نجح البنك المركزي المصري في الإجهاز على السوق السوداء للعملة التي سببت طوال أعوام صداعا للحكومات المتعاقبة في البلاد.
وتأمل السلطات أن يبعث ذلك برسالة إلى المستثمرين الأجانب بأن الاقتصاد يعود إلى وضعه الطبيعي بعد أربع سنوات من الاضطرابات.
لكن النجاح الذي تحقق بفضل إجراءات صارمة أخذها البنك المركزي لم يخل من تداعيات سلبية على قطاع الأعمال.
فالمستوردون والمصدرون على وجه الخصوص يقولون إن فرض سقف على الإيداع بالدولار في البنوك يقلص السيولة في سوق الصرف الأجنبي ويخنق نشاط الشركات دون أن يحقق الاستقرار طويل المدى المنشود في سوق العملة.
كانت السوق السوداء في العملة قد ازدهرت عقب انتفاضة يناير كانون الثاني 2011 التي أطاحت بحسني مبارك وما تبعها من تراجع تدفقات العملة الصعبة بسبب تدهور السياحة والاستثمارات الأجنبية.
وبعد شهور من التلويح بإجراءات للقضاء على السوق السوداء فاجأ هشام رامز محافظ البنك المركزي السوق في فبراير شباط بفرض حد أقصى على الإيداع النقدي بالدولار في البنوك عند عشرة آلاف دولار يوميا للأفراد والشركات وباجمالي 50 ألف دولار شهريا.
وجاء ذلك بعد سلسلة تخفيضات للسعر الرسمي للجنيه وتوسيع هامش بيع وشراء الدولار في البنوك مما دفع الجنيه للنزول خمسة بالمئة في غضون بضعة أسابيع.
وسرعان ما تلاشى الفارق بين السعر الرسمي للعملة والسعر في السوق السوداء بعد أن كان أكثر من عشرة بالمئة قبل عامين. ومنذ ذلك الحين يجري تداول الجنيه رسميا بين البنوك بسعر 7.53 جنيه للدولار.
ويقول متعاملون في السوق السوداء إن أحجام التداول هبطت بشدة منذ فرض حد على الإيداع بالدولار في البنوك وهو ما يحرم من يريد شراء الدولارات خارج القنوات الرسمية من فرصة إيداعها في البنوك.
وقال مدير إحدى شركات الصرافة لرويترز “إجراءات رامز ذبحت شركات الصرافة. نعاني من ركود جامد جدا.. مفيش طلب ونبيع بأقل من سعر البنك.”
وأضاف قائلا بنبرة أسى “السوق الموازية انتهت وشركات الصرافة تعاني من ركود شديد مثل حال باقي البلد. حد الإيداع خانق شركات الصرافة. أنا باشتغل 10 أيام فقط في الشهر.”
وأشار إلى أن قطاع الاستيراد تأثر أيضا “لكن أكثر المستوردين تضررا هم مستوردو السلع الهامشية خاصة من الصين يليهم مستوردو قطع غيار السيارات لأن البنك المركزي لا يغطي احتياجاتهم.”
ورحب صندوق النقد الدولي بإجراءات البنك المركزي بوصفها خطوة ستجعل مصر أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب. لكن كثيرا من أصحاب الأعمال المحليين يجدون صعوبة في تدبير احتياجاتهم ومواصلة النشاط.
يقول محمد أبو باشا الاقتصادي في المجموعة المالية – هيرميس إن فرض سقف على الإيداع بالدولار في البنوك زاد من صعوبة فتح خطابات ائتمان للشركات.
كما أن الطلب على شراء الدولار من البنوك تجاوز المعروض وهو ما يقول أصحاب الشركات إنه يضغط على السوق.
وقال أبو باشا “نظرا لأن الشركات لا يمكنها فعليا الآن اللجوء للسوق الموازية أصبح موقع كل منها على قائمة البنك المركزي للقطاعات ذات الأولوية أمرا مهما فعليا.”
ويركز البنك المركزي -الذي امتنع عن التعليق- في عطاءات الدولار الأسبوعية على تلبية الاحتياجات الاستراتيجية مثل الغذاء والطاقة.
وتتراجع أولوية توفير العملة الصعبة لمنتجات أخرى مثل السيارات والأجهزة الالكترونية.
وقال مدحت خليل الرئيس التنفيذي لمجموعة راية القابضة التي تعمل في استيراد أجهزة الكمبيوتر ومعدات الاتصالات إن عدم توفير البنك المركزي للعملة الصعبة للمستوردين من أمثاله أدى إلى تباطؤ النشاط.
وأشار إلى حد الإيداع بالدولار قائلا لرويترز “نحن نستورد فلا أحد سيتوقف عن العمل. (لكني) أنفق معظم وقتي في البحث عن وسائل للالتفاف على القواعد واللوائح بدلا من التركيز على عملي.”
وقال مسعود أحمد مدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي إن اجراءات البنك المركزي للقضاء على السوق السوداء “ستساعد في إرساء الأساس لمزيد من الاستثمارات وتحسين عمل أسواق الصرف.”
* المستوردون يضجون بالشكوى
يقول أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين في اتحاد الغرف التجارية الذي يضم نحو 800 ألف مستورد إن المستوردين في كل القطاعات تأثروا سلبا بفرض سقف على الإيداع الدولاري في البنوك.
ويضيف قائلا “هناك سلع اختفت من السوق مثل السماد وغيره بسبب عدم وجود سيولة. حجم الضرر كبير جدا على السوق وعلى الأسعار وعلى المستهلك.. بعض الشركات رفعت أسعارها بالفعل.”
وأشار إلى أن خطوط الإنتاج متوقفة في بعض المصانع بسبب نقص العملة.
وأبلغ شيحة رويترز أنه تقدم بطلب للبنك المركزي لإلغاء الحد الأقصى للإيداع بالدولار إلى أن يصبح المركزي لديه القدرة على توفير الدولار للمستوردين.
يلخص طارق أبو النور وهو صاحب شركة شحن وتخليص جمركي حال القطاع قائلا “المستوردين النهاردة بيلطموا… وهناك شلل في السوق.”
ويضيف أبو النور متسائلا “المركزي عمل كل ده علشان يقضي على السوق السوداء وفعلا ضربها في مقتل. طيب الناس اللي شغالة وعاوزة عملة صعبة لماذا لا يوفر لها المركزي احتياجاتها من العملة (خاصة أن) حصيلة الدولار زادت في البنوك؟”
ويرى محللون أنه مع تجاوز الطلب على الدولار المعروض فسوف يواصل الجنيه النزول بنسب يقدرها البعض بما يصل إلى عشرة بالمئة ولذا فمن المرجح أن تكون وفرة العملة وليس السعر هي ما يشغل بال المستثمرين.
ولاستعادة السيولة بالعملة الصعبة على المدى الطويل تحتاج مصر لنمو اقتصادي مستدام وهو ما تقول الحكومة إنه يتطلب استثمارات تصل إلى 300 مليار دولار.
وقال عفت عبد العاطي رئيس شعبة السيارات في غرفة القاهرة التجارية إن حجم استيراد السيارات انخفض بين 70 و80 بالمئة منذ تقييد الإيداع بالدولار. لكنه أضاف أن مبيعات السيارات “سيئة جدا” في الوقت الحالي لعوامل أخرى من بينها ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين والحالة الاقتصادية والأمنية بشكل عام في البلاد.
ورغم تأثر النشاط يلتمس عبد العاطي العذر للبنك المركزي في قراراته قائلا “رامز كان مضطر يعمل كده للسيطرة على الدولار … لو كان استنى لحد النهاردة كان الدولار وصل 8.50 جنيه. المهم هو الأكل والشرب قبل السيارات.”