فجّر إعلان شركة ديملر الألمانية المنتجة لسيارة مرسيدس، أنها ستنسحب من مصر الشهر المقبل، صدمة كبيرة في الأوساط الاقتصادية. ورأى محللون أن القرار يمكن أن تكون له تبعات كثيرة على مستقبل الاستثمار في البلاد.
انتقد خبراء اقتصاد مصريون السياسات الحكومية، التي أدت لقرار انسحاب شركة ديملر الألمانية من مصر. وقالوا إن ذلك يمكن أن تكون له تبعات وخيمة على موقف الشركات العالمية من الاستثمار في البلاد.
وكانت الشركة قد بررت قرار انسحابها بارتفاع الرسوم الجمركية على واردات الأجزاء المستوردة لتجميع السيارات في مصر، والتي تصل لنحو 50 بالمئة من سعر المنتج المستورد في معظم الأحوال.
وقالت إنها ستنسحب في الشهر المقبل من الشركة المصرية الألمانية للسيارات، التي تملك فيها نسبة 26 بالمئة.
وأكد حمدي عبدالعزيز رئيس غرفة الصناعات الهندسية في اتحاد الصناعات المصرية لـ”العرب” أن توقيت خروج شركة مرسيدس من السوق المصرية يبعث رسالة سلبية عن مناخ الاستثمار، خاصة أنه يأتي بعد مؤتمر مصر الاقتصادي الشهر الماضي.
وأضاف أن خروج مرسيدس من السوق يؤكد وجود “سياسات حكومية خاطئة وغير رشيدة من شأنها دفع مزيد من الشركات العالمية إلى الخروج مثلما فعلت مرسيدس”.
وأوضح أن الشركة يعمل فيها نحو 700 عامل وتشغل نحو 15 مصنعا مرتبطا بصناعة سيارات مرسيدس، وبالتالي سوف تتوقف تلك المصانع ويتم تسريح العمال.
وتقوم الشركة بتجميع السيارات في مصر، ومن بينها طرازات مرسيدس أس.سي.إي والسيارة الرياضية جي.أل.كيه. وذكر تقرير لمجلة “فوكس” أن الشركة باعت 4255 سيارة فقط في مصر عام 2014.
وأشار عبدالعزيز إلى أن مرسيدس أعلنت منذ عام 2010 أنها ستنسحب من السوق المصرية خلال عام 2015 إذا استمرت السياسات الحكومية في زيادة التعريفة الجمركية على مكونات السيارات المستوردة من الخارج.
وأضاف أن الغرفة أعدت إستراتيجية حول صناعة السيارات في مصر وقدمتها للحكومة من أجل إيجاد حلول للمشكلات التي تواجهها، من بينها خفض الرسوم الجمركية على واردات أجزاء السيارات وبعض الحوافز التصديرية للمكونات التي تصدرها مصر.
وقال عبدالعزيز إن مصر تحتاج 850 ألف سيارة سنويا من مختلف الأنواع. وكان من المخطط أن يرتفع الإنتاج إلى مليون سيارة، إذا استمرت معدلات النمو في إطارها الطبيعي.
ويصل عدد السيارات المرخصة في مصر نحو 7.5 مليون سيارة، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وأكد وليد توفيق عضو مجلس إدارة شعبة صناعة السيارات باتحاد الصناعات المصرية لـ”العرب” أن انسحاب شركة مرسيدس جاء بناء على عوامل استثمارية بحتة، لا تدعم خططها لتصنيع السيارات الموجهة للسوق المحلية، وليس للتصدير للأسواق الخارجية.
وقال إن اتفاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبي جعلت عمليات تصنيع مرسيدس في مصر غير اقتصادية، في ظل ارتفاع الجمارك على المكونات وقطع الغيار المستوردة، مقابل تراجع الرسوم الجمركية على واردات السيارات تامة الصنع من الخارج، والتي سوف تصل إلى نحو صفر بالمائة بحلول عام 2019.
وأشار إلى أن إجمالي مبيعات السيارات في مصر في العام الماضي بلغ نحو 300 ألف سيارة، وأن حصة سيارات مرسيدس لم تتجاوز نحو 1.5 بالمئة، أي ما يعادل نحو 4500 سيارة فقط.
وأضاف أنه تم في مصر تصنيع نحو 155 ألف سيارة من الأنواع المختلفة في العام الماضي، مقابل استيراد نحو 145 ألف سيارة.
وقال عفت عبدالعاطي رئيس شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية لـ”العرب” إن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ومصر منذ عام 2009 ولمدة 10 سنوات يقضي بخفض الرسوم الجمركية بنحو 10 بالمئة سنويا، كان السبب الحقيقي لاتجاه الشركة للتفكير في الخروج من السوق المصرية منذ فترة.
وأضاف أن انخفاض القيمة الجمركية على واردات السيارات، لا يؤثر على مرسيدس فقط بل على مبيعات جميع السيارات المصنعة في مصر.
وأشار إلى أن أحد الحلول لمواجهة تلك المشكلة يتمثل في فرض رسم قيمة مضافة على ضريبة المبيعات، لتعويض الهبوط في الرسوم الجمركية على الواردات.
وأوضح أن هبوط الرسوم على الواردات، سيجعل أسعار السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي رخيصة، بينما ستكون أسعار القادمة من كوريا واليابان والصين وغيرها مرتفع جدا، وهو أمر غير مقبول.
ولفت إلى أن خروج مرسيدس غير منطقي، وأن الحكومة تسعى إلى معالجة انخفاض الرسوم الجمركية على الواردات خلال الفترة الحالية، حتى لا يحدث انخفاض لأسعار بعض السيارات، مقابل ارتفاع أنواع أخرى، كما أن دخول البلاد في مرحلة الاستقرار يجب ألا يدفع الشركات للخروج من مصر.
وقال حسن غرياني، عضو شعبة السيارات في غرفة القاهرة التجارية لـ”العرب” إن قرار شركة مرسيدس يعد مؤشرا سلبيا على الاستثمار في السوق المصرية، مشيرا إلى أن الحكومة لا تشجع مستثمري السيارات، سواء المستوردين أو الموزعين، لأنها لا توفر العملة الصعبة لتيسير أنشطتهم.
وأكد أن البنوك لا توفر العملة لتلبية احتياجات المستوردين، وأن وكلاء السيارات يعانون من تأخر صفقات السيارات المتعاقد عليها بسبب عدم توافر العملات الأجنبية.