IMLebanon

مصر: صفقات تستهدف أسواق الغذاء والدواء والبنوك .. واستثمار أجنبي

EgyptMoney3

محمود عبدالعظيم‮

شهدت السوق المصرية خلال الشهور الاخيرة سلسلة من صفقات الاستحواذ التى كانت اطرافها فى اغلب الاحوال صناديق استثمار او مستثمرا رئيسيا اجنبيا كمشترٍ‮ ‬وشركات محلية تعمل بصفة اساسية فى قطاع الصناعات الغذائية كطرف بائع‮.‬

وعلى الرغم من ان النظرة السريعة لهذه الصفقات ــ التى تدور معظمها حول رقم المليار جنيه ــ تقول انها نوع من الاستثمارات الاجنبية التى تتدفق إلى البلاد بعد انجاز قدر معقول من الاستقرار السياسى والأمنى وان هذا التدفق‮ ‬يعكس تعافيا للاقتصاد المصرى ومؤشرا على استعادة جاذبيته الاستثمارية امام العالم الخارجى ومن ثم فإنها ــ اى صفقات الاستحواذ ــ تصب فى نهاية المطاف فى خانة التحسن التدريجى الذى تسعى الحكومة لانجازه على صعيد حركة الاقتصاد الكلى الا ان نظرة اخرى متفحصة لطبيعة هذه الصفقات واستهدافها قطاعا محددا وهو قطاع الصناعات الغذائية‮ ‬يعطينا مؤشرا قد‮ ‬يكون سلبيا لتوجهات الاستثمار الاجنبى الوارد الى البلاد فى الفترة الاخيرة‮.‬

صراع أسواق

بداية تشير البيانات الاحصائية الى ان السوق شهدت منذ مطلع هذا العام صفقتين كبيرتين فى هذا المجال،‮ ‬الاولى تتمثل فى استحواذ شركة‮ «‬كيلوج‮» ‬الامريكية على‮ ‬86٪‮ ‬من اسهم شركة بسكو مصر بمبلغ‮ ‬888‮ ‬مليون جنيه بعد صراع شرس مع مجموعة‮ «‬ابراج كابيتال‮»‬الاماراتية وبعد احاديث ساخنة عن عمليات احتكار او ضرب صناعة محلية لصالح موردين اجانب وهى الاحاديث التى لم تفلح بيانات تطمينية صدرت عن اطراف الصفقة فى تهدئة السوق بشأنها‮.‬

وتتمثل الصفقة الثانية وان كانت ذات طبيعة مغايرة فى طرح حصة كبيرة من اسهم زيادة رأسمال مجموعة‮ «‬ايتيدا‮» ‬للصناعات الغذائية عبر عمليتى طرح عام واخرى طرح خاص وكان مؤشر الاقبال فى عملية الطرح الخاص ــ الذى‮ ‬يستهدف طبقة من كبار المستثمرين وصناديق الاستثمار النوعية بل مؤسسات مالية مباشرة مثل البنوك ــ كبيرا حيث جرت تغطية عملية الطرح بنحو‮ ‬13‭.‬4‮ ‬مرة وهو معدل تغطية‮ ‬غير معتاد فى مثل هذه الطروحات الخاصة الامر الذى‮ ‬يؤثر على مدى اقبال الاستثمارات الخاصة سواء كانت محلية او عائدة لاطراف اقليمية ـ حيث لوحظ فى عملية ايتيدا وجود طلبات شراء من صناديق استثمار ذات طابع اقليمى ـ على ذات القطاع الذى تسعى الاستثمارات الاجنبية المباشرة لإقتحامه وبقوة عبر السيطرة على المفاصل الانتاجية الرئيسية فيه لاسيما تلك الشركات التى تستند الى تاريخ صناعى طويل وسمعة جيدة فى السوق وشبكات انتشار وتوزيع تغطى مساحات جغرافية واسعة من البلاد‮.‬

هنا‮ ‬يثور السؤال: ‬لماذا تركيز هذه الاستثمارات على قطاع الصناعات الغذائية دون‮ ‬غيره من القطاعات ؟

فى واقع الامر فان البيانات الاحصائية تشير ليس فقط الى التركيز على التصنيع الاستهلاكى الذى لا‮ ‬يضمن قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد الوطنى وانما‮ ‬يمتد ايضا الى القطاع الخدمى بجميع انواعه لاسيما قطاع الخدمات المالية الذى‮ ‬يضمن لصاحبه ارباحا كبيرة وسريعة ودون مخاطر تذكر حيث ان معظم الصفقات الكبرى التى شهدتها السوق المصرية بعد‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011‮ ‬وعلى امتداد السنوات الاربع الماضية كانت صفقات استحواذ مؤسسات مالية عربية على بنوك مصرية تعمل بقوة فى السوق وتمتلك قواعد واسعة من العملاء والايداعات ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر صفقات استحواذ مجموعة بنك قطر الوطنى على البنك الاهلى سوسيتيه جنرال فى صفقة اثارت جدلا شديدا وقتها حول تنامى النفود المالى القطرى فى مصر فى ظل حكم جماعة الاخوان المسلمين وكذلك صفقة بنك الامارات دبى على بنك‮ «‬بى ان بى باريبا‮» ‬وقبلها صفقة استحواذ بنك ابوظبى الاسلامى على البنك الوطنى للتنمية وكذلك بنك الاتحاد الاماراتى على بنك الاسكندرية التجارى والبحرى وسبقت كل هذه الصفقات تحركات من جانب استثمارات اجنبية فى مجال صناعة الدواء المصرية حيث ارتفعت حصة الاستثمارات الخاصة فى هذا المجال مقابل حصة شركات الدواء الحكومية وداخل حصة الاستثمارات الخاصة هناك نسبة لا بأس بها تعود لاستثمارات اجنبية ومنها صفقة أمون القابضة وغيرها‮.‬

اللعب فى المضمون… ماذا‮ ‬يعنى كل ذلك؟

يعنى بوضوح ان الاستثمارات الاجنبية تريد ان تلعب فى المضمون فهى تتوجه الى انشطة مضمونة للمستهلك فالغذاء والدواء والخدمات المالية من القطاعات التى تسجل نموا استهلاكيا سريعا فى مصر على خلفية زيادة عدد السكان من ناحية وارتفاع معدل الاستهلاك من ناحية اخرى حيث‮ ‬يجمع خبراء اقتصاديون على ان الاستهلاك فى مصر ظل على مدار السنوات الماضية هو محرك النمو وليس ضخ استثمارات طازجة او دخول صناعات جديدة او قواعد انتاجية فى الزراعة او الصناعات التحويلية المهمة وبالتالى فان معدل الاستهلاك مرشح لمزيد من الارتفاع بما‮ ‬يعنى مزيدا من المبيعات وبالتالى مزيداً من الارباح للعاملين فى هذه الانشطة‮.‬

كل ذلك بطبيعة الحال من شأنه ان‮ ‬يحمل الاقتصاد الوطنى مزيدا من الاعباء اذا ما وضعنا فى الاعتبار ان الارباح الكبيرة المحققة فى هذه المجالات‮ ‬يتم تحويلها دوريا الى الخارج ومن ثم صناعة ضغوط متزايدة على سوق الصرف الاجنبية واستنزاف لموارد البلاد الدولارية وحرمان الصناعات التحويلية المهمة من اجتذاب استثمارات اجنبية ذات اعتبار او الحصول على تكنولوجيا حديثة تمكن هذه الصناعات من التطور والمنافسة خارجيا او داخليا‮.‬

واذا كانت السوق المصرية مقبلة على مرحلة مهمة من المشروعات الكبرى فى مجالات البنية التحتية والتشييد والنقل وغيرها وبما‮ ‬يعنى استهلاكا متزايدا من منتجات الصناعات التحويلية التى تخدم هذه المجالات مثل صناعات الحديد والاسمنت والكابلات والاسمدة لاستصلاح اربعة ملايين فدان حسب البرنامج الانتخابى للرئيس عبد الفتاح السيسى‮. ‬وبما ان الانتاج المحلى من هذه المنتجات لا‮ ‬يكفى او‮ ‬يسد الحاجة المتزايدة للمشروعات الجديدة يكون من الطبيعى أن تلجأ البلاد الى الاستيراد وبالتالى زيادة أعباء فاتورة الواردات الخارجية التى تتجاوز حاليا‮ ‬50‮ ‬مليار دولار سنويا وبما‮ ‬يدخل البلاد فى دوامة من الخفض المتتالى لسعر العملة المحلية فى ظل اختلال معادلة العرض والطلب فى سوق الصرف وبما‮ ‬ينتج عنه من موجات تضخم متتالية تلهب اسعار السلع الرئيسية وتؤثر سلبا على مستوى معيشة معظم المواطنين‮.‬

هنا‮ ‬يكون السؤال الآخر وهو‮: ‬ما الحل الذى‮ ‬يمكن ان تلجأ اليه الحكومة لمواجهة هذه التحركات المريبة من جانب بعض انواع الاستثمار الاجنبى فى السوق المصرية؟

بالطبع لا‮ ‬يمكن المطالبة بفرض اى قيود ادارية على حركة واختيارات الاستثمار الاجنبى اذا ما توافرت رغبة البيع لدى مساهمى شركة صناعات‮ ‬غذائية محلية وتوافرت رغبة الشراء لدى مستثمر اجنبى‮. ‬لكن من المهم تحديد أولويات هذا الاستثمار عبر منح مزايا اضافية للاستثمار فى مجالات الاقتصاد الحقيقى فى الصناعة والزراعة والتعدين ودخول المال العام مساهما فى شركات صناعية جديدة تلبى احتياجات البلاد من السلع الوسيطة والمنتجات الصناعية الحيوية لكبح جماح الانفلات السعرى الذى‮ ‬يقوده الاستثمار الخاص بجناحيه المحلى والاجنبى وهو الانفلات السعرى الذى ‬يدفع ــ ولا‮ ‬يزال ــ‮ الاقتصاد الكلى وعموم المستهلكين فاتورته الباهظة‮.‬