكى , بإمكانهم توفير مبالغ كبيرة من عدم دفع الضرائب ,وان كان يتعين عليهم تحديث بياناتهم الضريبية ودفع ضرائب «خروج» اذا كانوا من كبار الممولين , أو لديهم أصول تزيد قيمتها عن مليونى دولار. ولكن نادرا» ما يعترف أحد بأن سبب تخليه عن الجنسية هو الهروب من دفع الضرائب , حتى لا يتم حرمانه من دخول الولايات المتحدة مستقبلا».
فعندما تخلى إدواردو سافرين , أحد مؤسسي شركة فيس بوك, عن جنسيته الامريكية فى عام 2012, وانتقل الى سنغافورة , نفى المتحدث الرسمي بأسمه ان الدافع من تلك الخطوة كان تجنب دفع الضرائب, والتى قدرها الخبراء فى ذلك الوقت بعشرات الملايين من الدولارات.
ولكن بالنسبة للبعض , تعقيدات النظام الضريبى الامريكى تكون الدافع للتخلى عن الجنسية مثلما تقول نينا أولسون, التى تعمل فى منظمة لحماية دافعى الضرائب.فاحيانا» تكون العملية بالغة التعقيد بالنسبة لدافعى الضرائب الامريكيين المقيمين خارج الولايات المتحدة, وعبء الامتثال باهظ , الامر الذي يدفعهم للتخلى عن الجنسية .
كانت المشاكل قد تفاقمت منذ عام 2009 , عندما أدت فضائح ,عن تهرب ضريبي خارجى , الى شن حملة على المواطنين اللذين يحملون جنسية امريكية ولديهم حسابات بنكية خارجية.وفي 2010 صدر قانون «فاتكا» الذي دخل حيز التنفيذ النهائي الشهر الماضى وألزم البنوك فى انحاء العالم , بالابلاغ عن تفاصيل حساب اى عميل أمريكى , يزيد رصيده عن 50ألف دولار.
تطبيق هذه الاجراءات ,التى تشمل تحديث دورى لبيانات العملاء , كبد المؤسسات المالية تكاليف ضخمة, وشجع بعضها على الاستغناء عن شريحة من العملاء وإلغاء خدماتها المقدمة الى الامريكيين . وبحسب وصف مدير أحد صناديق الاستثمار, الذي رفض الكشف عن هويته, باتت البنوك فى سويسرا وفرنسا تعامل الامريكى على انه شخص غير مرغوب فيه.
الامر ايضا أثار مخاوف لدى 7 ملايين أمريكي أو أكثر ممن يعملون ويقيمون خارج الولايات المتحدة.ومعظمهم تجنب أو تجاهل من قبل قواعد الافصاح المالى الضريبية .
وبحسب رئيس جمعية حماية السيادة الكندية , الخوف من قيام البنوك بالابلاغ عنهم دفع الجالية الامريكية فى كندا الى رفع دعوى قضائية ضد قانون «فاتكا».
الجهل بالقانون كان حال البعض حتى شنت مصلحة الضرائب الامريكية حملتها الاخيرة.
والامثلة تتضمن أولئك اللذين يتخلون عن الجنسية التى آلت اليهم من آبائهم, وآخرين , مثل بوريس جونسون , عمدة لندن, من مواليد الولايات المتحدة .
ووفقا» لاحصاءات مصلحة الضرائب الامريكية فإن أربعة من كل خمسة أمريكيين يقيمون خارج الولايات المتحدة ,لم يكن عليهم سداد ضرائب اضافية فى عام 2011.ولكن المشاكل مصدرها عادة تضارب النظم الضريبية بين بلدين.ففي حالة عمدة لندن كان عليه سداد ضريبة حوالى 30 ألف جنيه استرلينى على ارباح بيع منزله فى شمال لندن , وهو ما عده «تعسفا صارخا».
وتقدر تكاليف الامتثال بآلاف الدولارات اذ تتطلب اجراءات مهنية مكلفة ,حتى اذا لم تكن هناك ضريبة يدفعها الممول.وبالرغم من ان تحديث بيانات الإقرار الضريبي باتت أقل تكلفة وتعقيدا» بالنسبة للمواطن الامريكي فى الخارج منذ تطبيق إجراءات «مبسطة» الصيف الماضى, الا ان المشاكل لا تزال قائمة.
على سبيل المثال,كانت الإعفاءات الجديدة غير متوافرة لدافعى الضرائب الذين سبق لهم ان قدموا اقراراتهم الضريبية قبل ذلك الحين. وهذا دفع من هم أكثر استحقاقا للتساهل الى الشعور بأنهم معاقبون.
وهناك ايضا» الفواتير الباهظة التى تواجه المستثمرين فى صناديق الاستثمار الاجنبية , والتى تجذب معدلات الضرائب الجزائية – 39.6٪ علاوة على الفائدة- ومتطلبات الإقرار المعقدة.وتشير تقديرات رسمية الى ان ملء الإقرار لصندوق واحد يتطلب عشر ساعات من الدراسة و 17 ساعة لحفظ السجلات , و 14 ساعة للإعداد.
في بعض الاحيان قد تكون التكاليف المترتبة على الإفصاح عن مصادر متعددة للدخل – وتشمل توظيف محاسب لهذا الغرض- أكبر من دخل الممول السنوى .
وقد هدد مسئولو مصلحة الضرائب الامريكية المواطنين الذين يحملون الجنسية الامريكية ويقيمون فى كندا دون دفع الضرائب المستحقة عليهم فى الولايات المتحدة بعقوبات تصل الى السجن.
غير ان هناك شكوكا حول قدرة المصلحة على فرض قوانينها . ففى رأى البعض ان المسألة مجرد «إرهاب» امريكى لجباية الضرائب.
وتنفيذ قانون «فاتكا» , ربما هو أكبر تحد أمام نظام الضرائب الامريكية الذي يستند الى المواطنة. ولكن هناك ايضا» جدل مستمر حول قواعده.
ويقول مؤيدو النظام الضريبي الحالى انه من الواجب ان يدفع المرء نظير ما يحصل عليه من امتيازات كونه امريكىا, مثل الحق فى التصويت فى الانتخابات والعمل فى الولايات المتحدة.ولكن معارضيه – بما فى ذلك الجمهوريون فى لجنة التمويل فى مجلس الشيوخ – يطالبون بإعادة النظر فى قوانين الضرائب لغير المقيمين .