عمدت الإدارة الأميركية إلى تطمين حلفائها أنّ علاقتها بهم لن تتغيّر بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، والمرتقب كحد أقصى في 30 حزيران المقبل. كما أنّ المسؤولين اللبنانيين تلقوا تطمينات أميركية بأنّ موقف الإدارة صلب وليس قابلاً للتغيير بما خصّ دعم سيادة لبنان واستقلاله واستقراره ودعم الجيش، في ظلّ تبدُّل موقفها من إيران وفي مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق معها. فكيف ينتظر أن تسلك الدول الكبرى وإيران في حلّ مسائل المنطقة؟
تفيد مصادر ديبلوماسية أنّه إذا تم توقيع الاتفاق النووي، ولم تعترض ذلك عقبات، فإنّ مرحلة من الحوار حول قضايا المنطقة ستنطلق حتماً، من دون أن يكون هناك تحديد زمني لذلك منذ الآن.
كل طرف اقليمي حالياً يقوم بتجهيز نفسه والإعداد لهذا الحوار والتفاوض من خلال العمل لاكتساب الأوراق في يده على أرض الواقع. والكل مدرك أنّه بعد الاتفاق ستكون إيران على طاولة التفاوض، بعدما كان غير مقبول لها هذا الموقع في المرحلة السابقة. من الواضح أنّ هناك دعماً دولياً كاملاً لـ”عاصفة الحزم” وهي كسبت على الأرض وحققت نتائج ستستكمل في اليمن في “إعادة الأمل”.
وهذا تجسّد عبر صدور القرار 2216 حول اليمن، مع عدم الاعتراض الروسي على الأمر. وذلك يعبّر عن تقوية أوراق حلفاء واشنطن في المنطقة، بدعم من واشنطن وحلفائها الغربيين. وحيث الموضوع اليمني هو استراتيجي بالنسبة إلى الخليج.
إيران لم تكن طوال المدة السابقة مكتوفة اليدين، بل عملت لتقوية أوراقها في سوريا والعراق واليمن، وفي لبنان أيضاً، وتحديداً لم تسهّل انتخاب رئيس للجمهورية حتى الآن، وهي تقول ان الموضوع شأن داخلي لبناني، وان حليفها اللبناني أي “حزب الله” ومَن معه، يعود إليه القرار في هذا الشأن. مَن يكسب أكثر على الأرض يصبح الأقوى في التفاوض على الطاولة لاحقاً.
الولايات المتحدة لن تسلّم المنطقة لإيران بعد الاتفاق، كما أنّ إيران لن تقوم بالتخلّي عن أوراقها ونفوذها، إنّما إذا حصل توازن في المنطقة وفي حل قضاياها يكون الأمر جيداً، وواشنطن ليست ضدّ حصول هذا التوازن حتى في العراق. وذلك يتأمّن من خلال الحوار الأميركي الإيراني المنتظر، بعد أن يكون قد حلّ موضوع القنبلة النووية ووضع جانباً. هذا الحل هو ايضاً لمصلحة الخليج حيث لا سبب للتخلي أميركياً عنه بل على العكس. إنّما في الحوار بين الطرفين الأميركي والإيراني سيكون البحث مع إيران مفتوحاً، وستكون هناك مساومات متبادلة وتنازلات متبادلة، مع أنّه ليس لمصلحة واشنطن والخليج أن تسيطر إيران على الأرض في كل المواقع. والتوازن المرتقب لا يعني انه لدى التفاوض سيربح طرف على آخر، بل تنازلات متبادلة للوصول إلى حلّ مشترك. إنّما إذا حصل انتصار ما لأي طرف، فهذا أمر آخر. لكن لا يظهر منذ الآن ان طرفاً ما قادر على الانتصار في المنطقة.
في العراق يسود المنطق نفسه في التعاطي، إذ لا تريد واشنطن أن تدخل الميليشيات الشيعية لإخراج “داعش” من المناطق السنّية، عندها يعني ان طرفاً ما سيعاد تهميشه، وهي تفضّل أن يقوم الاعتدال السنّي بإزالة “داعش”.
من المبكر لأوانه الحديث عن بدء حوار أميركي إيراني، إنّما الكلام مع إيران سينطلق لمجرد توقيع الاتفاق، وستدعى إلى المؤتمرات لحل أزمات المنطقة. ويتوصّل الغرب إلى قناعة بأنّه يجب حصول تفاوض مع إيران لإيجاد الحلول للمشكلات العالقة في المنطقة، وإلاّ تبقى الحلول مُعَرْقَلَة.
هناك رأيان دوليان: الأول يقول بضرورة ان توقف إيران تدخّلها في قضايا المنطقة قبل التفاوض معها. والثاني يقول بضرورة التفاوض معها من أجل أن توقف تدخّلها. والأرجح أنّ الرأي الثاني سينتصر، حيث أنّه ليس معقولاً أن تقبل إيران بأن تكون إيجابية كما سيطالبها الغرب لاحقاً بعد التوقيع، من دون حوار معها.
وتتساءل المصادر، بالتالي: “هل من المعقول ان تقبل إيران بتسليم سلاح “حزب الله” إلى الدولة اللبنانية، قبل اتفاق أو تفاهم مسبق حوله؟”، وتجيب: “طبعاً لا”. وتضيف “هل من المعقول أن ينسحب “حزب الله” من سوريا وهي القضية الاستراتيجية والمهمّة بالنسبة لإيران، من دون حوار وتفاوض مسبقين؟”.
كلما عزّز فريقٌ أوراقه على الأرض أثّر في موقفه خلال التفاوض. ومرحلة ما قبل التفاوض هذه حتماً سيكون فيها عدم التخلي عن الحلفاء من أي جهة، ولن يكون هناك أي تخلٍّ بعدها، لكن سيصار إلى إنجاز تسويات.